أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
قدّمت معدّة ومحرّرة هذا المتن الجماعي الكاتبة إشراق النهدي، وقامت بمجهود قيّم لتقديمه كثمرة ناضجة لمجموعة من محترفي السرد مع نخبة من المتطوعين لتعّلم القصّ ونخبة من الكتّاب المتمرسين في الأدب ، وهذا بمجهودات لمشرفي ورشة القصة القصيرة في مجلس إشراقات ثقافية ، وقد دامت هذه الورشة ما يقارب ستة أشهر، وانعقدت أسبوعيا بالتعاون مع المديرية العامة للثقافة والرياضة والشباب بظفار في مدينة صلالة ..، وقد أثمرت كتابا في جزئه الأوّل بعنوان ” بنت البليد ” ، ويسرّني قراءته والخوض في لجّه تعريفا به للقراء الكرام …، وممّا ورد في تقديم إشراق النهدي :
” كتاب جماعي لعدد من الكتّاب الذين واظبوا على الورشة ، وكتبوا نصوصا قصصية مختلفة تتوفّر فيها الشروط المعقولة للأدبيّة في القصّ ، فمنهم من بدأ في الكتابة بعد الانضمام إلى الورشة ومنهم من كان متمرسا قبل الانضمام معنا ، ولهذا نجد الفروق في المستويات السرديّة من حيث البناء واللغة والأسلوب ”
أوّل قصة بعنوان ” بنت البليد ” لخالد الشنفري وهو كاتب عُماني من مؤلفاته :
ـ رواية طفلة 2019
ـ البطران ، سوالف الستينات ، قصص 2022
وهو يكتب المقال السرديّ والخاطرة عن ذكريات صلالة في الستينيات ، وقد وُفقت معدّة الكتاب في افتتاح القصّ به ، لأنّه ذاكرة للمكان والزمان ومختصّ في استرجاع الزمن :
بدأ القصّ بسرد ذهاب بطل الحكاية مع حفيده إلى الصيد ، وتطرّق إلى مختلف الحوارات التي جمعتهما وكيف كان انبهار الحفيد بهذا الخمسيني السبّاح الرائع ، ثمّ فجأة تظهر المرأة الحورية ، تتمشّى على الرمل وتقترب منه ويوشك أن يقع الصدام ..لكن بطل القصة يستمع إليها وينصت لمقارنتها بين البليد أمس في عصرها والآن في عهده ، وتفضي له بالسرّ الدفين :
” سيطلّ نور ويلوح في آفاق عُمان كلّها ، من أقصاها إلى أدناها ، إنّ القدر يهيئ لكم ابنا بارّا من أبناء هذه الأرض المباركة ظفار ، أرض الأنبياء والأولياء الصالحين ، فظفار كانت ومازالت مشحونة بهم، ستشهد هذا الحدث الجلل في يوم مبارك من أيّام يوليو 1970 ..”
ولكن فجأة نهق الحمار فاستيقظ ” سعيد ” من نومه مذعورا وفتح عينيه باحثا عن بنت البليد ..، وعصارة هذه القصة إشارة عزيزة إلى توّلي المرحوم السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم بالبلاد وكان ذلك يوم 23 يوليو عام 1970 ، والاعتراف بالنهضة الكبيرة التي حققتها عُمان على مختلف الاصعدة المختلفة …
القصة الموالية للأستاذة مفيدة جاب الله المقيمة في عُمان وهي مختصة في الأنجليزية وآدابها ، وهي كذلك كاتبة وشاعرة وقاصة تونسية ، أمّا عنوان المتن السردي ” رقصة الشبع ” فيها اتكأت القاصة على حكاية شعبية تونسية ملّخصها : ” أمّي سيسي تكنس البيت وتطرق بابها قطة لطلب الغربال ، وحين تأذن لها بدخول المطبخ حيث يوجد الغربال ، تشمّ القطة رائحة الكسكسي بالعصبان وترفع عينيها إلى فوق ..وخلاصة القصة تعاقبها أمّي سيسي بقطع ذيلها ..” ، والكاتبة تُدين أصحاب الجاه والثروات وتتهم من في أيديهم القرار بقطع يد وذيل ورأس كلّ من يفكّر في رفع هامته نحوهم ..فهم أهل الحقّ والخير ..لهم ما ليس لغيرهم ..، هكذا علّقت مفيدة على رفع العينين إلى الفوق :
” هكذا هم ملاّك المال والعصبان ، يحرصون حرصا بالغا ألا ترفع نظرك إلى فوق، فإذا حدث ذلك انزعجوا من طمعك ، هم كذلك يدركون أنّ الطمع يتسلّل من العين ويسحب وراءه شغاف القلب ”
قد ضمّ هذا الكتاب أكثر من ثلاثين نصّا سرديّا لمجموعة من أعضاء ورشة القصة القصيرة ولا نستطيع في مقالة واحدة أن نُحيط بهم ونلمّ بمواضيعهم ومضامينهم القصصية ، فقط سنضيف في هذه القراءة الخاطفة قصة أخرى لإشراق النهدي الحائزة على المركز الأوّل في مجال القصة القصيرة في الدورة الثامنة والثلاثين لجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم لعام 2020 / 2021 ..، وعنوان القصة ” حسنة بلا ذاكرة ” ..
وعصارة المتن السرديّ : امرأة توفى زوجها بعد أن خرف وباع الدكان لرجل اسمه محمود الذي طالب بحقه بعد وفاته ، وضاقت الدنيا على المرأة خاصة أنّها أمّ أبناء يحتاجون الدكان ليعيشوا فالتزامات الحياة كثيرة ، وعرضت على محمود صاحب الدكان العمل كأجيرة فهي ذات خبرة ومعرفة بالبضائع والزبائن ، ويوافق محمود ..وبمرور الوقت تكتشف حسنة نقطة ضعفه فهو ضعيف وهشّ أمام المرأة ،أمّا هي فطفولتها وشبابها الأوّل منع وفصل وظلم واعتداءات ذكوريّة ، وأخيرا يتوافق الشقّان المنفصلان ..وتنتهي القصة بالتالي :
” أرفق به وتغزوني الرأفة عليه ، فأسمعه يكمل : ( بس عندي دكان ومزرعة كبيرة في البلد ، أنا مزارع ، لو بس أحصل وحدة ترضى بي وأتزوجها )
حسنة : أنت نعمة الله عليك ، أي واحدة سترضى بك ..
فيبتسم محمود أخيرا وهو يقول : حسنة تتزوجيني ..
