أثير- مكتب أثير بتونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
سأبدأ من اليوم بالتعريف بكاتب عربي وتقديم كتابه ..، لأتيح للقراء فرصة التعرف على المبدع مع الإطلالة على عمل من أعماله ..حتّى تعمّ الفائدة وتحصل المعرفة لما فيه خيرنا جميعا ..، وقد انتقيت لهذا الأمر الكاتب العراقي زهير كريم وهو من مواليد بغداد 1965 ، ويقيم في بروكسل ويصدر عن طريق دور النشر مجاميعه القصصية ورواياته من سنة 2011 ، ومن ضمنها : قلب اللقلق، رواية عن دار فضاءات ، وهي عمله الأوّل ، و ماكينة كبيرة تدهس المارة، مجموعة قصصية عن دار المتوسط ، فرقة العازفين الحزانى، مجموعة قصصية عن دار الرافدين ، وآخر أعماله المنشورة : قصر الصبّار، رواية عن دار ( الآن ناشرون وموزعون)، كما فاز بالجائزة الثالثة بمسابقة جائزة أثر للرواية العربية عن روايته صائد الجثث..سنة 2013، وقد اخترت كتاب (رومانتيكا، مجموعة قصصية عن دار سطور) لقراءتها وتقديمها لكم ..وأرجو أن يكون اختياري صائبا ومفيدا …
أوّل خيط من هذا المتن هو ” الليلة الأولى بعد الألف .. ” فيه تعليم الإنسان كيف ينال مراده ..، كيف يصبر ويكافح ..لا يكلّ ولا يملّ ..من أوّل الحكاية إلى آخرها ..، وسيفاجئ بلين الآخر وعطفه عليه والترفّق به بعد طول عناء ..، بعد مكابرة وتأنف مبالغ فيه ، وحين تنتهي الحكايات كلّها وييأس العاشق من الحياة ، تقوم فجأة شهرزاد بقصّ الحكاية وسردها والولوج فيها ..، فإذا به يتمّ مراده ويهنأ تماما :
” وكانت تلك الليلة الأولى بعد الألف ، انقطع فيها السرد ، وأغمض كلّ منهما عينيه ، ولم يسمعا في ذلك الفجر ديك الصباح ..”
فكرة قصة ” نعمة النسيان ” تكمن في فقدان الذاكرة يوميا عند الإنسان ، أقصد أننا ننسى الأخبار ..كلّ الأخبار مهما كانت فادحة ومؤلمة وفاجعة ..، أراد الكاتب من خلال هذه القصة تأكيد ركض الإنسان دائما إلى الأمام ..متجاهلا لما حدث منذ ساعة أو دقيقة ، ونسيان خبر انتحار الفتاة من قِبل الجميع ..، فالوقت يمضي ولا يلتفت لأي كان ولا يهمّه من وُلد ومن مات ..، الوقت مع الواقف والمساير لحركة الزمن …
” وفي صباح اليوم الثاني ، ذهب الرجال إلى العمل ، النساء ذهبن إلى السوق ، الأطفال إلى المدارس ، لم يتحدّث أحد بشأن واقعة الانتحار ، في الحقيقة إنّ هذه المدينة محظوظة بالفعل ، فقد أنعم الله عليها بشيء رائع هو النسيان ”
ثمّة قصة ” أغنية شعبية عن الروح والجسد ” ، وهي طافحة بالحب ..وأجمل شيء فيها نهايتها التي يتقابل الحبيبان بعد فراق دام عشرين سنة ..، يقول القاص مُعبّرا عن ألم البعد والانفصام الذي يشعر به العاشقان ..، أردت فقط أن أنقل لكم هذا المثل الشعبي العراقي :
” روحي عايشة بغداد وجسمي ساكن البصرة ”
آخر قصة ، بعد قصص مختلفة المواضيع ، هي ” حلم طويل حتّى آخر العالم ” ، وهو متن مقسّم على أربع أقسام يروي حكاية سعاد التي انتظرت أسير حرب دون طائل ، بل إنّ المرتزقة يريدون إشعال حرب جديدة ..، كلّ ما يسعني أن أقوله لفظه زهير كريم :
” ..في واحد من النهارات قطفت سعاد آخر وردة في الحديقة ، وكانت زهرة عجيبة ، امتصت خلال النهار كلّ الآمال العظيمة ، ووضعت نهاية للابتسامة التي لم تعد تظهر شفتي جارتي العجوز سعاد ، ثم جاء المساء ، وكان الساسة يخطبون على الشاشة ، وقالوا إنّ الوطن يحتاج إلى حرب جديدة ، والمذيع كان متحمسا ولم يبتسم “