أخبار

مرض من نوع آخر؛ هل تعاني من السمنة المعلوماتية؟

السمنة المعلوماتية

رصد - أثير

إعداد - بثينة الرحبية

في هذا العصر المتسارع، لم تعد المعلومة شيئًا نبحث عنه بوعي، بل أصبحت تُفرض علينا دون استئذان. ومع تدفق المعلومات من كل اتجاه، بات الإنسان يواجه تحديًا جديدًا لا يقل خطورة عن التحديات الصحية والغذائية، وهو ما يُعرف بـ”السمنة المعلوماتية”.

السمنة المعلوماتية، أو ما يُعرف مجازيًا بـ”تخمة العقل”، هي حالة من الإرهاق الذهني الناتج عن التعرّض المفرط والمتواصل لكمٍّ هائل من المعلومات يوميًا، خصوصًا عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. وكما يؤدي الإفراط في تناول الطعام إلى أضرار صحية، فإن الإفراط في استهلاك المعلومات ينعكس سلبًا على الصحة النفسية والمعرفية، مسببًا القلق، والتشتت، وضعف التركيز.

ظهر هذا المصطلح مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وبرز بوضوح بعد عام 2003، مع الانفجار الرقمي الهائل في المحتوى المتداول عبر الإنترنت. وجرى استخدامه لوصف الحالة التي يُغرق فيها الإنسان بفيض من البيانات، فيفقد معها القدرة على الفهم والاستيعاب واتخاذ القرار، ما يؤدي إلى تراجع كفاءته الذهنية.

وقد ساهمت التقنيات الرقمية بشكل مباشر في تفاقم هذه الظاهرة، فالتطبيقات الذكية، وخوارزميات التوصية، ومنصات التواصل، خلقت بيئة معرفية مشبعة ومفتوحة بلا انقطاع. يتلقى المستخدم محتوى متجددًا على مدار الساعة، تصاحبه إشعارات مستمرة تدفعه إلى التصفح المتكرر والانشغال الدائم، مما يؤثر سلبًا على القدرة على التركيز والاستيعاب.

أما على الصعيد الصحي، فإن أبرز الآثار تتجلى في التوتر الذهني، وصعوبة التركيز، واضطرابات النوم، الناتجة في كثير من الأحيان عن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية، خاصة في المساء. فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر في إفراز الميلاتونين، ويخلّ بعمل الساعة البيولوجية للجسم.

ويشبّه الخبراء استهلاك المعلومات بالنظام الغذائي، حيث يُعد الاستهلاك المعتدل والمنظم، المبني على مصادر موثوقة، أمرًا صحيًا وضروريًا. بينما يماثل الاستهلاك العشوائي الانغماس في “وجبات معرفية سريعة” تفتقر إلى الفائدة وتؤدي إلى تشويش معرفي، وتضخم غير منتج في الكم دون الكيف.

تشير الإحصائيات إلى أن الفرد العادي عالميًا يقضي حوالي 6.5 ساعات يوميًا أمام الشاشات، ويتلقى في المتوسط نحو 146 إشعارًا في اليوم. كما يعتمد أكثر من نصف البالغين على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للأخبار، مما يضعهم في مواجهة مباشرة مع كمّ هائل من المعلومات التي قد تكون مضللة أو سطحية.

وقد أثبتت دراسات نفسية، من أبرزها ما قدّمه عالم النفس جورج ميلر، أن الدماغ البشري لا يستطيع معالجة أكثر من سبع وحدات معلوماتية في اللحظة نفسها. كما كشفت دراسة بريطانية أُجريت عام 2022 أن 80% من الموظفين يشعرون بضغط ذهني ناتج عن فائض المعلومات في بيئة العمل، الأمر الذي ينعكس على مستويات التركيز والإنتاجية.

تتجلى هذه الظاهرة بشكل أوضح في بيئات العمل والمؤسسات التعليمية، حيث يؤدي تعدد الرسائل، والاجتماعات، والتنبيهات، إلى حالة من التشتت المزمن، بينما يعاني الطلاب – لا سيما المراهقين – من ضعف التركيز بسبب الإشعارات المستمرة، ما دفع عددًا من المدارس إلى حظر الهواتف داخل الفصول للحد من هذا التأثير.

ويبرز في هذا السياق مفهوم “الحمية الرقمية” كوسيلة للتعامل مع الظاهرة، من خلال تقنين التعرض للمحتوى، وتقليل التنبيهات، وتخصيص أوقات يومية خالية من الأجهزة، إلى جانب استخدام تطبيقات تساعد على تنظيم الوقت والتركيز. وهي خطوات تُسهم في استعادة التوازن الذهني وتحسين جودة الاستهلاك المعرفي.

من جهة أخرى، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مزدوجًا؛ فهو من جهة يعزز سلوك الاستهلاك المستمر من خلال خوارزميات مخصصة لجذب الانتباه، لكنه من جهة أخرى يوفر أدوات ذكية قادرة على تلخيص المحتوى، وتنظيمه، وتقديمه حسب اهتمامات المستخدم. وهنا، تبرز أهمية الاستخدام الواعي لهذه التقنية، وتوجيهها لتكون أداة مساعدة لا عبئًا إضافيًا.

إن السمنة المعلوماتية لم تعد خطرًا نظريًا أو مصطلحًا أكاديميًا، بل باتت واقعًا يفرض نفسه في حياتنا اليومية، متجاوزة قضايا الخصوصية والأمن الرقمي، لتمس جوهر الصحة النفسية والقدرة المعرفية. إنها دعوة لتبنّي وعي رقمي جماعي، يقوم على ترشيد استهلاك المحتوى، والحرص على “نظافة معرفية” توازي ما نوليه من اهتمام لصحتنا الجسدية.

المصادر :

https://betteripsum.net/blog/infobesity-navigating-the-information-overload-in-the-digital-age-2/

https://hrreview.co.uk/hr-news/wellbeing-news/how-is-information-overload-contributing-to-stress-of-workers/145299

https://morrispsych.com/information-overload-memory-and-focus-are-at-risk/

https://www.linkedin.com/pulse/navigating-maze-infobesity-dual-role-ai-information-sampa-cisa-igp-jcmif?trk=article-ssr

Your Page Title