أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
أدّت العديد من القبائل والأسر العمانية أدوارًا حضاريةً مختلفة في سبيل صناعة مفردات التاريخ العماني ورفعة شأنه، وظهر من نسل هذه القبائل والأسر العديد من الأعلام الذين كانت أدوارهم وما تزال محل تأثير واهتمامٍ ودراسة، ومن بينها قبيلة بنو إسماعيل التي تعود إلى الإمام محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الحاضري، من قضاعة بن مالك بن حمير، وينتهي نسبه إلى يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام، عقدت له بيعة الإمامة بعدما أطاح بالحاكم النبهاني الشاعر سليمان بن سليمان بن مظفر، وذلك سنة 906هـ/1500م، فاجتمع العلماء وأهل الحل والعقد على إمامته وبايعوه، وسار فيهم سيرة حسنة، وقام برد المظالم من مرتكبيها إلى أهلها، توفي سنة 942هـ/ 1535م وكانت مدة إمامته ستًا وثلاثين سنة.
وقد أنجبت هذه القبيلة العديد من الأعلام في المجالات السياسية والعسكرية والفقهية والأدبية المختلفة حفظ لنا التاريخ العماني بعضًا من أسمائهم، ومن بين هؤلاء الأعلام الشيخ الوالي الفقيه بلعرب بن أحمد بن مانع الإسماعيلي الذي أدرك القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين وترك عددًا من المخطوطات الدالة على اهتمامه الفكري رغم مشاغله وأعبائه الإدارية كعاملٍ لأئمة اليعاربة على عددٍ من الولايات.
“أثير” في هذا التقرير تقترب من أحد الأعمال الفكرية المهمة التي قام الشيخ بلعرب بن أحمد بنسخها وهو مخطوط " ديوان المتنبي" الذي فرغ من نسخه يوم 11 ذي الحجة سنة 1102هـ، والمخطوط يوجد في خزانة الباحث الدكتور ناصر بن صالح الإسماعيلي الذي أمدّ معدّ التقرير مشكورًا بمجموعة من صفحات المخطوط وسمح له بالاطلاع عليه، وتعد خزانته المليئة بالعديد من المخطوطات والوثائق المهمة من أنفس الخزائن العمانية، وسبق لـ “أثير” أن نشرت للباحث الإسماعيلي عددًا من التقارير التاريخية المهمة في فترةٍ سابقة من بينها: رسائل الشيخ جابر نموذجًا: والحج في المراسلات العمانية، و6 وثائق مُهمة لقائد عسكري بارز تكشف جانبًا من قوة الأسطول البحري العُماني.
اسم الناسخ
هو الشيخ الفقيه الوالي الأكبر بلعرب بن أحمد بن الإمام مانع بن علي بن الإمام محمد بن إسماعيل الإسماعيلي أحد ولاة الدولة اليعربية وممن اعتنى بالمخطوطات تأليفًا ونسخًا وتملكًا، وقد تنقّل بين عددٍ من الولايات من بينها إبراء التي ينتسب إليها، وصور، ومسقط، وجعلان، ونزوى وهي آخر ولايةٍ عمل بها، وهو من أسرةٍ تولت مناصب عدّة في الدولة اليعربية.
تتلمذ الشيخ بلعرب بن أحمد على يد عدد من العلماء من بينهم محمد بن عبدالله ابن عبيدان، وعامر بن محمد بن مسعود السعالي، وسعيد بن أحمد بن محمد الخراسيني. كما درس على والده أحمد بن مانع الإسماعيلي، وعاصر جملةً من العلماء من بينهم محمد بن علي البحراني، وعلي بن مسعود المحمودي، وناصر بن خميس الحمراشدي، وعبدالله بن محمد بن مدّاد، وخلف بن سنان الغافري.
عاصر الشيخ عددًا من أئمة اليعاربة مثل الإمام بلعرب بن سلطان وكان واليًا له على عدد من الولايات، وأخاه الإمام سيف بن سلطان حيث استمر في منصبه كما تشير إلى ذلك بعض التقييدات في كتبه المختلفة، وسلطان بن سيف الثاني، ويشير استمراره في عهد هؤلاء الأئمة إلى مكانته العلمية والإدارية وسيرته الحسنة.
ورغم تعدد مهامه الوظيفية الإدارية إلا أن الشيخ بلعرب ترك جملةً من الآثار والمخطوطات فقد ألّف (جامع البيان في جوابات المشايخ من علماء عمان) في ثلاثة أجزاء جمع فيه جوابات عدد من العلماء، وله عدد من السؤالات والجوابات النثرية والنظمية أكثرها موجود في كتاب (فواكه البستان) لسالم بن خميس العبري، وكتاب (المنثور في العلم المأثور) لعبدالله بن سعيد المسكري.


وكان الشيخ بلعرب بن أحمد معتنيًا بنسخ الكتب، وتوجد مخطوطات كثيرة كتبها بقلمه منها على سبيل المثال نسخه لكتاب “الاستقامة” أثناء ولايته على نزوى، وأجزاء عديدة من كتاب " بيان الشرع“، وكتاب " منهج الطالبين وبلاغ الراغبين" للشيخ الشقصي، وكتاب " معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم“، وكتاب " الدلائل في اللوازم والوسائل" للشيخ درويش بن جمعة المحروقي. كما نسخ الشيخ بلعرب بن أحمد ديوان المتنبي بتاريخ الأربعاء الحادي عشر من ذي الحجة سنة 1102 أثناء ولايته على صور.


التعريف بمخطوط ديوان المتنبي
المخطوط من الحجم الكبير ويصل طوله إلى (31) سم، وعرضه (22) سم، ويتكون من قرابة (396) صفحة، تحتوي كل صفحة على (15) سطرًا، ويعود تاريخ نسخه إلى يوم الأربعاء 11 من ذي الحجة لعام 1102 هـ الموافق الخامس من سبتمبر سنة 1691م، وقد انتهى من نسخه في حصن صور في عهد الإمام بلعرب بن سلطان.

وقد امتاز المخطوط بجمال خطّه ونفاسته حيث استخدمت فيه عدّة ألوان كالذهبي، والأحمر، والأخضر، والأسود. كما وجدت به عدّة تقييدات في صفحاته الأولى من بينها قيد تملك لسليمان بن حميد بن ربيعه بن علي الإسماعيلي، وفي صفحته السابعة لعمر بن محمد بن سلطان البطاشي، وتقييدان آخران في الصفحتين الثامنة والتاسعة للشيخ سليمان بن ناصر بن سليمان الإسماعيلي، وتدل تلك التقييدات على تداول المخطوط بين عدد من المهتمين بهذا النوع من الأعمال الفكرية الأدبية.

وقد امتازت المخطوطات العمانية عادةً بالعديد من الزخارف وبالأخص في صفحة العنوان، والصفحتان في أول النص، وأوائل الفصول ونهاياتها، وآخر الكتاب وجلدته، فكان المخطوط يبدأ عادةً بصفحةٍ كاملة من الزخارف الهندسية، وكانت أوائل النصوص تميز بألوانٍ وزخارف مختلفة. وبالنسبة لهذا المخطوط فنجد أن الصفحة الأولى قد زيّنت بإطارٍ مستطيل طوله (23) سم وعرضه (15) سم يحيطه بثلاثة أضلاع نقاط على شكل هرم من اللونين الأحمر والأسود، وللمستطيل إطارين أحمرين يتوسطهما لونٌ ذهبي، وأغلب العناوين في المخطوط قد كُتِب باللون الأحمر، وفي الهامش تمت كتابة بعض أبيات الشعر، وأحيانًا يتم تفسير بعض الكلمات.

وأول قصائد المخطوط هي قصيدة “أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني”، وآخر القصائد " فدى لك من يقصّر عن مداكا"



المراجع
- الإسماعيلي، ناصر بن صالح. الجوانب الفنية في مخطوط ديوان المتنبي بمكتبة ناصر بن صالح الإسماعيلي، المؤتمر العلمي الدولي الرابع عشر: المخطوط العماني فهرسة وتحقيقا ودراسة بين الواقع والآفاق، وحدة الدراسات العمانية، جامعة آل البيت، المملكة الأردنية، يوليو 2022.
- النوفلي، حميد بن سيف. أماكن نسخ المخطوطات في عمان، الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، سلطنة عمان، 2020.
- مجموعة من المؤلفين. الموسوعة العمانية، المجلد الثاني، ط1، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، 2013، ص 550.