أخبار

رئيسة المجلس العالمي لكتب اليافعين تتحدث لـ “أثير” عن تأثير أدب الطفولة

رئيسة المجلس العالمي لكتب اليافعين تتحدث لـ “أثير” عن تأثير أدب الطفولة
رئيسة المجلس العالمي لكتب اليافعين تتحدث لـ “أثير” عن تأثير أدب الطفولة رئيسة المجلس العالمي لكتب اليافعين تتحدث لـ “أثير” عن تأثير أدب الطفولة

 

أثير- مكتب أثير في القاهرة
حاورها: محمد الحمامصي


أكدت الكاتبة والمترجمة التونسية د.وفاء ثابت المزغني، رئيس المجلس العالمي لكتب اليافعين، والمتخصصة في مجال إبداعات الأطفال، أن سلطنة عمان تهتم بالطفولة على جميع المستويات تعليما وأدبا وفنونا وأيضا الإعلام الموجه للطفل.

وأضاف في حوار مع “أثير”: دعيت أكثر من مرة حيث شاركت بورقة في ندوة اللغة العربية الثالثة “الكتابة تعليمًا وتعلمًا” برعاية وزارة التربية والتعليم في مسقط، والتي استمرت فعالياتها لثلاثة أيام بمشاركة عدد من الجهات من داخل السلطنة وخارجها، كما أقمت بقرية الطفل بمعرض مسقط الدولي للكتاب حلقة تدريبية للأطفال المكفوفين ومحدودي البصر تتمثل في قراءة تفاعلية بكتاب رسوماته تفاعلية، كما شاركت في أعمال الندوة الدولية ” أطفالنا وإعلام المستقبل ” في دورتها الثالثة والتي نظمتها وزارة الإعلام بالسلطنة بالشراكة مع منظمة اليونيسيف وجمعية الأطفال.

وذكرت أيضا: دعيت إلى معرض مسقط للكتاب حيث قدمت تدريبات للمعلمات حول توظيف الأقنعة في القراءة الممسرحة للترغيب في القراءة وتقريب الكتاب من الطفل. وكانت لي وقتها مناسبة للاحتكاك مع العديد من الكتاب في السلطنة ممن كتبوا للطفل، سواء عمانيين مثل د.وفاء الشامسية أو مقيمين مثل الكاتب التونسي محمد الغزي الذي فاز بجائزة السلطان قابوس عن فئة أدب الطفل، كما اطلعت عن كثب على تجربة مجلة مرشد للأطفال وهي تجربة رائدة تستحق التشجيع، والسلطنة لها توجه متميز الاهتمام بأدب وثقافة الطفل وهذا انعكس في الفعاليات التي قامت بها وزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم.

وأكدت أن أهمّ ما يتميّز به عالمُ الطفولة أنّه يفتح الأبوابَ في وجه الطفل بطُرق مختلفة يجعله يُحلّق بعيدا مع أطفال من أبناء لغتِه وثقافتِه، ومع أطفال من لغات وثقافات أخرى، فيعيش حياةً أخرى وعبرَ أزمنةٍ مُتعددةٍ.
وأوضحت أن من أهم ما يختص به أدب الطفولة أولا أنّه أدبٌ يرحل عبر الزمان، من الماضي إلى الحاضر وإلى المستقبل، ومن المَنطق المُتعارَف عليه إلى منطقٍ جديدٍ ومختلِفٍ، وتفكيرٍ خارجَ الصندوق. ويَحصل كلّ هذا منذ القديم بواسطة الخيال؛ فالخيال يُوفّر للطفل فضاءات لا تعترف بالحدود مهما كان نوعها، فمن يكتب للطفل يوظّف خيالَه لبناء عالم إبداعي، فيه أحيانا شخصيات مبتكَرة، وأماكن غير موجودة في الواقع الّذي نعيشه، وأزمنةٍ تختلف عن الحاضر الّذي يعيشه الطفل، وأحداث لا تمُتُّ لواقعه المباشر بِصِلَةٍ والطفلُ الذي يقرأ الأدبَ المخصَّصُ له يحلّق بدوره في عالَم يُثير خياله، ويَجعله يواجه أسئلة، ويدعوه إلى حلّها، ويُوَسّع قُدرته على التفكير الناقدِ. ثانيا أدبٌ يُهدي للطفل قصصا كثيرة من الأدب الشعبي تربّى عليها أجيال من الأطفال بواسطة حكاياتٍ وخرافاتٍ يرويها مُشافَهَةً الحكواتيون، والجداتُ، والأجدادُ على مَرِّ العصور وفي مختلف الأمكنة.وعلينا أن نستحضِر هنا مثلا قصص السندباد البحري ورحلاتِه المُبهِرة، وعلاء الدين بمصباحه السحري، و”سندريلا”التي تحمّلت الظلمَ، والمعزة المعزوزيّة” وجِديانِها المُتسرّعين والذين انطَلَت عليهم مكيدةُ الذئبِ إلخ، فهذه القصص التي ذكرناها، على سبيل المثال، قد سافرت من بلد إلى بلد، وعبرت حدودًا ثقافيّة ومكانيّة وزمانيّة لا تُحصَى، وسَمِعها أطفالٌ من العالم لا تَربِطهم علاقةٌ إلاّأنهم يشتركون في سماع الحكايةِ.
وأضافت المزغني: كان الذي يروي هذه الحكاياتِ العابرِة للحدودِ والثقافاتِ أو يُعيد كتابتَها بلغةٍ مختلفة أو يقتبِسُ منها أفكارًا ويُحوِّرها، فهو يُحاول دائما أن يجعلها تتأقلم مع البيئةِ التي انتقلت إليها حتّى تُحقّقَ أهدافها، ومن هذه الأهداف : المتعةُ، التربيةُ، التّثقيفُ إلخ. مثال ذلك قصة “الشمس والقمر” الكورية تشبهُ إلى حدٍّ كبير قصة َذاتِ “الرّداء الأحمر” الّتي عرفناها بأسماء مختلفةٍ. ونحن نجدُ فيها تقاطعًا واضحا مع قصة “معيزة معزوزيّة”. وحكايات الأطفال مثلُ غيرها من القصص تتأثر بسياقها الثقافي وبالأدب المحيط بها وتنتُج عمّا يُسمّى في نقد الأدب بـ ” التّناصّ”intertextuality” أي تداخل النصوص فيما بينها، وتولّد بعضها من بعض.
وأشارت إلى أنّ أدبَ الأطفال يعبر الحدودَ، ويَمُدّ الجسورَ من خلال الكتاب المكتوب بمختلف اللغات: فالأطفال المتعلّمون الذين يُتقنون اللغات يرحلون إلى ثقافة الآخر، ويدخلون إلى العوالم الغريبة التي كثيرا ما تُثير دهشتَهم، فهي تروي أحداثا، وتصف أماكن مختلفة بطريقة ما عن الواقع المحيط بهم. وهذا ينطبق أيضا على الكتاب المترجَم والمقتبَس: حيث ينشأ الأطفالُ على سماع أو قراءة قصص مكتوبة قد تكون منقولة من الأدب الشّعبي العالمي، أو مترجَمةً من الأدب المكتوب في ثقافات أخرى، فيتدخّل الكاتب ويقوم بتعديلات في شكل الحكاية ومضمونها بالحذف والإضافة مثلا ليجعلها تناسب ثقافته: قطة الرماد، عائشة بنت السماك، بالإمارات لها أسماء متعددة. أما الموضوعات التي تهمّ القارئ، فهذا يعتمد على الفئة العمرية التي نتوجّه إليها. فما يحبّه أطفال الطفولة المبكّرة أو أطفال سن ما قبل المدرسة يختلف كليّا على مايميل إليه قارئ الناشئة أو اليافعين. ثمّ نجد قصصا قد تختلف نسبيا من حيث الشكل والمضمون عندما يكون القارئ من ذوي الاحتياجات الخاصّة. وإجمالا القصص المصوّرة تستهوي الأطفال الصغار، أدب الخيال، والتاريخ، والأساطير، والقصص الإنسانية والاجتماعية والواقعية، مثلا هي من النوعية التي تصافح عقول اليافعين. وعلينا أيضا، ونحن في سياق الأدب وعبور الثقافات، أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين أطفال العالم، فالأذواق ليست دائما متطابقة بين أطفال العالم رغم تأثير العولمة التي قرّبت بين الثقافات وأثرت بسرعة فيها وكادت تقضي على الخصوصيات.
ورأت المزغني أن عالم الإبداع الموجّه للطفل قد انتقل إلى وسائطَ وأنواعٍ فنيّةٍ مختلفة منها: الأفلام والقصص الكرتونية والمرسومة مثل قصص “هاري بوتر” لـ”جوان رولينغ تحولت إلى فيلم، وكذلك قصّة الأسد الملك، وقصة أليس في بلاد العجائب التي تحولت إلى فيلم ومسرحية وإلى أفلام كارتونية مثل الفيلم الكارتوني”بينوكيو والمقتبس من رواية “The Adventures of Pinocchio”، للكاتب كارلو كولودي، وسيندريلا للكاتب “شارل بيرو”، وحورية البحر للكاتب والشاعر الدنماركي “هانس كريستيان أندرسن وسالي، رجع قصة “سالي” إلى رواية للأطفال تحت اسم “A little princess”، للكاتبة الفرنسية “فرانسيس هودسون برنيت”،وجزيرة الكنز التي تحولت إلى مسلسل.
وقالت: من خلال تجربتي كحكواتية، ومربّية ومنتجة لبعض الأفلام القصيرة قمت بتحويل بعض القصص إلى مصادر تعليمية، فقد أنتجوا أفلاما قصيرة شارك فيها الأطفال ذاتهم، وأبهروني بالإضافات الجديدة التي أدخلوها على السيناريو مثل قصة الزرافة ميليا. وفي تجربة أخرى حوّلتُ مع شركائي من جمعية المكفوفين الألمانية إلى كتاب برايل ليقرأه الأطفال من ضعاف البصر أو الفاقدين له. ومن جهة ثالثة تعلمت، من خلال تجربتي مع الألمانية غابي هوم التي عملت أكثر من 30 سنة مع نستلي ومعهد غوته في برامج الترغيب في القراءة، كيف يمكن أن نستخرج من الكتاب الواحد أكثر من 20 نشاطا. ومن بين التجارب المثيرة تفاعل الطفل القارئ وهنا أذكر تجربتي مع مدرسة “ألفونسو لامارتين” بطرابلس بلبنان حينما استثمرت قصّتي التي كتبتها “مغامرات مروان مع الروبيان” في قراءة تفاعلية مع أطفال دون سن الست سنوات وقد رافقتُهم مع عدد من التدريبات المصاحبة مثل صيد الكلمات، البحث عن الحيوانات البحرية التي لها مثيلها في البر، ورسم الحيوانات البحرية من خلال إشارات موجّهة. كما استثمرت ترجمتي لقصّتي “التنين الصغير” و”عصيدة الأرز” والذي أدرج في القائمة الشرفية للمجلس العالمي لكتب اليافعين بسويسرا إلخ في ورشة كتابة الطفولة المتوسطة بسلطنة عمان، وقام الأطفال بتقديم نهايات القصة أكاد أجزم أن الكاتب لم يفكر فيها.
وأكدت أن أدب الأطفال يبني بصفة عفوية في الغالب جسورا ثقافية بين الأطفال بوسائط مختلفة، ويمكن جعله واسطة لنشر ثقافة المحبة والإخاء ومبادئ حقوق الإنسان، كما أنه يصنع عوالم تقرب الأطفال بعضهم ببعض وتمتّن علاقاتهم وتجعلهم يعيشون في عالم بلا حدود تقريبا، فنصبح نتحدث عن الطفل بصورة عامّة، لا عن أطفال، مع مراعاة بعض الخصوصيات الاجتماعية والثقافية التي لا تنفّرهم من بعضهم ولا تهدم جسور التقارب بينهم.
وتابعت المزغني: أدب الطفل قد يقرّب أحيانا بين الأطفال لكن ليست الصورة دوما مثالية، فنحن أحيانا نجد في هذا الأدب بوسائطه المختلفة أحيانا أفكارا وصورا نمطيّة قد تُعمّق الهوّة بين الأطفال وتبني سدودا بين ثقافاتهم؛ لذا يجب العمل على مقاومة هذه الجهات التي تستغل عالم الطفل البريء لتوجه فكره وتبرمجه بطرق تسيء فهمه للعالم وتنفّره من غيره وتزيد من عزلته، وتؤثّر في نساء ورجال الغد.وهذا لن يكون إلا بالعمل المباشر والمشترك بين الكتاب ودور النشر والمثقفين وكل الأطراف المعتمة بأدب وثقافة الطفل.
ولفتت في ختام حديثها لـ “أثير” إلى أن الكتابة للطفل والنشر له ممتعان، وإنّ فن وصناعة المحتوى يتطلبان تضافر جهود مختلف المتدخلين في مجال ثقافة الطفل وأدبه: كتّاب، شعراء، مدرّسين، الأسرة، رسّامين، ناشين، منتجي أفلام ورسوم إلكرتونية إلخ في إنتاج ثقافة الطفل مع الأخذ في الاعتبار القواعد التي تشجع على الخيال الذي يوجد التآلف بين الأطفال ويقويّ قيم التقارب بين الأطفال باختلاف ألوانهم أو جنسياتهم أو لغاتهم أو أديانهم.





Your Page Title