فضاءات

الحلقة السابعة عشرة: التطرف الديني والتعايش – (3) الاختلاف أساس التعايش البشري

الحلقة السابعة عشرة: التطرف الديني والتعايش – (3) الاختلاف أساس التعايش البشري
الحلقة السابعة عشرة: التطرف الديني والتعايش – (3) الاختلاف أساس التعايش البشري الحلقة السابعة عشرة: التطرف الديني والتعايش – (3) الاختلاف أساس التعايش البشري

يكتبها بدر العبري

 يجسد القرآن ويؤكد طبيعة اختلاف أفكار الناس وتوجهاتهم، وهذا الأساس يجسّده الله سبحانه وتعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، فأصل الناس من ذكر وأنثى، وعليه كانت التكاثر الطبيعي، ومع تعدد مؤثرات البيئة والمناخ، وتباعد الناس في أقطار الأرض كان التباين في اللون والجنس واللغة، وهذا الاختلاف في أصله من آيات الله سبحانه كما يقول: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} .

            فلا يوجد في حقيقة الحال أفضلية بين البشر من حيث الاختلاف الجنسي واللوني واللغة، فالعرق وإن تعدد إلا أنّه لا قيمة له في التمايز، فليس هناك في القانون الإلهي شريف ووضيع، ونبيل وأدنى منه، فهذه جميعها من صنع البشر، والذين يتعصبون لذاتهم، وهذه هي الحمية الجاهلية التي نهى الله تعالى عنها، ومقتتها جميع الرسالات السماوية.

            والعرب كغيرهم وقعوا في الاعتداد بالذات، تبعا للفرس والروم ونحوهم، واختلط ذلك بالفكر الديني الإسلامي، من هنا نجد دخول مصطلحات آل البيت والقرشية والأشراف والسادة إلى الفكر الإسلامي، ودعم ذلك بروايات نسبت إلى الرسول عليه السلام أو الصحابة، مع لف آيات القرآن لتوافق هذه النصوص الآحاد.

            كما أن الأدب العربي، والتأريخ كذلك حوى قدرا كبيرا من التعصب الجنسي، فالعدنانية والقحطانية شكلتا دائرة واسعة لانتحال الشعر في تمجيد إحدى الطائفتين، بجانب ما نتج عنهما من حروب وصراع طول التأريخ.

            وعليه ندرك الانحراف الكلي عن الخط القرآني، والذي جعل الاختلاف يحمل معنى توحيديا يدل على وجود الله سبحانه وتعالى، والذي أنبت النبات متعدد الاختلاف والألوان من تراب يحمل نفس العناصر والصفات، فكذلك الإنسان أيضا كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} .

            وكما أنه يحمل البعد التوحيدي، في الوقت نفسه يحمل أيضا البعدَ البشري، وهذا ما أشارت إليه آية الحجرات بلفظة: لِتَعَارَفُوا، فالاختلاف وسيلة للتعارف لا التحارب والتباغض واستنقاص من خالفك في الجنس، فهذه طرق الشيطان، يبثها بين العباد، ليعيشوا في حروب وصراع، حيث أنّ من أكبر مخططاته أن يوقع بين العباد العداوة والبغضاء.

            وهكذا الحال فيما يتعلق باللون، فالبيض دائما ينظرون إلى السود نظرة دونية، ويعاملونهم تعاملا استنقاصيا، والله تعالى خلق البشر متساوين على اعتبار الكرامة الإنسانية، وهذه الكرامة هي كرامة مطلقة، لا يجوز أن تنحرف أو تربط وتقيد بجوانب جزئية بشرية، فالكفاءة بين البشر مبنية على قدرات الناس ومواهبهم وتفوقهم لا على اعتبار اللون، والأسود إذا كان كفؤا كان مؤهلا أن يسوس البيض، ولا إشكالية في الأمر، ومن العجب أن يسوس أمريكا رجل أسود، في حين يمنع في العديد من الدول الإسلامية العربية خصوصا من إدارة وزارة!!!!

            وهكذا الحال في اللغة، فاختلاف الألسن من آيات الله سبحانه وتعالى، والدالة على وجوده جل جلاله، نعم هناك بعض اللغات كاللغات السامية لها جذور تأريخية عميقة البعد الزمني، وهناك لغات اكتسبت مكانة بسبب الكتب المنزلة.

            والشرفية هنا ليست لذات اللغة بقدر ما لازمها من أبعاد تأريخية ومكانية، واختيار إلهي، وإلا فالأصل جميع اللغات في المكانة سواء، ولا يجوز التفاخر الجاهلي بسبب لغة أو لهجة، وعليه اللغة تفرض نفسها ووجودها بتقدم الناطقين بها علميا وفكريا وحضاريا، فهذه الفرنسية كانت يوما ما لغة العالم، واليوم ضعفت أمام لغة أقل منها قدما وأدبا وهي اللغة الإنجليزية.

            فالاعتداد باللغة أمر جميل، ولكن استنقاص الآخرين بسبب اللغة أمر حقير مذموم، والأمم التي لا تتمسك بلغتها، تذوب مباشرة في لغات غيرها، وتصبح كالمعلقة، لا هي تقدمت بلغة غيرها، ولا هي حافظت على هويتها اللغوية.

            وعليه نخلص مما سبق أنّ اختلاف أجناس الناس وأعراقهم أمر طبيعي، وسنة كونية، تفرض نفسها بنفسها، وهي أداة للتجانس البشري، والتكامل الإنساني، والتعارف بين الأمم، والذي يميز بين الناس هو تقواهم لله تعالى فقط لا غير، وعليه يكون الحساب يوم العرض، وللحديث بقية.

Your Page Title