أثير – د. سعيد السيابي كاتب وباحث أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
الدراسات لا تتوقف ولا تنتهي ومن أراد أن يحدث نفسه بما لا يعقل فالتاريخ خير شاهد على أن الحضارات التي تمكنت من وضع بصماتها الإنسانية كانت المعارف في مقدمة اهتماماتها، والدراسات في صلب تقدمها، فالبحث العميق والنتائج المبهرة في مختلف العلوم والاتجاهات الفكرية يولد تراكما يصب في مصلحة قيادة وتمكين الدول من مواكبة الركب الحضاري وتعظيم الطاقات الخلاقة والإمكانات البشرية والاستفادة من الموارد بأقصى حدود التصنيع والاختراع والابتكار
ومن هذا المنطلق أصبحت المراكز المتخصصة سمة العصرين القديم والحديث، وتحرص المؤسسات الرسمية عليه في صنع قراراتها وعدد من المؤسسات الخاصة التي غردت خارج حدود المحلية بزيادة حجم التنوع الاستثماري بحيث تتحول إلى شركات متمكنة في السوق ومتطورة في إمكاناتها وإسهاماتها بالاقتصاد بمختلف فروعه.
أما فيما يخص من يقع عليه إنشاء مراكز الدراسات المستقبلية فالأصل الجهات التخطيطية والبحثية، فتقوم مؤسسات رئيسة بطلب إنشاء المراكز بالاتفاق مع الجامعات ومن في حكمها أو الطلب المباشر من الجامعات بإنشاء هذا المركز وتمويله ليكون تجمعا للأكاديميين من أصحاب الخبرات في التخصصات المطلوبة، وغالبا يشمل تخصصات بينية لترابط عدد من العلوم بعضها ببعض وينتج قراءة شاملة لحالة يراد لها أن تتطور مستقبلا أو التنبيه على أمر نتائجه بدأت بالظهور ويراد أن يفسر تطوره أو استباق قضايا يمكن حدوثها حتى لو لم تتوفر لها حاليا أي حساسيات لحظية يمكن قياسها، فمهمة العلم البحث بالواقع وما بعده ليسبق بذلك الاتجاه الموجود ويقدم فتحا مبينا لقوة العقل البشري الذي حباه الله بالتفكر والتأمل والاكتشاف.
لا مستقبل دون أن يكون هناك جهد تراكمي يسانده على تجاوز واقعه وهذا دور المؤسسات التي تعي دور المراكز وتطورها وأهمية العمل المضني ليتحقق بدوره الإعمار في الأرض فلا ثبات دائم بل تطور مستمر وإن لم تدخل في السباق سيتجاوزك المحيط وتصبح ما لديك من طاقة حالية مجرد جهد ضائع إن لم تستمر في التطور والتطوير ، وهنا نؤكد منطلقات أهمية السعي إلى إنشاء مركز المستقبليات في المؤسسات الرسمية أو القطاع الخاص فنهضة كبيرة تتوقف على ما سينجز من قراءات عميقة في مختلف التخصصات ولا سيما الجوانب العملية من كل التخصصات والتصنيع الذي يسهل حياة الناس ويساعد الحكومات على القيام بأدوارها بأفضل الطرق وأسهلها ويسهم بقراءة الجوانب الاجتماعية لكل الاختراعات والابتكارات والمحاسبيات والثورة الصناعية المستمرة من الذرة إلى عمالقة الآلات التي يتحول فيها البناء لشيء مبهر يقف الإنسان مشدودا إليه لعظمة ما توصل إليه العقل البشري، فكل هذا لن يكون دون إيمان ودعم ويقين بقيادات معرفية تستحق الاستماع إليها والأخذ بيديها وتكريمها بما تستحق أن تكرم جهودها المضنية والطويلة والمشرفة.