أثير- تاريخ عُمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
بعد بزوغ فجر النهضة العمانية المباركة وقبل إنشاء جامعة السلطان قابوس وافتتاحها في عام 1986م وبعدها كذلك، انتشر الطلبة العمانيون في العديد من بلدان العالم المختلفة ملتحقين بجامعاتها وكلياتها طلبًا للعلم، وبحثًا عن المعرفة، ورغبةً في خدمة وطنهم، وكانوا خلال إقامتهم في تلك البلدان يحرصون على إقامة كيانات اجتماعية وفكرية تحتضنهم وتنسيهم بعضًا من آلام غربتهم، وتسهم في تنمية مهاراتهم، والانطلاق بأفكارهم عاليًا.
ومن بين الملامح الثقافية لتلك الكيانات الثقافية، إصدار العديد من الدوريات التي كانت تحمل أسماء من وحي البيئة العمانية وتاريخ البلد العريق، يعبّرون من خلالها عن آمالهم وأحلامهم، ويقتربون فيها من بلدهم وتاريخه ونهضته، ويناقشون فيها همومهم القريبة والبعيدة.
ومن بين تلك المجلات على سبيل المثال لا الحصر كما حصرها الدكتور محسن بن حمود الكندي في مقال له بعنوان “كتابات عُمانية مُبكرة (20): مجلات الطلبة العمانيين بالخارج وكتاباتهم، وهي أصواتٌ ثقافية شَدَت باسم عُمان ونهضتها مبكرًا“: مجلة الرائد وهي مجلة ثقافية - اجتماعية صدر العدد الأول منها في أبريل 1985م عن نادي طلبة سلطنة عُمان بالإسكندرية، ومجلة الشبيبة وهي مجلة ثقافية اجتماعية أصدرها الطلبة الدارسون بجامعة قطر عام 1983م، ومجلة جبرين وهي مجلة ثقافية /اجتماعية متنوعة صدرت عن نادي طلبة سلطنة عُمان في المملكة الأردنية الهاشمية المتأسس سنة 1979م، ومجلة المزون التي تعد واحدة من أنشطة الطلبة العُمانيين في البحرين، وهي مجلة ثقافية اجتماعية تربوية طلابية عامة صدر عددها الأول في فبراير 1986م.
ومن بين تلك المجلات، مجلة (الطالب) الصادرة عن نادي طلبة سلطنة عمان في القاهرة، والتي، بحسب ما ذكره الدكتور محسن الكندي، صدرت -في بادئ الأمر- كنشرة بإخراج بسيط مسحُوبة على ورق (استنسل)، وسُميت باسم (الطالب) لتكون عاكسة لحياته وأنشطه، وكانت الغاية منها مدّ جسور التواصل والتلاحم بين الطلبة بعضهم ببعض، ثم بزملائهم الطلبة العرب التي كانت تضمهم القاهرة في تلك الفترة، وقد احتوى العدد الأول الصادر تقريبًا في عام 1979م والذي صممه الطالبان موسى صديق ومحمد نظام على موضوعات من بينها “نبذة عن جغرافية عُمان” “وتاريخ عُمان”، و“الديمقراطية“، وقصة قصيرة كتبها حسن باقر بالإضافة إلى إحصائيات للطلبة تقدر أعدادهم خلال العام الدراسي 79/ 1980 بنحو 317 طالبًا وطالبة ولقاءات مع بعضهم.
“أثير” تناولت أحد الأعداد الصادرة عن تلك المجلة، وهو العدد الصادر في عام 1990م وتصفحت بعض صفحاته، فكان هذا التقرير:
إليك
يبدأ العدد بقصيدة للشاعر عبدالله المخيني (الذي عاد بعد ذلك إلى الملحقية الثقافية بالقاهرة كمساعد ملحق ثم ملحق ثقافي) بعنوان “إليك”، وقد قال فيها: إليك.. وما عُدّتُ أحترفُ الشعر مذ أن تغرب شعري عن ناظريك. إليك، وما عُدّتُ أقدر كي.. أرسم الحزن والألم المر.. أنفثه بحروف عليلة.. ما عُدّتُ أملكُ من طاقتي غير بضع أماني أحسها شذرات قليلة..
في هذا العدد
مجلة (الطالب) هي مجلة دورية ثقافية كانت تصدر عن نادي طلبة سلطنة عمان بالقاهرة، ومقر إصدارها نادي طلبة سلطنة عمان في 17 شارع إيران بالدقي.
وقد احتوى العدد على (68) صفحة تم توزيعها على موضوعات فكرية أدبية وتاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة. كما حوى حوارًا مع إحدى الشخصيات التربوية المهمة بالنسبة للطلبة العمانيين في جمهورية مصر على مدار 30 عامًا، وألبوم صور للخريجين، وموضوعات خفيفة أخرى.
الافتتاحية
" إلى أي مدى نستطيع من خلالها أن نوصل مكنونات ضمائرنا وأهداف أدفعتنا، وعفوية انفعالاتنا، وحسن وجمال عواطفنا؟ إلى أي مدى تقدر كلماتنا أن توحي بعواطف الإحسان وفعل الخير وصدق التوجه وسلامة القصد؟ ذلك من نحاول هنا نحن طلبة سلطنة عمان الدارسين بجمهورية مصر العربية عبر هذه الوريقات التي نضعها الآن بين يديك أيها القارئ الكريم علّك تجد فيها ما يغنيك أو يسلّيك أو يمتّع ذهنك..“.
كانت هذه الفقرة جزءًا من الافتتاحية التي بدأ بها هذا العدد من المجلة تحت عنوان (الكلمة هي المبدأ والمنتهى) والتي حاولت أسرة التحرير من خلالها أن تعبّر عن رسالتها من خلال إصدار هذه المجلة.
الشخصية العمانية
يتناول سالم بن عبدالله بن عبد الرحيم المخيني طالب الدراسات العليا بكلية التربية جامعة الإسكندرية، والأستاذ الأكاديمي لاحقًا في كليات التربية بسلطنة عمان، في الصفحة الثالثة ملامح الشخصية العمانية، حيث تناول الأسماء التي أطلقت على عمان خلال تاريخها الطويل كمجان، ومزون، والغبيراء، وسلطنة عمان، ودلالة تلك الأسماء ومعانيها.
وأشار المخيني إلى أنه ليس ثمّة اختلاف على أن الشعب العماني يتميز بقدم حضارته، فهو صانع حضارة ومدنيّة في العصور القديمة بدليل العلاقات الحضارية العريقة من حضارات المنطقة المجاورة، وحضارات الهند والصين.
كما أكد سالم بن عبدالله المخيني في مقاله أبرز الملامح التي تتميز بها الشخصية العمانية وهي: التدين، والوطنية، والعمل، والكرم والكرامة.
معنى الإبداع
في الصفحة الخامسة يحدثنا الطالب عبدالله بن راشد المعمري من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن معنى الإبداع، من حيث معناه اللغوي والاصطلاحي، ثم يطرح سؤالًا مهمًا حول نصيب العقل العربي من الإبداع والابتكار والخلق وإنشاء الأشياء وإحداثها من العدم؟!
ويسعى المعمري من خلال مقاله إلى الإجابة عن السؤال الذي طرحه من خلال تحليل الواقع العربي المُعاش، إلى أن يصل لحقيقة أن الإبداع إن هو إلا عمل متواصل وحركة دائمة، وأفكار لا محدودة في عالم الخيال الذي ينتهي إلى الحقيقة، وأن الإبداع هو قيمة إنسانية رفيعة موجودة في فطرة الإنسان وعقله، وهي بحاجة إلى تنمية واحتضان وصقل ورعاية حتى لا تجمد وتطوى في متاهات التخلف.
سمد الشأن
خصصت المجلة صفحتين كاملتين وربع صفحة إضافية للطالب سالم بن سيف العبدلي خريج قسم الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة بجامعة المنوفية كي يتحدث عن بلدته سمد الشأن من حيث التعريف بمعنى اسمها، والآراء التي قيلت حوله، وموقعها، وأبرز معالمها وآثارها مثل حصن حزام، وحصن الخبيب، وحصن الحديثة، وبيت الحائط، وأهم المزروعات بها ومنتجاتها الزراعية، وأفلاجها، وما تمتعت به البلدة من خدمات بعد ظهور النهضة العمانية في عام 1970م كالمدارس، والمستشفى، والمحكمة الشرعية، والمساكن الشعبية، ومركز الطرق، بالإضافة إلى خدمات الكهرباء والبريد والهاتف.
ترجمة الحجر
ونقرأ في الصفحة الثامنة قصيدة نثر بعنوان “ترجمة الحجر” للطالب خالد المعمري من كلية التجارة جامعة القاهرة يقول مطلعها:
كالآلهة تقف
تأمر تتأمر
أنت العبد
بل أنت المعبد
أنت إله الشر
تأسر الأطفال
بجيشٍ معربد
بداية النهاية بفضل شباب الحجارة
في الصفحة العاشرة يتحفنا الطالب راشد بن حمد الكيومي بمقال عن القضية الفلسطينية وانتفاضة شعبها بعنوان " بداية النهاية بفضل شباب الحجارة“، وفيها يتحدث عن الانتفاضة الفلسطينية وكيف أن البعض لم يتوقع استمرارها وصمودها، ولكنها تتواصل بكل قوة وبسالة لتعلن عن بداية مرحلة جديدة ومتميزة من النضال والمقاومة وذلك لأن من يقودها هم قادة جدد لم يعتده تاريخ الحروب والمقاومات وهم من الشباب والصبية.
ويتفاءل الكيومي بثورة الشباب، وثورة الحجارة، ويعلّق الآمال الكبيرة عليها، ويرى أنها منذ بدايتها والقضية الفلسطينية تحقق الانتصارات والتقدم، حيث توحدت بفضلها الفصائل الفلسطينية، وأحل زعمائها العقل والمنطق محل الدبابات والبنادق وزادت نسبة التقارب بين قادة الدول العربية.
الأستاذ محمد رشاد عزمي
في الصفحات من 10 – 14 أجرت المجلة عن طريق صادق محمد عبدالخالق حوارًا مهمًا مع إحدى الشخصيات التربوية الكبيرة التي كان لها دور وإسهام كبير في رعاية الطلبة العمانيين منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى التحاقه بالملحقية الثقافية العمانية، ألا وهو الأستاذ والمربي محمد رشاد عزمي، وفيه بيانٌ لتاريخ البعثات العمانية وتوافد الطلبة على القاهرة بدءًا من خمسينيات القرن العشرين، والرعيل الأول من الطلبة والطالبات العُمانيين الذين بدأت خطواتهم الأولى مبكرة نحو القاهرة من ثلاثينيات القرن العشرين قدومًا من زنجبار في بعثات ومنح دراسية مكثفة رعتها حكومات ومؤسسات سياسية مختلفة، والجيل الذي أتى في الخمسينيات والتحق ببعض المدارس والجامعات، مثل بعثة ساحل سليم من أمثال أحمد بن عبد النبي مكي، وعبدالله سعيد البلوشي، ونوري أحمد، وعلي محمد موسى، والطلبة الذين التحقوا بجامعة القاهرة مثل ماهر سالم العلوي، وعبدالله سليمان، وسالم حسن مكي، وغيرهم.
كما تناول الأستاذ رشاد عزمي عمله في الملحقية الثقافية والأجيال الطلابية التي توالت وكان قريبًا منها، وكذلك السفراء والملحقين الثقافيين الذين عملوا بسفارة سلطنة عمان في القاهرة، وعلاقته بسلطنة عمان، والتحاق أحد أبنائه بالعمل التربوي في سلطنة عمان.
دور الدولة في التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي
في الصفحة الخامسة عشرة نطالع مقالًا بعنوان " دور الدولة في التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي" لمحمد بن ناصر الحجري الطالب وقتها في مرحلة الماجستير بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة والأستاذ الجامعي فيما بعد، وقد تناول في مقاله التنمية الاقتصادية كإحدى المشكلات المعاصرة التي تواجه جميع دول العالم، ومشكلة التخلف الاقتصادي وأبرز خصائصها، وكيفية قياس التخلف الاقتصادي في أي بلد، والتصور الإسلامي لمفهوم التنمية الاقتصادية من حيث محتوى هذا المفهوم وأبعاده، ومن حيث قواعد وأسس المنهج الذي يقدمه الإسلام لتحقيق عملية التنمية، ومن حيث الدور الذي يرسمه للدولة في هذا المنهج.
المراجع
- الكندي، محسن بن حمود. كتابات عُمانية مُبكرة (20): مجلات الطلبة العمانيين بالخارج وكتاباتهم .. أصواتٌ ثقافية شَدَت باسم عُمان ونهضتها مبكرًا، موقع جريدة عمان الإلكتروني، https://www.omandaily.om/print-article?articleId=284
- مجلة الطالب، العدد التاسع، نادي طلبة سلطنة عمان بالقاهرة، 1990
