عبدالرزاق الربيعي يكتب عن حاملي “بيارق التميّز”

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- عبدالرزّاق الربيعي

في طريق مطار الملكة علياء الدولي المتّجه إلى الدوّار السابع حيث مدخل العاصمة الأردنيّة عمّان، يصطفّ عدد كبير من صور ملونة عالية الجودة، نصفية، بالحجم الطبيعي لشباب مبتسمين يرتدون معاطف التخرّج، ويقبضون على ورقة مطويّة، حين سألت رفيقتي الشاعرة جمانة الطراونة عن هؤلاء الشباب، وسبب وضع صورهم في هذا الشارع الذي يمثّل واجهة للقادمين إلى عمّان، أجابتني: إنّها صور الطلبة المتفوّقين في اختبارات الثانوية العامّة على مستوى المملكة لهذه السنة، وهي ليست ثابتة، بل يتمّ استبدالها كل سنة، فترفع، وتوضع مكانها صور المتفوّقين الجدد.
تخيّلتُ شعور الطلبة عندما يشاهدون صورهم في الشوارع، ومباهاتهم بها أمام زملائهم، وأخوتهم، فكم سيضاعف ذلك من إحساسهم بالفخر بمنجزهم، والرضى عن الذات، واعتزازهم بتفوّقهم، وهذا كفيل بدفعهم لبذل المزيد من الجهود في مضمار العطاء، وسيصبحون قدوة لسواهم، أمّا عن مشاعر ذويهم، فهذه لا يمكن وصفها، إذ لا يوجد أعزّ وأجمل من لحظة يرى فيها الأب ولده متفوّقا، وقطوفه دانية.
واصلت طريقي مستدعيا حكاية كنتُ قد ذكرتها في مناسبة سابقة، لا بأس من ذكرها، كونها تعطينا فكرة عن رعاية الغرب لأصحاب المواهب، تلك الحكاية رواها لي الشاعر عيسى حسن الياسري عن زيارة قام بها لبلغاريا، مطلع الثمانينيّات، فشاهد تمثالا يتوسّط حديقة عامّة، لطفل لا يتجاوز العاشرة من العمر، فسأل عن المنجز الذي قدّمه هذا الطفل، فقيل له، كانت له محاولات في كتابة الشعر، تنبيء عن موهبة، لكن القدر لم يمهله، فتوفّي في حادث، ولكي يصبح قدوة لزملائه وضعت البلديّة هذا التمثال، ليحلم كلّ واحد من زملائه الذين كانوا يتنزّهون في الحديقة، أن يصنع له مثل هذا التمثال، وهذا يشكّل للنشء الجديد حافزا للتفوّق ومضاعفة الجهود، وتنمية المواهب، والطريق إلى ذلك يمرّ عبر المسابقات، والأنشطة اللاصفيّة، ولعل قائلا يرى أنّ هذه المسابقات، والأنشطة قد تصرف الطالب عن دراسته، التي هي الأهم لمن هم في مثل سنّه، لكنّ المناهج التربوية الحديثة، تؤكد أنّ هذه الأنشطة هي جزء من المنهج الدراسي، بل وتعزّزه، فتكون منهجا موازيا، ومصدرا من مصادر التعلّم، وواجب المؤسسات التربوية الكشف عن المواهب والقدرات التي يتمتع بها الطلبة، في الكتابة، والرسم، والموسيقى، والمسرح، والرياضة، ورعايتها وتنميتها عن طريق تنظيم المسابقات المنهجية، وغير المنهجية، والمهرجانات، والمعارض الفنية، والأنشطة التربوية، والاستفادة من أوقات الفراغ، والعطل، تقول الطالبة سبأ بنت غاصب بن علي الفزارية التي تحفظ أكثر من الف بيت للشاعر العماني أبي مسلم البهلاني، وحوالي الفي بيت لشعراء آخرين خلال تكريم ” أثير” لها مع مديرة مدرستها -مدرسة العيون للتعليم الأساسي ، والمعلّمتين المشرفتين على مشروع ( بيرق التميز) أنها حفظت هذا العدد الكبير من الأبيات لاسيّما وهي تدرس في مرحلة الدبلوم العام؟ في اوقات الفراغ و العطلة الصيفية خصوصا.
إنّ تكريم المتميّزين واجب المجتمع، فكم من المواهب التي انطفأت بسبب الإهمال!
وكم من متفوّق في مراحله الدراسيّة الأولى، لم يكمل دراسته الجامعيّة، فعاش حياته على الهامش، بينما كان يمكن أن يأخذ مكانا لائقا في المتن!
وعلى العكس منه، كم من تلميذ تعثّر في خطواته الأولى، فوجد من يأخذ بيده ليضعه على المسار الصحيح ! وأديسون القائل” الكثير من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا مدى قربهم من النجاح لحظة استسلامهم”، خير مثال، فلم يستسلم للفشل الذي واجهه في المرحلة الدراسية الابتدائية، فدعمته أمّه، لذا قال” أمي هي التي صنعتني لأنها كانت تثق بي” مثلما وثقت أسرة ” سبأ الفزارية ” بمواهبها، كما قال والدها، الذي دعمها ، وساعدها في حمل البيرق .
وإذا كان الإنسان، كما يرى عالم الاجتماع د. علي الوردي” يبحث عن تقدير المجتمع، فإن كان يقدّر رجل الدين كثر المتديّنون، وإن كان يقدّر اللص كثر اللصوص” فنحن نضيف : وإذا كان المجتمع يقدّر العالِم، والمتميّز والمبدع كثر العلماء والمبدعون، والمتميزون، وهذا نراه واضحا في المجتمعات المتقدّمة التي لم تكن تبلغ المكانة التي هي عليها اليوم، لولا رعايتها لحاملي ( بيارق التميّز).




Your Page Title