خاص – أثير
يُصادف اليوم الخميس اليوم السابع على العدوان الإسرائيلي الغاشم على إيران، الذي قصف فيه الاحتلال الإسرائيلي مباني سكنية ومنشآت نووية وقواعد صواريخ واغتالت قادة عسكريين وعلماء نوويين، وفي ذات الليلة، بدأت إيران بسلسلة هجمات صاروخية ردًا على الاعتداء.
تحاور “أثير” العقيد ركن جوي متقاعد الدكتور جمعة الجرادي، المحاضر الزائر بجامعة السلطان قابوس والمتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وعن عناصر القوة والانكشاف للطرفين، وكيفية تفاعل الأطراف الدولية، بالإضافة إلى مستقبل هذا الصراع، وتنشر “أثير” الحوار في سلسلة من ثلاث أجزاء.
قال الدكتور جمعة الجرادي لـ “أثير”، إن الحرب الجارية حاليًا بين إيران والاحتلال الإسرائيلي تُعرف بـ“الحرب الهجينة“، وهي حرب تُدار عبر أبعاد متعددة تجمع بين الأدوات العسكرية التقليدية والحديثة، موضحًا إن الحرب الهجينة تشمل خمسة أبعاد رئيسية حددها الخبراء العسكريون، وهي: البُعد الأرضي (القوة البرية)، والبحري (القوة البحرية وخطوط الملاحة)، والجوي (الطائرات المقاتلة والقاذفات)، والفضائي (المرتبط بالأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات والملاحة)، وأخيرًا البُعد السيبراني (الفضاء الإلكتروني). وتُخاض الحرب الحالية ضمن ثلاثة من هذه الأبعاد: الجوي، والسيبراني، والإعلامي.
وبيّن الجرادي أنه ونظرًا لغياب الحدود الجغرافية المشتركة بين إيران وإسرائيل، فإن البعد البري مستبعد من المعادلة حتى الآن، كما أن القوة البحرية لم تُستخدم بشكل فعّال، ليبقى الاعتماد الأكبر على الوسائل الجوية، والصاروخية، والطائرات المسيّرة، إلى جانب الهجمات الإلكترونية وحملات تضليل الرأي العام.
وكشف أن إسرائيل تمتلك تفوقًا نوعيًا في سلاح الجو، حيث تملك 39 طائرة من طراز F-35، و75 طائرة من طراز F-15، وما يقرب من 200 طائرة من طراز F-16، ما يجعل مجموع قوتها الجوية يتجاوز 300 طائرة مقاتلة. وأضاف أن إسرائيل استخدمت ما يزيد عن 60% من هذه الطائرات في طلعات هجومية خلال الأيام الماضية، مما يدل على اعتماد كبير على هذا الذراع العسكري.
كما أوضح أن إسرائيل وظّفت تقنيات الطائرات بدون طيار بفاعلية، سواء في عمليات الاستطلاع أو تنفيذ الاغتيالات داخل العمق الإيراني، بالتعاون مع عناصر استخباراتية وعملاء محليين، وذلك في إطار ما يُعرف بـ“حرب الظل“. وأضاف أن هذه الطائرات كانت من أدوات تنفيذ عمليات اغتيال استهدفت قيادات عسكرية إيرانية بارزة.
في المقابل، أشار الجرادي إلى أن القوة الإيرانية تستند بشكل رئيسي إلى ترسانة صاروخية ضخمة تُقدَّر – وفق مصادر دولية – بنحو 3,000 صاروخ من مختلف المديات (قصيرة، ومتوسطة، وبعيدة المدى)، وقد أثبتت كفاءتها في الأيام الأخيرة من خلال استهداف العمق الإسرائيلي بدقة عالية وضرب أهداف ذات طابع إستراتيجي.
وبيّن أن إيران تُعد من الدول الرائدة إقليميًا في مجال تصنيع وتصدير الطائرات بدون طيار، وقد استخدمتها في هذه الحرب إلى جانب صواريخ كروز، ما أحدث تأثيرًا واسعًا واختراقًا متكررًا للمجال الجوي الإسرائيلي. وأشار إلى أن إيران زوّدت روسيا بطائرات مسيّرة من طراز “شاهين” خلال حربها في أوكرانيا، ما يعكس مستوى تطورها في هذا المجال.
ووفقًا للجرادي، فإن نقطة الضعف الجوهرية في المنظومة العسكرية الإيرانية تتمثل في غياب الطائرات الاعتراضية المتقدمة القادرة على مواجهة مقاتلات من طراز F-16 وF-15 وF-35، الأمر الذي أدى إلى انكشاف كبير في المجال الجوي الإيراني، وسهّل استهداف مراكز القيادة والسيطرة، ومرافق البنية التحتية، والمنشآت النووية.
لكن المفارقة، بحسب تعبيره، أن إسرائيل أيضًا تعاني من انكشاف جوي واضح، إذ تمكنت إيران من تنفيذ ضربات دقيقة على أهداف في عمق الأراضي المحتلة، وهو ما لم تشهده إسرائيل حتى في حروبها السابقة مع الدول العربية.
وفيما يتعلق بالمنظومة الدفاعية الإسرائيلية، أشار الجرادي إلى أنها تتكون من ثلاث طبقات: القبة الحديدية (قصيرة المدى)، ومقلاع داوود (متوسطة المدى)، ومنظومة “آرو 2” و“آرو 3″ (بعيدة المدى). ورغم هذا التعدد، أثبتت القدرات الصاروخية الإيرانية فاعليتها في اختراقها والوصول إلى أهدافها بدقة وبقدرة تدميرية عالية.
وأشار أيضًا إلى وجود تقارير – لم يتم تأكيدها رسميًا – تفيد بأن الدفاعات الإيرانية نجحت في إسقاط أربع طائرات من طراز F-35، مشيرًا إلى أن هذا الطراز يُعد من الأصعب إسقاطًا عالميًا، وإن صحّت هذه التقارير، فإنها تمثل نقطة تحوّل في ميزان الردع الجوي في المنطقة.
وفيما يخص قدرة إسرائيل على حسم الحرب عبر سلاح الجو، قال الجرادي إن التاريخ العسكري أثبت أن التفوق الجوي وحده لا يكفي لحسم الحروب، إذ يمكنه تدمير القدرات القتالية ومراكز القيادة، لكنه لا يُغني عن الحاجة إلى وجود قوات برية على الأرض (Boots on the ground).
كما شكّك في قدرة إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل عبر الضربات الجوية فقط، موضحًا أن أقصى ما يمكن تحقيقه هو تأخير البرنامج، لا إنهاؤه. وأشار إلى أن إنهاءه تمامًا يتطلب تنازلًا طوعيًا من إيران، وهو أمر مستبعد في الظروف الحالية.
واختتم الجرادي حديثه لـ “أثير” بالتأكيد على أن إسرائيل – ومن خلفها الولايات المتحدة – قد تراهن على إحداث تفكك داخلي في إيران من خلال الضغط العسكري، والإعلامي، والنفسي، بهدف خلق فجوة بين النظام والشعب. لكنه أشار إلى أن القيادة الإيرانية بدأت، منذ اليوم الخامس من الحرب، استعادة زمام المبادرة بشكل تدريجي، رغم الثغرات الأمنية التي ظهرت في البداية، مثل اغتيال عدد من القادة نتيجة لاختراقات استخباراتية. وأكد أن إيران بدأت بالفعل في تعزيز إجراءاتها المضادة للاستخبارات (Counter Intelligence Measures)، وتُظهر قدرتها على امتصاص الصدمة والرد بتكتيكات أكثر تنظيمًا.