أثير – سيف المعولي
لم تكن التهاني بالعام الدراسي الجديد يجف حبرها، ويخف بريقها، حتى انقلبت في سويعات معدودة إلى حروف أسى وحزن؛ فبعد صباحات سعيدة بيوم جديد لبس فيه الطلاب أبهى حللهم، وسارعوا الخطى إلى مدارسهم مُستبشرين، جاء النبأ الحزين: حالة دهس لطالبة في أول يوم دراسي!
اشتعلت مجموعات الواتساب وحسابات تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى بالخبر، وأُشبِع نقاشًا وتحليلًا، دون أن يكون هناك توضيح شافٍ من الجهات المعنية عن ملابسات الحادث -حتى كتابة هذه الكلمات- إلا تصريح من المدير العام لتعليمية محافظة مسقط قال فيه “المؤشرات الأولية تدل على إهمال واضح لسائق الحافلة ورعونة سائق السيارة”، ليبقى الناس ما بين مُعزٍ لأهلها، ومطالب بتشديد العقوبات على المتهورين، ومتسائلٍ: كيف تستطيع وزارة التربية والتعليم إيقاف مثل هذه المآسي مستقبلا؟
الحادثة ذكّرتني بموقف له علاقة غير مباشرة بما حدث اليوم؛ ففي العام الداسي الفائت، كانت الحافلة تمر على ابني صباحًا وتقف على مسافة تتعدى الـ 100 متر من المنزل، وعند حلول الشتاء ونظرًا لتأخر الشمس في الشروق، وبرودة الجو فجرًا، ولكثرة الغبار كون الطريق ترابيًا؛ ذهبت إلى المدرسة وطلبت من مشرف الحافلة إخبار السائق مراعاة ابني والمرور عليه من أمام المنزل للأسباب أعلاه، فطلب مني زيارة المنطقة والوقوف على المكان، وبعدها اتصل بي وقال: القانون يسمح للحافلة بأن تقف على بعد 200 متر من منزلك، ثم تفاجأت بأن سائق الحافلة أصبح يقف بمسافة أبعد عن السابق، بل لا ينتظر وإن تأخر ابني عن الوصول للمكان بدقيقة واحدة!
الموقف الذي ذكرته لم أرد منه نبش قضية وصول الحافلات إلى أمام المنازل فأنا أعرف بأن الكثير من الآباء يضطرون لاستئجار وسائل نقل لإيصال أبنائهم إلى مدارسهم، لكن الأمر يتعلق برعونة “بعض” السائقين وإهمالهم وتعاملهم مع مثل هذه المواقف، واستعجالهم في أخذ الطلبة أو إيصالهم مع قلة مسؤولية من “بعض” المشرفين عليهم، وضعف متابعة من “بعض” إدارات المدارس.
هذا هو أحد أسباب وقوع الحوادث المؤلمة؛ فالطفل وهو يقطع الشارع لا يعي ما يعتريه من خطورة، ولو فكّرنا، فإن الأمر لا يحتاج إلا إلى دقائق معدودة من “الانتظار”، وعدم الاستعجال، ونتائجه وثماره ستكون كبيرة بإيقاف نزيف أرواح بريئة لو رحلت لن يكون لأهلها طعم في الحياة؛ فمتى ننظر إلى ذلك الطفل كأنه ابننا، ونراقب خطوات نزوله من الحافلة وصعوده إليها كما نراقب خطوات فلذات أكبادنا؟
رحم الله الطالبة حور السدية وربط على قلوب أهلها وألهمهم الصبر والسلوان وحسن العزاء.