أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
في مطلع هذا الكتاب ثمّة تعريف مسؤول لهذه العائلة المسمّاة “فصحاء القلم” لا يمكن أن أتجاوزه وقراءة هذا المتن السرديّ، إذ فيه ما فيه من توضيحات وإشراقات وتعريفات بهذه المجموعة العُمانية الشابة الموهوبة أو التائقة للموهبة والخبرة والاتقان، لذا ننتقي من “بطاقة الهويّة لهذه الأسرة” ما يمكّننا من فهم هؤلاء الشباب الطامح للإبداع وصناعة أسماء ستصبح كبيرة خدمة للأدب العُماني والعربي عموما، نقرأ ما يلي:
“واحة واسعة من الحذاقة القائمة على أفكار أدبية، وأنامل موهوبة، تسمو عائلتنا دائما بشعارها: هنا نحن وهنا القلم..
نحن عائلة أدبية ضمّنا القلم معا، تجمّعنا لنوصل رسائل هادفة، ومشاعر هيّاجة بكتابات مضيئة للعالم أجمع..
رؤيتنا: بناء عائلة أدبية سامية وطموحة، شغوفة بأحلامها، تُساهم في تأسيس مجتمع من الكتّاب، لإيصال كلمة الكتّاب للقرّاء”
تلعب في نصّ “تلك الصغيرة قد كبرت” تعبث الكاتبة إسراء الحوسنية بنا كقرّاء وتلهو باللغة، لهوا مدروسا وعبثا ينمّ عن مقدرة فائقة في التلاعب بالكلمات، ولكن تنهي النصّ باعتراف أنّها لم تزل قادرة على الكتابة والتوغّل في معان شتّى، وأنّ كلّ ما قالته في أوّل المتن السرديّ، تدريب على الكتابة وترويض لها:
“أرغب كثيرا في الكتابة ولكن ألفاظي تخونني في كلّ مرّة، ذاكرتي مليئة بالحروف والكلمات، لكنّي أفتقد الشغف، لذا قرّرت أن أستمع للموسيقى الهادئة، لذا كي أستعيد لذّة الكتابة مجدّدا، تتراكم بداخلي المشاعر فلا أقدر على وصفها، والأفكار تتصارع في ذهني، هل فقدتُ القدرة على الكتابة أم أنّني نسيت كيف أقوم بترتيب كلماتي في كلّ مرة؟”
وبعد هذا الاستهلال والحديث عن فقدان لذّة القلم والتفكير والتهويم حول الفكرة والورقة، تراوغ الجميع وتنفي كلّ ما سبق وتباغت القارئ:
“هناك شيء واحد أدركه، أنّني لم أفقد قدرتي على الكتابة، نعم ما زلت بخير، والدليل على ذلك أنّني قمتُ بكتابة النصّ الذي تقرؤونه الآن، أووووه، ولكن هذا لا يهمّ، دعوني أبدأ من جديد”
أعتقد أنّ النصوص السرديّة وردت متماسكة وفيها من النضج ما يسمح لها بالقراءة الجديّة، على عكس القصائد ففيها ضعف البدايات، فيه التأوّه على هجر الحبيب وإنكاره لما كان، وصراحة لم أستطع اقتراح نصّ شعريّ واحد، في انتظار أن يكتسب المبدعون الشباب الخبرة اللازمة، والدراية المعقولة لكتابة قصيدة عربية معاصرة، وكي لا نظلم أحدا إنّ هذا الكتاب عبارة عن ورشة عمل لإنتاج نصوص تبشّر بمستقبل واعد…
نصل الآن إلى كاتبة موهوبة تؤمن بنفسها ككائن بشري قادر على تحقيق الإضافة المرجوّة للبشرية، إنّها وداد الإسطنبولي، بشموخ تحدّثنا في نصّها المعنون بـ “الوقفة” وبرفعة لا متناهية عن هذه الخلطة الرهيبة العظيمة المتّفق على تسميتها: بالإنسان، ونحن نعتقد أنّ من يفكّر بهذه الطريقة المعمّقة الكبيرة، سيكون له مستقبل في عالم الكتابة والأدب عموما، أترككم مع هذه الفقرة “الصوفيّة” لهذه المرأة العُمانية وهي تنظر لنفسها في مرآة الأنا:
“وقفة فرضتْ نفسها لتطرح في ساحة البوح وعلى مدرجات السطر، لأنّها لا تحمّل نفوسنا كاهلا ثقيلا، وإنّما تنمو من حلاوة الاستشعار باللحظة، إنّها العنصر الكامل الذي يحمل ذرّات متماسكة، والطاقة الهائلة التي تحرّك الذّرات المستقرة، بل هيَ مُركّب غامض يحمل مكنونات نفيسة مازالت تحيّر الكثير، إنّها خليط مزدوج من الماء والتراب والدم والحياة، مُزج منذ وقت أزليّ مرسوم…
فهل أدركتم الوقفة الآن؟
إنّها أنا، الإنسان بكلّ قوّته وضعفه، بكلّ ما أُبدع فيه من مزايا”
ضمّ الكتاب عديد الكتّاب الموهوبين الحالمين.. وقد قدّم الكتاب وافتتحه الكاتب أحمد البوسعيدي، وممّا قاله في البداية قبل أن نقرأ أيّ نصّ ..فهو يلقي الكرة للقارئ ويفتح له أبواب النصوص المدرجة في هذا الكتاب:
“..كتابات لا نعلم في أيّ حال وظرف كُتبت، إن تحدّثنا عمّا يحتويه الكتاب فلن نصيب الهدف، بل نحن على يقين تام بأنّك حين تبحر في أعماق هذا الكتاب ستتمنّى انعدام النهايات..”