مسقط-أثير
كتب: محمد بن علي الوهيبي- كاتب عماني
لم يتبقَّ على بدء العام الدراسي الجديد إلا أيام معدودات، فيفرض علينا واقع الحال طرح الاستفهامات الآتية:
هل أكملنا الأستعداد لاستقبال عام دراسي جديد ؟
مدارسنا، هل هي في حالة تهيؤ كامل؟
وكيف تم استيعاب الإخفاقات السابقة؟ وهل وضعنا البدائل الملائمة؟
الهيئات الإدارية والتدريسية وتشكيلاتها، والكتب الدراسية هل هي حقًا مكتملة أم أن هذا العام لا يختلف كثيرًا عن الأعوام التي سبقته!!
هذه الأسئلة وغيرها سوف يجيب عنها العام الدراسي المقبل!!
هدف التعليم الأهم يجب أن يتمحّور ويرتكز حول إعداد الفرد للحياة بكافة أشكالها وتقلباتها، وأن التعليم والتحلي بالصبر حتى الفوز بالنجاح هو الفرح والزهو الحقيقي.
لنجعل همّ التعليم ومقاصده في ظل انقلاب موازين القوى والسيطرة والهيمنة والتي يشهدها العالم حاليًا خاصة تلك التي تُعنى بالنواحي الاقتصادية والتي يبدو أنها ستقود العالم في الزمن القادم لتفرض نفسها بديلا عن هيمنة وتحكّم القوة العسكرية، ومن هذا المنطلق ينبغي علينا تهيئة الأجيال علميًا وعمليًا ومهنيًا بما يتماشى مع السياقات المعاصرة لسد حاجات البلاد في مختلف المهن والوظائف التي ستجعلنا نقلل الاستعانة بالاستقدام من الخارج إلا فيما ندر، حيث يفترض الآن أن تكون بلادنا قد وصلت في بناء الإنسان علميًا ومعنويًا إلى النضج الكامل وأصبح بإمكان مواطنها مواجهة كافة التحديات.
لوحظ خلال السنوات الأخيرة تراجعًا في ملء شواغر مهنة التعليم في المدارس من أبناء عُمان عكس ما كان مرسومًا ومخططًا له وهذا مرده للقرار الذي جانبه الصواب، والذي تسبب للأسف الشديد في إغلاق معاهد وكليات إعداد المعلمين والمعلمات التي كانت موزعة جغرافيًا على خارطة السلطنة بشكل متوازن، فكانت موجودة في مسقط وصلالة ونزوى وصور وعبري والرستاق، ونجحت تلك المؤسسات التربوية خلال الفترات السابقة في إعداد وتخريج دفعات تكفلت بسد احتياجات البلاد في معظم التخصصات التعليمية وأدت إلى استقرار مدارسنا التي تميزت في ذلك الوقت بكفاءات مواطنة قامت بدورها على أكمل وجه.
لذا؛ يتوجب علينا الآن إعادة الاهتمام والاستثمار في إعداد المعلمين والمعلمات المواطنين وتمكينهم وفق أحدث النظريات والطرق والوسائل التعليمية فهم الأجدر والأحق بقيادة قاطرة العلم في البلاد.
“ولا يشعر بالجرح إلا من به ألمٌ”
وهذا الأمر إذا حظي بالاهتمام والمبادرة فإنه سيتمكن بلا شك بالمساعدة في التخفيف من ثقل ملف الباحثين عن عمل.
كما يجب عدم إغفال الجانب الصحي إعدادًا وتأهيلاً للكوادر المواطنة وتمكينها بما يلزم لمواجهة الأمراض والأوبئة التي بدأت تطغى وتستشرس، وأصبح من الواجب أن يتسلح القائمون على الجوانب الصحية المختلفة بأحدث المختبرات والأدوات والدراسات والخبرات اللازمة لمقاومة العلل والأوبئة، ومجابهة كل من يستغل الألم والداء والسقم لتحقيق مكاسب وأرباح خيالية بعيدًا عن الأخلاق والمُثل العُليا.
وقد رأينا هذا جليًا وبشكل فاضح وفادح في جائحة كورونا من حيث الاستغلال والتلاعب الذي وقع في الفحوصات واللقاحات.
وفي كل الأحوال فإنه من الضروري أن يكون التعليم بمثابة النور الذي يغمر الإنسان ليحرره وينتشله من أوجاعه وبؤسه ويمكنه من هزيمة الجهل والخرافة كما يجب ألا يُغفل عن كيفية التعامل مع ما يتم طرحه في وسائل التواصل المستحدثة واختيار ما يُناسب ويتوافق مع تنمية القدرات العلمية والمدارك العقلية، وما يتواءم مع قيم ومبادئ المجتمع، ونبذ السخافات والتفاهات الرائجة، وكل ما من شأنه أن يحط من قيمة الإنسان وكرامته.
ولا يفوتني هنا أن أذكّر بأن بلادنا تزخر بكوكبة رائعة من التربويين أغلبهم ممن أمضوا إلى حين إحالتهم إلى التقاعد أكثر من 35 عامًا تدرجوا خلالها في وظائف ومنابر مهنة التعليم المختلفة من مسمى معلم إلى مدير مدرسة ثم مدير عام ومنهم من وصل إلى مرتبة وكيل وزارة.
وربما من المناسب في هذه المساحة أن أسلط الضوء على الاستفادة من الذين أحيلوا إلى التقاعد وأغلبهم ما زالوا في أوج النشاط والعطاء، وكان يجب أن تحصد البلاد ما زرعته واستثمرته فيهم طوال الخمسين سنة الماضية خاصة ممن كانوا مديرين ومديرات للمدارس، ومديري عموم المحافظات التعليمية، هؤلاء النخبة التربوية أكسبتهم سنين عملهم وجدهم واجتهادهم خبرات مهمة وتجارب نادرة في فهم التنوع الجغرافي والتعليمي وتأثيره على الإنسان والمكان، وتفكيره وخياراته، وتشكيل شخصيته وسلوكه.
فينبغي الآن وقد حدث ما حدث عدم إهمالهم وينبغي الاستعانة بهم والاستفادة من تجاربهم وحنكتهم في مواجهة التحديات التي تعترض مسيرة التعليم واعتبارهم بيوت خبرة يتم اللجوء إليهم عند اللزوم بدلا من استقدام بيوت خبرة خارجية، فهم من هذا الوطن وهم أدرى بشماله وجنوبه وشرقه وغربه وهم أعلم بتنوع جغرافية هذه الأرض وبيئتها، ولهجاتها وعاداتها وتقاليدها، وفنونها وأناشيدها
ولعله من المناسب أن أختم هذه السطور بمقولة الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل:
“قد يضع العلم حدودا للمعرفة، لكنه لا يجب أن يضع حدودا للخيال”