فضاءات

قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية

قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية
قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية

أثير – مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري


يقطع كلّ يوم ساعة ونصف الساعة مشيا على القدمين، وهو في سنّ متقدّمة نسبيّا، فالرجل يبلغ من العمر 73 عاما ولا يزال محافظا على عادة السير حفاظا على لياقته وصحته، زد على ذلك تواضعه المدهش ووقوفه اللامشروط مع من يحتاج دعمه ومن يراه كناقد فذّ، أنّه يبشّر بطاقة إبداعية استثنائية، خلاصة الكلام والوصف والمدح: إنّه الطلائعي: ناقد أدبي ومترجم ورحالة وباحث لغوي وتعليمي وموثّق، أحد كبارنا المبجلّين في تونس وخارج الوطن، صاحب المجلّة الإلكترونية “مشارف” ومصدر 65 كتابا نقديا ومعرفيا، وذكره يحتاج مفردات وجمل، هو محمد صالح بن عمر، الذي غاب عن أدوات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، وغابت منشوراته، فقلنا لعلّه خير، وانطلقنا في الكتابة عنه، ريثما يعود إلى نشاطه وندواته وغير ذلك من أفعال الحياة…

• أوّل نفس أستنشقه في الحياة كان ذلك في 20 فبراير 1949 بضاحية قرطاج قريبة من تونس العاصمة، وقد زاول دراسته الابتدائيّة بالمدرسة الابتدائيّة المختلطة بقرطاج درمش والثانويّة بالمعهد الثّانويّ في نفس المدينة، وقد امتدّت تجربته في نقد الأدب التونسي شعرا ونثرا من سنة 1967 تاريخ صدور مقاله الأول في هذا الباب إلى سنة 2009، تاريخ قراره اعتزال هذا النّشاط الأدبي والفكري، اتّجه بداية من سنة 2009 إلى متابعة الشّعر العربيّ والعالميّ نقدا وترجمة، وقد صدرت له عدّة مقالات وترجمات في مجلاّت ومواقع إلكترونيّة محكّمة عربيّة وفرنسيّة وبلجيكيّة ومجريّة وأمريكيّة بطلب من المشرفين عليها، كما نشرت له دار “أديلفر” بفرنسا سبع مجموعات شعريّة ترجمها إلى الفرنسيّة للشّاعرات السّوريّات سوزان إبراهيم (ثلاث مجموعات) وليندا عبد الباقي وأميمة إبراهيم وللشّاعرين العراقيّين عدنان الصّائغ وحمدان طاهر المالكي وللشّاعر التّونسيّ محمّد عمّار شعابنيّة….

قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية
قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية قامات مضيئة عبر “أثير”: محمد صالح بن عمر، من أواخر الشهود على الحركة الثقافية التونسية

من ضمن ما كتب الأستاذ محمد صالح بن عمر عن الأدب وعن أهمّ ما تعتمل فيه من مواهب وطاقات جديدة وأخرى قديمة، قطعت جلّ مسيرتها الإبداعية بإصرار وعناد ومن آخر ما اعتنى به واحتفى به المنجز الأخير للشاعرة التونسية المتميّزة، وقد قال عنها:

“إذا نظرنا إلى عالم إيمان عمارة الشعريّ، كما يتبدّى في مجموعتيها الموسومتين بـ حريق في الذاكرة وبلا مطر، وجدناه من النّوع الثاّني، وقد أسهم في ذلك أيضا عامل أجناسيّ هو اختيارها الكتابة في قصيدة النّثر التي من أوّل شروطها الفنّية التوهّج، وهو الذي يتحقّق بإنشاء الصّور الجديدة المدهشة المثيرة لارتباك المتلقّي واللاّزمنيّة الماثلة في اجتناب السّرد إلى أقصى حدّ ممكن والتّكثيف الذي يتجسّد في تجميع الدّلالات الإيحائيّة على صعيد كلّ سطر شعريّ”.

أمّا الحديث عن أهمّ كتبه المنشورة فالأمر صعب ومحرج للبعض، فالرجل قضى عمره في الكتابة ونقد ما تقع عليه عيناه من نصوص وكتب، إضافة إلى مشاركته في جلّ الأنشطة والندوات والملتقيات التي زخرت بها تونس قبل 2011 والتي عرفتها دول كثيرة وتمّت استضافته أو زارها، فكما قلنا سابقا: هذا الشيخ الوقور ما زال رحالة وشغوفا بالسفر ..، أمّا الحديث عن الكتب التي نشرها في ماضي حياته، فسأقترض كلام “أبي زياد” في جريدة الصريح التونسية بتاريخ 9 أغسطس 2021، فقد كتب ما يلي:

“اليوم فقط وبمحض الصدفة عرفت أن الأستاذ الناقد التونسي محمد صالح بن عمر أصدر 65 كتابًا أنا شخصيا لا أعرف منها إلاّ ثلاثة أو أربعة وهذا تقصير مني، ولكن من منكم يعرف هذا الرجل الدؤوب المجتهد ومن منكم قرأ له؟ ومن منكم يحتفظ باسمه في ذاكرته؟.
أعلم أن الموقف في غاية الإحراج ولكنها الحقيقة، نحن لا نقرأ، ونحن ليست لنا علاقة حميمة بالكتاب، شكرا محمد صالح بن عمر فأنت مبدع نعتزّ به كثيرا وقد نكون قصرنا في حقك ولم نكرمك التكريم الذي تستحق ولكن كل يقين من أن التاريخ الثقافي الوطني سينصفك، وستظل كتبك ضرورة ثقافية لا غنى عنها..”


ومن كتبه المنشورة نذكر على سبيل الذكر لا الحصر:
أشكال القصّة الجديدة في تونس ـ صادر سنة 1972
العربيّة وثورة المناهج الحديثة ـ صادر سنة 1986
مختارات الشعر التونسي الحديث والمعاصر ـ صادر بقرطاج 1990
محاضرات في الأدب التونسي ـ صادر سنة بتونس سنة 2000
إطلالات على المشهد الحكائي في تونس ـ صادر سنة 2007
الشّاعرة إيمان عمارة ـ صادر سنة 2015
الشّاعرة جانيس مونتوليو ـ صادر سنة 2016





وقد اجتهد الأستاذ محمد صالح بن عمر في نشر كتب لشعراء أفذاذ وشاعرات مبدعات ثمّ توقّف المشروع سنة 2016، ولعلّه الأمر متعلّق بالصحة والعافية، أدامهما الله عليه وظلّ للساحة التونسية والعربية والعالمية سندا كبيرا، ثمّ لا بدّ أن نذكر أنّه اعتنى بالمبدعين الراحلين من ضمنهم عبد الله القاسمي الذي أفرده بكتاب “تجربة عبدالله مالك القاسمي الشّعريّة سنة 2018″، كما خصّ المبدعون الذين أنتجوا كتابا واحدا في حيواتهم بكتاب جامع بمشاركة أقلام أخرى وهو عنوانه “المبدعون الرّاحلون الذين تميّزوا بكتاب واحد في تونس ـ صادر 2019 “، هذه حياة مليئة بالعطاء والوفاء، فكيف ننصف الشيخ الجليل؟

كما أشرت سابقا في هذه المقالة الاحتفائية.. أنّ هذا الأديب يعشق السفر والتجوال وقد جاب العالم ودخل غياهبه وزار عدّة متاحف وبيوت لكتّاب وشعراء وفنّانين ومفكّرين كبار (فيكتور هيقو – هونوري دي بلزاك – جورج سوند – ستيفان مالارميه – جان جاك روسّو – روني دي شاتوبريان – قوته – هيقل – بيتهوفن – فريادريش فون شيلر – فرانز كافكا –سرفونتاس – بيكاسو – ألبارتو مورافيا – دانتي أليقيري – غاليلو – ليوناردي فانشي – ميشال أنجو – ورحلاته منشورة في موقع “مشارف”.

ساهم الموثّق في كلّ الحركات الأدبية التونسية منذ وعى المشهد وانخرط فيه، وقد عاشر أغلب رموز “حركة الطليعة ” ونقدهم، وهو شاهد على الحركة وعلى التطورات التي عرفتها وقد حبّر عنها مقالات عديدة من ضمنها هذه الفقرة القصيرة:

“حركة الطليعة لم تستمر أكثر من أربع سنوات لكنها كانت بحق حركة مستقبلية، فالتجريب الذي دعت إليه في نهاية الستينات وبداية السبعينات كان محل سخرية من الكلاسيكيين لكن بداية من الثمانينات لم يبق قصاص ولا روائي تونسي واحد لم يمارس التجريب إن كثيرا وإن قليلا. ودعوة الطليعة إلى الشعر المنثور تصدى لها أنصار العمودي والحر بشراسة لكن بداية من التسعينات أغلب الشعراء الجدد صاروا يكتبون الشعر المنثور واستخدام المناهج الحديثة في النقد كان ينظر إليه على أنه تطبيق لمناهج مستوردة على الأدب العربي لكن منذ الثمانينات لم يبق إلا القليل من النقاد العرب يمارسون النقد الانطباعي والكلاسيكي”.
آخر خبر مهمّ ومحفز لكلّ راغب في الجود بحياته وفكره مثل أستاذنا الجليل هو تكريم سي محمد صالح بي عمر يوم 20 يونيو 2020 من قِبل “منتدى الفكر التنويري التونسي” وجاء التكريم خلال ندوة فكرية عقدت في مدينة الثقافة بتونس، بدأت بمعرض وثائقي حول سيرة بن عمر استعرضت مجمل أعماله في النقد والسرد والادب التونسي، وانطلقت أعمال المنتدى بالجلسة الفكرية الأولى ترأسها يوسف عبد العاطي الذي تحدث عن بن عمر الذي قدم طيلة مسيرته أكثر من 220 محاضرة..، يذكر أن بن عمر حاصل على جائزة الأدب والفنون سنة 2010، كما استحدث عام 2014 سلسلة من الكتب جمعت وجوهاً شعرية من العالم، قبل أن ينشئ سنة 2015 مجلة إلكترونية نشر فيها لـــ 800 كاتباً وشاعراً عالمياً، فضلاً عن ترجمته للشعر التونسي.


Your Page Title