فضاءات

هل آن الآوان لوجود مؤسسة راعية للاقتصاد الإسلامي في سلطنة عمان؟

الاقتصاد الاسلامي

مسقط-أثير

إعداد: مصطفى بن ناصر الناعبي، مختص في الاقتصاد والتمويل الإسلامي

في ظل التطورات الاقتصادية العالمية المتسارعة، وازدياد الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي كأحد أبرز نماذج التنمية المستدامة، فقد بينت أحدث الدراسات أن حجم الإنفاق على منتجات الحلال على سبيل المثال في عام 2024م بلغ حوالي (2.4) ترليون دولار أمريكي، وكذا الحال مع بقية القطاعات كقطاع التمويل الإسلامي الذي ارتفعت أصوله بنهاية عام 2022م إلى (3.6) ترليون دولار أمريكي، فمن هنا تبرز الحاجة الملحة في سلطنة عمان لإنشاء هيئة حكومية متخصصة ترعى الاقتصاد الإسلامي، تنظّم مكوناته وتدعم نموه بشكل متكامل، وتكون حلقة الوصل بين المكونات المختلفة كالقطاع المالي المتمثل في التمويل والتأمين والصناديق الاستثمارية والقطاع الوقفي وقطاع السياحة والغذاء الحلال وكذلك قطاع الدواء والملابس ونحوها، والتي باتت تشكل قطاعا واعدا لاقى طلبا عالميا، وسوقا متزايد الطلب.

إن أغلب ما يتبادر إلى ذهن من يستمع إلى مصطلح الاقتصاد الإسلامي أنه فقط مجرد قطاع مالي أو مصرفي، والحقيقة أنه منظومة متكاملة تجمع بين القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية والشفافية، مستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية التي تحث على حماية حقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والمجتمع، ومن هذا المنطلق، لا يكفي وجود مؤسسات مالية إسلامية فقط، بل يجب وجود جهة حكومية ترعى هذا القطاع، تنسق جهوده، وتضع له إطارًا تنظيميًا واضحًا يضمن الالتزام بالضوابط الشرعية والاقتصادية، ويجمع شتات المكونات المختلفة كي تشكل رقما له ثقله في تنويع مصادر الدخل ويعمل بجانب القطاعات الأخرى في تحقيق رؤية سلطنة عمان في التنويع الاقتصادي بما يتواءم مع رؤية عمان 2040.

وتتمة لمقال نشرته سابقا في عام 2019م بعنوان " لماذا نحتاج لمؤسسة ترعى الاقتصاد الإسلامي " أرى أن الوقت الآن أصبح أكثر ملاءمة، والقطاع أصبح في مرحلة نضج وتوجه نحو التكامل بين مختلف القطاعات، لترى هيئة مختصة بهذا المجال النور، حيث تقوم هذه الهيئة على عدة ركائز رئيسة، أولها تنظيم وتطوير مكونات الاقتصاد الإسلامي مثل الصيرفة الإسلامية، والتأمين التكافلي، والصكوك، والتمويل المتوافق مع الشريعة، والسياحة والغذاء والدواء الحلال و القطاع الوقفي، كذلك أن تكون سلطنة عمان مركزا من مراكز إصدار الشهادات الحلال، مع الحرص على دمج القيم والأخلاق الإسلامية في كل المعاملات الاقتصادية. كما تعمل على وضع إطار تنظيمي واضح للمعايير الشرعية والرقابية، وتوحيد الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز الثقة والشفافية في هذا القطاع، ووضع الخطط التي تشمل ترابطا شاملا وجعل بلادنا مركزا من مراكز الاقتصاد الحلال حول العالم.

كما تهدف الهيئة إلى دعم التعليم والتدريب المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، وبناء القدرات البشرية التي تجمع بين الفقه الإسلامي والمعرفة الاقتصادية الحديثة، لتفادي الممارسات غير الشرعية والأخطاء التي قد تضر بالقطاع. إضافة إلى نشر الوعي الاقتصادي الإسلامي بين أفراد المجتمع، مع التركيز على الأخلاق الاقتصادية التي تحمي الضعيف وتحقق العدالة الاجتماعية، مستلهمة من تعاليم السيرة النبوية وأخلاق التجارة الإسلامية، ويمكن في الوقت ذاته أيضا أن تكون السلطنة مركزا من مراكز عقد المؤتمرات وهذا له دور في تشغيل القطاعات المرتبطة بهذا الجانب ( النقل، و الخدمات اللوجستية ، والفنادق ) وكذلك التسويق للسلطنة من خلال هذه الفعاليات والمؤتمرات .

إن وجود هيئة حكومية متخصصة يعزز التنظيم الموحد والفعال لقطاع الاقتصاد الإسلامي؛ ما يضمن الالتزام بالضوابط الشرعية وحماية حقوق جميع الأطراف، ويحقق العدالة الاجتماعية التي يؤكد عليها الاقتصاد الإسلامي. كما يعزز من ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ويجذب المزيد من الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، والتي باتت تشكل مطلبا من مطالب العديد من المستثمرين، ودليل نمو قطاع المالية الإسلامية خلال السنوات العشر الماضية ودخولها في تمويل جميع القطاعات الحيوية في البلد.

إن إنشاء هيئة حكومية متخصصة للاقتصاد الإسلامي في سلطنة عمان ليس رفاهية أو خيارًا ثانويًا، بل ضرورة إستراتيجية تدعم رؤية سلطنة عمان في تنويع اقتصادها وتعزيز التنمية المستدامة. ومن خلال تبني نموذج متكامل يجمع بين التنظيم، التعليم، والابتكار، يمكن للسلطنة أن تصبح منارة للاقتصاد الإسلامي في المنطقة، مستفيدة من القيم و الأخلاق العمانية التي تضمن عدالة اقتصادية واجتماعية حقيقية، وتكون مظلة جامعة توحد جهود القطاعات المختلفة المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي.

Your Page Title