عائشة بنت عبدالله المجعلية- باحثة تربوية
ليس بالآثار والشواهد التاريخية ، ليس بالماضي وبما كنا وكنا ، ليس بتطاول البنيان و الأبراج الشاهقة..ولا حتى بالاختراعات والأرقام الفلكية ..لا تنسب العظمة لشعب ما لأنه اخترع أو ابتكر أو بنى برجا أو شيد مدينة ، بل ينسب العمل لصاحبه فيلتصق به دون غيره..
العظمة في جوهرها لا تكيف ولا تحد ولا تمثل بشيء… ولكن الشعوب تعظم لمعنى دون معنى، سمعنا كثيرا عن الشعب العظيم الذي تحرر من المحتل بعزيمته والشعب العظيم الذي نهض من العدم بإصراره والشعب العظيم الذي تجاوز الأزمات والمحن بتآزره..
اليوم الجمعة ، الثامن من أكتوبر ،لن نقرأ الخبر في صفحة ما ،ولن يسردوا لنا حكاية قديمة ، بل سنرى ونشاهد أسطورة الشعب العظيم الذي هب بنفسه وماله ، من أقصى عمان إلى أقصاها.من كل أوب وصوب ، أفرادا وجماعات خرجوا من أبواب متفرقة ودخلوا من باب واحد..
ارتحلوا بأنفسهم ومالهم ، ملبين نداء إخوانهم ،مولين قلوبهم شطر المناطق المتضررة من إعصار شاهين ، إلى شمال الباطنة وكل أرض نطقت بالغوث والنجدة. جاءوا كبيرهم وصغيرهم ، رجالهم ونسائهم صفا صفا ، متآزرين سندا سندا في سبيل تخفيف الضرر عن إخوانهم ومشاركتهم العبء والمشقة ، لتعود الحياة إلى سابق عهدها وتنعم البيوت بطمأنينتها ورغدها وكفافها.
الأزمات وحدها تصنع الفارق ، هي الاختبار الحقيقي لمبادئ الأمم وأخلاقياتها ، هي الفاصل وفي حدها الحد بين القول والفعل، كذلك الأعاصير والكوارث الطبيعية هي أوقات صعبة وبها من الشدائد والمصائب الكثير إلا أنها المعادلة البسيطة لفكرة تضامن الأمم والشعوب وثباتها…
الآثار التخريبية التي خلفها إعصار شاهين قابلتها آثار أكثر اتساقا ،غاية في التنظيم والترتيب ، على سبيل الذكر وليس الحصر، الهدوء ورباطة الجأش … المنازل تعوم في الماء والطين ، والطرقات مختفية تحت الأودية إلا أنهم يتمون أعمالهم وينجزونها في هدوء ، مرتقين في حديثهم ومطالبهم ، صوتهم العالي متزن، كلماتهم منتقاة في أشد الظروف وأصعبها. أليس هذا الشعب عظيما ؟! بلى وربي.
الرحمة … كانوا فيما بينهم أشد رحمة ، زانهم اللين واللطف في القول والعمل ، متنافسين في التضحية ، يقدمون الصغير على الكبير ، المريض على الصحيح ..في هذه الملحمة الوطنية لا دستور عمل ولا قوانين مقيدة ، يزنون الأمور بميزان الرحمة ويقدرونها بتقدير الحاجة.، أليس هذا الشعب عظيما ! بلى وربي.
توارت المصالح الشخصية ، تساوت الأسماء والوجوه ، تضافرت وتكللت المهام والجهود ،الحرس السلطاني العماني والأفراد ،وحدات الجيش السلطاني العماني والمؤسسات ، اندماج واتساق
لا مثيل له، الكل يكمل الكل .. أليس هذا الشعب عظيما ؟! بلى وربي..
هنيئا لعمان ، هنيئا لسلطاننا هيثم المعظم ، هنيئا لحاضرنا المشرق ، لمستقبلنا الواعد .. اليوم ستطرز ذاكرتنا مشاهد للتاريخ ، ونموذجا للعظمة يحتذى ويقتدى بنهجه ، نتباهى به ونفخر فيحق لنا ذلك وينبغي..