د.بدر المسكري – كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس
استكمالا لسلسلة الحلقات التي شرعنا بها في “أثير” لتسليط الضوء على بعض نصوص قانون مجلس عمان وأحكامه؛ يركز هذا المقال على شرط اختيار عضو مجلس الدولة ومرشح عضو مجلس الشورى الوارد في المادتين (7) و (15) وبالتحديد شرط أن لا يكون قد سبق الحكم عليه نهائيا بعقوبة جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو رد إليه اعتباره.
ويتضح من النص وجود حالتين يمنع فيهما الشخص من عضوية مجلس عمان بغرفتيه؛ الحالة الأولى: أن يكون الحكم صادرا بعقوبة جناية بغض النظر عن جسامة الفعل إن كان جناية أو جنحة، وبغض النظر كذلك عما إن كانت الجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، فالحكم بعقوبة جناية في حد ذاته كافٍ للحرمان من العضوية، وعقوبة الجناية كما حددتها المادة (24) من قانون الجزاء هي الإعدام أو السجن المطلق أو السجن المؤقت من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.
أما الحالة الثانية التي أوردها قانون مجلس عمان في هذا الشأن فهي الحكم في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ويلاحظ أن المشرع في هذا الحالة جعل من اعتبار الجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أمرًا كافيًا للحرمان من عضوية مجلس عمان، دون النظر لجسامة الفعل الذي صدر فيه الحكم إن كان جناية أو جنحة، وكذا دون الأخذ في الاعتبار العقوبة التي نطق بها القاضي إن كانت عقوبة الجناية أو الجنحة.
وفي هذا الإطار يجب التأكيد على أمر مهم هو أن المشرع أورد شرطًا أوليًا لتطبيق الحالتين السابقتين؛ وهو ضرورة أن يكون الحكم الجزائي نهائيًا باستنفاد طرق الطعن العادية أو فوات مواعيد الطعن، فالحكم غير النهائي بذاته لا يكفي لمنع الشخص من عضوية مجلس الدولة والشورى.
وفي هذا الإطار يثور تساؤل منطلق من أنه إذا أمكن من الناحية القانونية لمن صدر ضده حكم غير نهائي في إحدى الحالتين التي أوردها المشرع أن يكون عضوًا في مجلس عمان، فما الحكم أن لو أصبح هذا الحكم نهائيًا بعد اكتسابه صفة العضوية، هل يكون ذلك سببًا لإنهاء العضوية؟
وتكمن المشكلة في تحديد ماهية الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة حيث لا يوجد تعريف جامع مانع للجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة، وأمام التعريف العام الذي أوردته محكمة القضاء الإداري في تعريف الجريمة المخلة بالشرف أو الأمانة بأنها تلك الجريمة التي تشير إلى انحراف في طبع الشخص وسوء أخلاقه، وأمام سكوت قانون الجزاء الحالي عن تحديد ماهية تلك الجرائم وحذف النص الذي كان موجودًا في قانون الجزاء السابق بتحديد بعض الجرائم الشائنة، أمام كل ذلك ستبقى لجهة الإدارة سلطة تقديرية في تصنيف الجريمة التي صدر فيها الحكم إن كانت جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو لا، مع إطلاق هذه السلطة التقديرية وإفلاتها من كل رقابة قضائية وفق الواقع القانوني والقضائي في السلطنة .
وهنا يبدو من الصعب حرمان شخص من حق دستوري في ترشيح نفسه في عضوية مجلس الشورى مع وجود غموض في النص يحتاج إلى توضيح وتفسير.
ويثور هنا تساؤل حول هذا الشرط إن كان شرطا ابتداء أو شرط استمرار واستدامة؛ أي لو أن العضو ارتكب جرما بعد أن أصبح عضوًا فهل ستسقط عنه العضوية لانتفاء شرط أساسي من شروط الترشح أو التعيين؟
وقد جاء أيضا أن العضو لا يمكن أن يصبح عضوا حتى ولو رد إليه اعتباره، وهذا يدعو إلى معرفة سبب التشدد خصوصا مع رد الاعتبار. وهنا تبدو أهمية توضيح معنى رد الاعتبار، كما هو معلوم أن الحكم بالعقاب يتبعه في الكثير من الأحوال الحرمان من بعض الحقوق السياسية والمدنية، ويسجل في سجل السوابق الجرمية، وهذا قد يحرم الشخص من الاندماج مع مجتمعه مرة أخرى، لذلك قرر كثير من التشريعات منح الفرد الحق أن يحسن سلوكه ويبذل الجهد بغية مكافأته برد اعتباره إليه؛ فيتمكن من ممارسة حقوقه السياسية والمدنية ويندمج في المجتمع. وكما هو معلوم كذلك فإن رد الاعتبار قد يكون قضائيا أو قانونيا ويترتب على رد الاعتبار محو الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة للمستقبل وزوال كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق. وهنا يظهر تشدد المشرع العماني في قانون مجلس عمان في عدم السماح للفرد بالترشح حتى بعد رد الاعتبار، وهذا الأمر يقودنا إلى التساؤل إن كان هذا الأمر يتعارض مع الحق في النسيان، وهو الحق الذي يعبر عنه بعض الفقه الفرنسي ” الحق في البداية من الصفر”، وذلك بحق الشخص في عدم بعث الماضي من غياهب النسيان، والبناء على وقائع قد مضى عليها زمن طويل ودخلت طي النسيان. ويرتبط الحق في النسيان في حقيقة الأمر بحق آخر أكثر شمولًا هو الحق في حرمة الحياة الخاصة، والذي بمقتضاه يستحق كل شخص حماية حياته الخاصة من أحداث الماضي وتوابعها بما يعكر حياته المعيشة.
يتضح من القراءة الفاحصة لقانون مجلس عمان أن عضوية المجالس التشريعية تتطلب نوعًا من الأمانة والنزاهة والحرص قد لا تتوفر لدى الشخص الذي سبق أن ارتكب جريمة. ويتضح حرص المشرع العماني على حسن اختيار أعضائه وذلك بأن نص على عدم السماح بقبول عضوية أي شخص سبق أن ارتكب جريمة ولو رد إليه اعتباره.