أثير – ريـمـا الشـيخ
بالصبر والشجاعة واجهت المصاعب، وكأنها تحارب التحديات بقوة إرادتها لتنتصر على اليأس بدروع الثقة والإيمان بالنفس.
أسكتت الألم وحولته إلى قوة داخلية لتقوية كل خطوة تخطوها؛ لتقف أمام تلك الظروف الصعبة بروح لا تعرف الهزيمة وعزيمة لا تلين.
بطلة قصتنا اليوم سلكت طريق الشفاء بثقة وثبات، ورسمت طريقًا من الأمل والتفاؤل لكل من حولها.
إنها الشابة العمانية رقية بنت سعود الحسنية، معلمة رياضة أطفال في إحدى المدارس، التي مشت في طريق طويل من الحزن والألم، لكن تجلت روحها بالمقاومة والتفاؤل والإيمان، ليتوهج الأمل بطريقها وتتفتح أبواب الشجاعة والإرادة في قلبها.
تقول الحسنية في حديثها مع ”أثير“: لقد كانت رحلة المرض طويلة جدًا بدأت في عام 2003م عندما كنت في المرحلة الإعدادية، حيث كنت أعاني من أورام حميدة لكن تخلصت منها بخضوعي لأربع عمليات جراحية في أماكن مختلفة في جسدي، وفي نهاية عام 2013م اكتشف الأطباء وجود ورم سرطاني، فبدأت المرحلة الأولى من علاجي الإشعاعي والهرموني.
وأضافت: في عام 2018م تم تشخيصي بخلل جيني وهو سبب الأورام التي أصبتُ بها، وكانت اللحظات والأيام تمر ثقيلة جدًا علي ، فقد خضعت لـ 5 عمليات أخرى ليصل عددها إلى 9 حتى عام 2019م، عملية واحدة لورم خبيث و 8 عمليات لأورام حميدة مع علاجات لمدى الحياة وأخرى مؤقتة لسنوات.
قدر الله أن تصل رقية لورم آخر ظهر في عنقها وقد شُخِّص على أنه ورم حميد، لكن قيل لها بأنه يمكن أن تتعايش معه وقد لا يسبب لها أي أثر.
وذكرت الحسنية: منذُ عام 2014م حتى 2018 كان يومي يبدأ بالعمل في المدرسة، ثم الاهتمام بأمور البيت، والذهاب إلى المستشفى لإجراء العمليات أو تلقي العلاج، وكذلك الالتقاء بصديقاتي، ومع مرور الوقت تعرفت على صديقات جدد مكافحات لمرض السرطان، وأخص بالذكر المرحومة مروة التميمية التي شجعتني على مكافحة هذا المرض والمحاربة للتخلص منه لأمضي قدمًا بحياتي، وقد خصصنا مجموعة من النساء المكافحات لهذا المرض، فقد كنا وما نزال نسعى إلى تغيير مفهوم هذا المرض والعمل على إزاحة الخوف من اللاتي يصبن به.
يضع الله في طريقك القلوب الرحيمة وكأنهم هدايا القدر لأمنياتك، وهذا ما حدث مع الحسنية، فبعد خضوعها للعلاج الهرموني، تعرضت رقية لزيادة ملحوظة بالوزن وتغيرت ملامح شكلها كثيرًا، حتى أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، لكن شجعتها إحدى صديقاتها على الانضمام إلى النادي الرياضي لمدة عام؛ لتدخل رحلة جديدة مفعمة بالأمل والإرادة.
قالت عن ذلك: منذُ ذلك الوقت بدأ اهتمامي وشغفي بالرياضة، ووضعت نصب عيني هدفا أسعى إلى تحقيقه وهو إنقاص وزني، ثم أحببت الجبال وتسلقها، والمشي في الحدائق العامة وعلى الشواطئ، وبالرغم من جائحة كورونا، فقد كنت أمارس الرياضة في البيت بشكل دائم ساعية إلى تغيير ما في نفسي.
وأضافت: في عام 2019م، أنهيت علاجي الهرموني واستقرت حالتي، وفي بداية عام 2020م بدأت بممارسة رياضة الملاكمة وتعلمها مع الرياضات الأخرى التي كنت أمارسها، نعم لقد عشت تجارب كثيرة جلعتني أؤمن بأن المرض لا يمنعنا عن الاستمتاع بالحياة، وأن الإرادة أقوى من كل شيء.
في عام 2022م، ساءت حالة رقية، حيث زاد حجم الورم الحميد في رقبتها، وخضت للعملية العاشرة لإزالته، لكن لم تستلم ولم تفقد الأمل، بل خططت ووضعت خطة للذهاب لقمة كلمنجارو، حيث بدأت تدريباتها بعد العملية وسعت لهذه الرحلة بالرغم بأن الكثير قال لها ”لن تتمكني من ذلك“، لكنها فعلتها ووصلت لتلك القمة الشاهقة.
”كنت أتحدث لمرضى السرطان، وأخبرهم بأني سافعل ذلك، وأنهم باستطاعتهم فعل ذلك أيضًا إذا سعوا وتدربوا بالشكل الصحيح، فكان ردهم : لا تستطيعي ذلك، فأنتِ مصابة بالربو ولديك عصب صوتي واحد، لكنني فعلتها“
شاركت رقية بعد ذلك الإنجاز بعدة مارثونات، ففي صحار 2022م فازت بالمركز الرابع لقطع مسافة 10 كم، وكذلك طريق قنتب الجبلي لمسافة 7 كم، ومسابقة أخرى في الموج لمسافة 10 كم أيضًا، ومؤخرًا فازت بالمركز السابع في سباق همم الجبلي لمسافة 10 كم.
وليومنا هذا لم تستسلم رقية الحسنية، فقد عملت على تحدٍ جديد تقطع فيه مسافة 38 كم – وهو الوزن الذي خسرته- حاملةً معها وزن 10 كم – وهو عدد العمليات التي أجرتها- وبالفعل تمكنت من خوض التحدي الذي كان فكرة مدربها فياض في النادي؛ فقد سعت رقية إلى توصيل رسالة مهمة لمرضى السرطان من خلال هذا التحدي وهي ”لا شيء مستحيل في هذه الحياة، وكل إنسان قادرٌ للوصول إلى ما يصبو له، فقط آمن بنفسك واسعَ إلى التغيير“.
في ختام حديثها مع ”أثير“، شكرت رقية الحسنية كل من ساندها خلال رحلتها الطويلة وخصت بالشكر والدتها وأخواتها وصديقاتها، وكل من شجعها بكل خطوة خطتها للتعايش من هذا المرض.