أثير- موسى الفرعي
ترجل السيد بدر بن سعود بن حارب البوسعيدي عن صهوة هذه الحياة تاركا إرثا إنسانيا ووطنيا كبيرا تصعب إحاطته بالكلمات، وقد قلت سابقا بأننا نعرف الرجال بالحق ونؤمن بما هم عليه حين نعيشهم واقعا أكثر من كونهم رواية تتناقلها الألسن وتجترها الذاكرة؛ لذلك فإن السيد بدر بن سعود البوسعيدي كان واقعا اقتربنا منه وعرفنا مدى تواضعه الكبير وكرمه السمح فلم يكن -رحمه الله- يرد قاصدا أو يتجاهل طارق باب، ونذر نفسه لوطنه وقيادته، ولم يكن المجد الشخصي لديه أعلى من المجد العام والمصلحة الكبرى فعمان أولا.
لقد تفرد -رحمه الله- بصفات إنسانية كثيرة كفيلة أن تحفر أثره عميقا في الروح إلى الحد الذي يصعب على الذاكرة فيه أن تتنازل عن حضور رجل مثله، فهو واقعه أجمل وأبلغ من أي تصور ذهني يمكن أن نكونه عنه.
رحل السيد بدر بن سعود البوسعيدي ليترك أهم جزء منه موزعا في أنفس الكثيرين، سيذكره جامع الرحمة والعديد من بيوت الله، ستذكره دور تعليم القرآن، ستذكره الكثير من الأفئدة التي أسعدها بصور كثيرة، فالخير شجرة تظلل ذكرى فاعله أبد الدهر، تلك تجارة مع رب العباد أراد بها رضا الرحمن الرحيم، تجارة لا تبور ولا تهلك، وما هذه الدنيا إن لم تكن طريقا إلى جنة ورضوان بأفعال يراد بها رضا العزيز الحكيم يقول الحق تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾
لقد اقتربت من السيد بدر بن سعود إلى الحد الذي تبين لي أن كل خصاله وسكناته ومعانيه الإنسانية العالية لم تكن لغاية سوى مرضاة الله عز وجل.
رحل رجل هو من أنبل الناس وأحسنهم، ممتلئ بالولاء لسلطانه، انتماؤه لوطنه يتجلى في لفتاته وسكناته، عاش شامخا حميدا، ورحل فقيدا مخلّفا في النفوس خسارة إنسانية فادحة برحيله إلى عالم الأبدية، وكما افتتحت بما قلت سابقا فإني أختم بمثله، لأني أعلم علم اليقين أنه -رحمه الله- طيلة حياته لم يكن منتظرا لكلمات الشكر وعباراته، لكننا كنا في حالة تأهب دائم لقولها حين نكون في حضرته، أما الآن فإن اللغة كلها ليست قادرة على أن تعبر عن مستوى الفجيعة الذي نشعر به بخسارة هذا الإنسان الكبير، لكن العزاء أنه أصبح في جوار خير من جوارنا، وأننا على يقين أنه تاجر مع الله، وأرخص نفسه لوجه الله عز وجل طلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه، وقد أفلح البيع.
الصورة من حساب زعبنوت