مسقط-أثير
إعداد: عبد العزيز بن عبد الله السعدي- ماجستير في التاريخ الإسلامي
عرفت عمان منذ القدم بتعدد المعتقدات الدينية فيها؛ بسبب التنوع العرقي لسكانها فمنهم: الفرس، والأفارقة، والعرب، وغيرهم، وبطبيعة الحال فإن لكل عرق من الأعراق ديانة خاصة يمارسون طقوسها، ومثال على ذلك: الديانة المجوسية، التي كان يعتنقها الفرس في عمان، وما يدل على وجودهم ما أشارت إليه المصادر التاريخية عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان عمرو بن العاص عام 11هـ/633م فأمره بأخذ الجزية من المجوس، والصدقة من المسلمين[1].
أما عن الديانة الوثنية التي هي موضوع المقال، فيقال: إن بداية ظهورها كانت بعد وفاة آدم عليه السلام، فقد ذكر ابن السائب الكلبي:” كان بنو شيث يأتون بجسد آدم في مغارة فيعظمونه ويترحمون عليه، فقال رجل من بني قابيل بن آدم إن لبني شيث دواراً يدورون حوله، وليس لكم شيء” فنحت لهم صنماً فكان أول صنم في التاريخ.[2]
اعتقد العرب بأن عبادتهم للأصنام تقربهم إلى الله زلفى، وزعم بعضهم بأنها تنفع وتضر، فكان فكر الإنسان الجاهلي لا يتصور الذات الإلهية إلا من خلال المُصورات والأشكال الملموسة: كالتماثيل والأصنام، وكان دائما ما يستعين بهذه الأصنام فهو يلجأ إليه في المواقف الصعبة في حياته، مثل: المرض، والقحط، والحرب، والكوارث الطبيعية، كما وصل بهم الحد بأن الشخص لا يقوم بأي فعل إلا بعد أخذ مشورة الصنم أو التمثال الذي يعبده، وكانوا يقدمون للأصنام القرابين، والمجوهرات الثمينة، والملابس الفاخرة ويزينوها بأبهى زينة تفاخرا بها أمام القبائل الأخرى، كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الأصنام لها ارتباط بالجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فمنها: ما له علاقة بالحرب، والمطر، والزراعة.[3]
أولا: الديانة الوثنية.
الدين لغة: هو المجازة والمكافأة، ومنه يوم الدين[4]. أما اصطلاحا: هو نظام متناسق من المعتقدات، التي تدور حول موضوعات مقدسة يجري عزلها عن الوسط الدنيوي، وتحاط بمختلف أنواع التحريم، وهذه المعتقدات تجمع كل المؤمنين بها في جماعة معنوية واحدة تسمى الملة.[5]
أما الوثنية هي: الديانة الشائعة في عموم شبه الجزيرة العربية، وهي التي كان يدين بها أغلب العرب قبل الإسلام، كما ظهر تباين في مسميات الأصنام وأشكالها. ويفرق صاحب كتاب الأصنام هشام الكلبي بين الصنم والوثن قائلاً:” الصنم يكون معمولاً من خشب أو ذهب أو فضة في صورة إنسان، والوثن هو ما تكون من الحجارة.[6] وبما أن عمان جزء من شبه الجزيرة العربية فالوثنية إحدى الديانات الموجودة فيها إلى جانب المجوسية، وبشكل أقل اليهودية. [7]ومما يدل على وجود الوثنية في سلطنة عمان ما ورد في قصة إسلام أهل عمان وشخصية مازن بن غضوبه المعروفة، الذي قرر الدخول في الإسلام والذهاب إلى المدينة المنورة، فكسر الأصنام، واتجه للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم.[8] وعبارة كسر الأصنام تفيد بوجود أكثر من صنم معبود في عمان قبل الإسلام، وهو دليل على وجود هذه الديانة فيها.
وقد أثبتت المصادر والدراسات التاريخية وجود نمط للحياة الدينية في عمان، منذ عصور ما قبل التاريخ و ما بعدها، واتضح هذا النمط من خلال اللقى الأثرية التي عثر عليها في المدافن العمانية، التي بينت حقيقة الايمان بالآلهة الفلكية :كالشمس، والقمر، والأوثان، والأصنام، بالإضافة إلى ذلك فقد آمنوا بالديانات السماوية التوحيدية، نلتمس تلك الديانات، وبشكل أكبر الديانة الوثنية، والتي انتشرت على نطاق واسع في عمان قبل الإسلام.[9]
أ-عبادة الأصنام في عمان:
لقد تأثرت عمان بكل العادات السائدة في شبة الجزيرة العربية ومن ضمنها عبادة وتقديس الأصنام، ويعد عمرو بن لحي هو أول من أدخل الأصنام إلى الحجاز ومكة، ودعا إلى عبادتها والتقرب إليها، وترك الديانة الإبراهيمية، وقد أتى عمرو بالأصنام من بلاد الشام.[10] وفي عمان تعددت الأصنام المعبودة من قبل القبائل التي سكنت فيها، ومن أشهرها قبيلة الأزد، ومن الأصنام التي عبدها الأزد:
مناة: وكان يعبدها أزد شنؤة وغيرهم من الأزد.
السعيدة: صنم أنثى وعلامة تأنيثه بآخره، وكان سدنته عند بنو عجلان.
رنام: من الأصنام التي عبدها الأزد في جاهليتهم ولم يعبده غيرهم، وكانت تلبية الأزد )لبيك رب الأرباب، تعلم فصل الخطاب، لملك كل مثاب).
هذه هي أصنام الأزد التي عبدت قبل الإسلام، كما كان للعرب بعض الأصنام المعروفة مثل: اللات والعزی ومناة وغيرها، التي كانت تعظمها كل العرب، وتحج إليها كل عام لتتبرك بها. [11]
كما دلت اللقى الآثارية والنقوش والمسكوكات على عدد من الأصنام التي كان يعبدها السكان في عمان قبل الإسلام، وهي:
- باجر: أحد الأصنام التي تعبد لها الأزد ومن جاورهم من طي وقضاعة، وقد سمي به رجل عرف بعبد باجر.[12]
- جمل: صنم ربما كان على شكل جمل، وقد سميت بعض العرب بعبد جمل، وممن تسمى بذلك الجلندى بن المستكبر الأزدي، وقد عثر على عدد كبير من دماء الجمال على مواقع متعددة من عمان، ويحتمل ذلك ارتباط بتقديس أو عبادة الجمل[13].
- العزى: أحد أشهر أصنام العرب، وورد اسمها ضمن سلسلة نسب الجلندى بن كركر بن المستكبر بن مسعود بن الجرار بن عبدالعزى بن معولة بن شمس[14]، وورد نسبها في نسب الجلندى العماني لربما يدل على تعبد أهالي عمان لهذا الصنم، وللعزى شهرة كبيرة عند العرب في الجاهلية، ويروى أنها كانت عبارة عن حجر أبيض، وكان يقسمون بالعزى، ويذكر الكلبي بأن هناك كعبة كانت بنجران لبني الحارث بن كعب يطوفون بها، وتعددت الروايات حول العزى وقصصها عند العرب[15].
- كهل: تتضح عبادة كهل في عمان من خلال ورود اسم هذا الصنم في النقش الآرامي المكتوب على اللوح المعدني. و” كهل” بمعنى ” كاهل” أي كهل[16]. وهذا الصنم كثير الورود في النقوش العربية الجنوبية والشمالية كالثمودية مثلا. ويعد كهل إله القمر.[17]
- ناجر: من الأصنام التي تعبد لها الأزد. وهو صنم الذي كان سادنه مازن بن غضوبة الطائي الخطامي[18]، والأرجح أنه نفسه باجر السابق الذكر.
الخاتمة
لقد تميزت عمان قبل دخولها للإسلام بتنوع الديانات فيها بحكم تعدد الأعراق، فوجدت المجوسية، واليهودية، والمسيحية، والوثنية، وأبرزت الدراسة الديانة الوثنية في عمان، والتي تعود جذورها التاريخية الأولى إلى بعد وفاة سيدنا آدم عليه السلام بحسب إشارة ابن الكلبي. أظهرت الدراسة تعدد الأصنام في عمان، وأبرزها الصنم باجر الذي عبده الأزد، وهي إحدى القبائل التي هاجرت من اليمن إلى عمان قبل الإسلام.
المصادر:
1- ابن الأثير، محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري (ت630هـ/1233م)، الكامل في التاريخ، ج2، تحقيق عبدالسلام التدمري، ط5، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م.
2- _____، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار ابن حزم، بيروت، 2012م.
3- ابن عريق، محمد بن عامر بن راشد المعولي الأفوي (ت1104هـ/1692م)، قصص وأخبار جرت في عمان، تحقيق سعيد الهاشمي، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2014م.
4 – الكلبي، هشام بن السائب (ت204هـ/819م)، الأصنام، تحقيق أحمد زكي باشا، ط3، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1995م.
5- النيجرمي، إبراهيم بن عبدالله (ت355هـ/966م)، إيمان العرب في الجاهلية، تحقيق محي الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1982م.
المراجع:
1- صراي، حمد محمد، عمان من القرن الثالث قبل الميلاد الى القرن السابع الميلادي، مكتبة الفلاح، الكويت، 2005م.
2- علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج6، ط2، جامعة بغداد، 1993م.
3- الماجدي، خزعل، علم الأديان تاريخه ومكوناته وأعلامه، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، 2016م.
4 – مجموعة من الباحثين، عمان عبر الزمان، ج3، مكتب جلالة السلطان للشؤون الثقافية، مسقط، 2020م.
5- معلوف، لويس، المنجد في اللغة، ط19، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1908م.
6- الهنائية، ميمونة حمد، الحياة الدينية في شبة الجزيرة العربية قبل الإسلام، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة
[1] – ابن الأثير، محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري (ت630هـ/1233م)، الكامل في التاريخ، ج2، تحقيق عبدالسلام التدمري، ط5، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م، ص208، (سيشار إليه لاحقا بابن الأثير، الكامل).
[2] – الكلبي، هشام بن السائب (ت204هـ/819م)، الأصنام، تحقيق أحمد زكي باشا، ط3، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1995م، ص51، (سيشار إليه لاحقا بالكلبي، الأصنام).
[3] – الكلبي، الأصنام، ص34؛ النيجرمي، إبراهيم بن عبدالله (ت355هـ/966م)، إيمان العرب في الجاهلية، تحقيق محي الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1982م، ص13، (سيشار إليه لاحقا بالنيجرمي، ايمان العرب).
[4] – معلوف، لويس، المنجد في اللغة، ط19، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1908، ص223، (سيشار إليه لاحقا بمعلوف، المنجد).
[5] – الماجدي، خزعل، علم الأديان تاريخه ومكوناته وأعلامه، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، 2016م، ص30، (سيشار إليه لاحقا بالماجدي، علم الأديان).
[6] – الكلبي، الاصنام، ص53.
[7] – صراي، حمد محمد، عمان من القرن الثالث قبل الميلاد الى القرن السابع الميلادي، مكتبة الفلاح، الكويت، 2005م، ص ص87 88، (سيشار إليه لاحقا بصراي، عمان من القرن الثالث).
[8] – ابن عريق، محمد بن عامر بن راشد المعولي الأفوي (ت1104هـ/1692م)، قصص وأخبار جرت في عمان، تحقيق سعيد الهاشمي، ط2، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2014م، ص75، (سيشار إليه لاحقا بابن عريق، قصص).
[9] – مجموعة من الباحثين، عمان عبر الزمان، ج3، مكتب جلالة السلطان للشؤون الثقافية، مسقط، 2020م، ص212، (سيشار إليه لاحقا بمجموعة، عمان).
[10] – الكلبي، الأصنام، ص54.
[11] – الهنائية، ميمونة حمد، الحياة الدينية في شبة الجزيرة العربية قبل الإسلام، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2011م، ص69.
[12] – علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج6، ط2، جامعة بغداد، 1993م، ص280، (سيشار إليه لاحقا بعلي، المفصل).
[13]– صراي، عمان من القرن الثالث، ص91.
[14] – ابن عريق، قصص، ص70.
[15] – الكلبي، الأصنام، ص17، ص109.
[16] – كهل: مادة: كهل، وهو من صار عمره بين الثلاثين والخمسين. معلوف، المنجد، ص701.
[17] – علي، المفصل، ج6، ص295.
[18]– للمزيد أنظر، ابن الأثير، عز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري (ت630هـ/1233م)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار ابن حزم، بيروت، 2012م، ص1059.