أثير- مكتب أثير بالقاهرة
إعداد: محمد الحمامصي
في الرابع والعشرين من نوفمبر 1973م وطأت قدما المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه-أرض مصر، في زيارة كانت هي الأولى لقائد عربي لمصر التي حققت انتصارًا مجيدا في حربها ضد إسرائيل، وقد تجلى هذا الدعم في مشهد نزوله من طائرته مرتديا الزي العسكري، ثم قيامه بأداء التحية العسكرية للقائد المنتصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات القائد الأعلى للجيش المصري.
في هذا الوقت كان البرنامج الإذاعي الشهير “النادي الدولي” للفنان القدير سمير صبري قد تحول إلى برنامج تلفزيوني ليحصد المزيد من الشهرة بفضل استضافته لأبرز الشخصيات السياسية والثقافة والفكرية والفنية العربية والعالمية، وهنا كان لابد من استضافة ضيف مصر السلطان قابوس بن سعيد الزعيم العربي الذي سبق الجميع لدعم ومساندة مصر وتهنئتها بانتصار جيشها على إسرائيل واسترداده لقطعة غالية من وطنه “سيناء” التي كانت تحتلها إسرائيل.
يسرد الفنان سمير صبري في كتابه “حكاية العمر كله” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية جانبا من حواره مع السلطان قابوس بن سعيد –طيّب الله ثراه- هذا نصه:
“ذات يوم طلبني الدكتور عبد القادر حاتم أول وزير إعلام في العالم العربي وقال بأن السلطان قابوس بن سعيد الذي تولى الحكم في سلطنة عمان عام 1970 سوف يزور مصر في زيارة رسمية مهمة جدا، وأن الرئيس السادات اختارني لمحاورة جلالة السلطان في قصر الطاهرة في الثامنة مساء الغد”.
قبل الموعد المحدد جلست أتأمل صالون القصر الملكي الأنيق أثناء تحضير معدات الإضاءة اللازمة للتصوير، وقبل الثامنة بثوانٍ دخل السلطان قابوس مرتديا الزي العسكري فهو خريج ساند هيرست أرقى الكليات العسكرية بإنجلترا. وقفت مرحبا بجلالة السلطان ومرحبا بقدومه لمصر باللغة الإنجليزية، فابتسم وقال: “perfect English” وضحكنا وقد كسر جلالته رهبة الموقف بيننا منذ أول دقيقة، وبصوت رخيم وعميق حدثني جلالته عن ذكرياته أثنا الدراسة في إنجلترا وعن عشقه للمسرح البريطاني.
قلت لجلالته: هل شاهد جلالة السلطان مسرحية “mouse trap” التي كتبتها الروائية أجاثا كريستي والتي تعرض في لندن منذ سنوات؟
ـ إنها رائعة مثل كل أعمالها الأدبية، ودائما لا يمكن معرفة نهاية كل الرواية إلا في الصفحة الأخيرة.
ـ هل تقرأ أعمالها دائما؟
ـ إنني أحب كل رواياتها خاصة “الموت على ضفاف النيل” فحوادثها تدورعلى باخرة في النيل العظيم، وأتمنى أن تسمح لي الظروف بزيارة الأقصر وأسوان فزيارتهما هي زيارة للتاريخ الرائع لقدماء المصريين.
جلالة السلطان.. مَن من أدباء الأدب الإنجليزي تحب قراءة أعماله؟
ـ شكسبير طبعا.
ـ جلالة السلطان: ما هي أحب مسرحيات شكسبير إلى قلبك؟
ـ أحب حرفية شكسبير الدرامية في “هاملت” ولكني أكره التردد الموجود في شخصية هاملت نفسه وخوفه من اتخاذ أي قرار.. وأحب أيضا مسرحيتي يوليوس قيصر وعطيل.
ـ جلالة السلطان: ما هي الموسيقى التي تحب الاستماع إليها؟ عربية أم شرقية؟
ـ الموسيقي الشرقية طبعا وبعض الكلاسيكيات أهمها مؤلفات “شوبان”.
ـ وما هي الآلة الموسيقية التي تدخل قلب جلالتك بمجرد الاستماع إليها؟
ـ العود بلا شك فهو الإحساس الشرقي الأصيل وأكثر الآلات الموسيقية التي تعبر عن الرومانسية الشرقية، ثم آلة الكمان ثم البيانو أخيرا وليس آخرا.
ـ هل جلالة السلطان يعزف على أي آلة موسيقية في أوقات فراغه؟
ـ هوايتي العزف على العود إن وجد وقت الفراغ، وأعتقد أن ملك العزف على العود في العالم العربي هو الفنان فريد الأطرش ويليه الفنان العظيم رياض السنباطي.
ـ جلالة السلطان.. هل تستمع مع ملايين العالم العربي إلى حفل أم كلثوم الخميس الأول من كل شهر؟
ـ أحرص على الاستماع كل ليلة إلى أم كلثوم، تلك الموهبة الرائعة التي قربت وعرفتنا بعظماء شعراء العالم العربي، وبجمال لغتنا العربية وأفضل الاستماع إلى أم كلثوم في قصائدها التي لحنها لها السنباطي.
ـ جلالة السلطان.. ما هو حلمك في السنوات القادمة؟
ـ حلمي ليس لي.. حلمي لعمان بلدي، مصلحة عمان وأبنائه هي أولوياتي.. أتمنى أن أستطيع لمّ الشمل وتثبيت الانتماء للوطن وإتمام مراحل التعليم العالي لكل مواطن عماني، وإنشاء جامعات ومدارس في كل مكان وخلق الاقتصاد القومي الذي يجعل كل مواطن في عمان يبتسم ويشعر بالأمان والاستقرار في وطنه”.
هذا الجانب من الحوار والذي وضعه الفنان سمير صبري في كتابه عقب عليه قائلا ” ملحوظة: زرت عمان بعدها بسنوات فوجدت أن السلطان قابوس قد حقق الأمان والاستقرار لكل عماني ووجدت كل مواطن عماني يبتسم. حقا تحقق حلم السلطان لبلده”.
وأضاف صبري خاتما “ولن تنسى مصر أبدا موقف السلطان قابوس معها أثناء حرب أكتوبر 1973 وأنا أيضا لن أنسى حديثي مع تلك الشخصية ذات الثقافة العالمية”.