أثير - أحمد الحارثي
قبل أقل من 48 ساعة على انتخابات الاتحاد العماني لكرة القدم، يقف المشهد الكروي أمام سؤال لا يتعلق بالأسماء فحسب، بل بالنية والمسار: هل نحن مقبلون على مشروع جديد يُعيد تعريف اللعبة ووجدانها؟ أم أننا على وشك إعادة تدوير ذات الأدوار بذات الأدوات، في دورة أخرى من التكرار؟
لقد جاءت هذه الانتخابات في توقيت مُثقل بالفجوات: فجوة بين الجماهير ومؤسستها الكروية، وفجوة بين الوعود والواقع، وفجوة بين من يمضون في الإدارات، ومن يُتركون على المدرجات. لم تعد الأحاديث تدور حول من سيفوز، بل: هل ما زال فينا من يملك شجاعة الفقد كي يُعيد المعنى؟
هذا الزمن الذي طال، لم يترك فقط خيبة في النتائج، بل أودع في الذاكرة الرياضية شعورًا دفينًا بأن المشروع الكروي قد تآكل من الداخل. خسرنا اللغة، وخسرنا الاتجاه، حتى أصبحت الثقة تذوب في الصمت… وتتهاوى دون إنذار.
وهنا، لا يكفي أن ننتخب، بل أن نُفكّر قبل أن نُسلّم. لأن من يُنتخب اليوم لا يُفترض به أن “يُكمِل”، بل أن “يُصحح”.
الاتحاد القادم، أياً كانت ملامحه، مطالب بأن يُرسي مشروعًا يُصالح الكرة مع ذاكرتها، ومع جمهورها، ومع الزمن الذي يُستنزف دون أثر.
إقليميًا، لم يكن الحضور العماني في لجان القرار الآسيوية على قدر التطلعات. أكثر من ثماني سنوات من التمثيل الرمزي، ولكن بتأثير خافت، وصوت غير قادر على حماية حق، أو تصويب اختيار. وهكذا، تسربت المواقف من بين أيدينا، وكأننا لم نكن يومًا في المشهد.
أما الجمعية العمومية، فهي اليوم ليست مجرد طرف في اللعبة. إنها اللحظة الفاصلة. فهي لا تختار فقط مجلسا، بل تعيد تعريف الاتجاه. والرهان هنا ليس على الأسماء، بل على البوصلة. هل نملك الشجاعة لنختار بما نؤمن، لا بما يُطلب؟ وهل نتجاوز عقلية التكتلات والتحزبات التي لم تُنتج – في كل دوراتها – سوى المحاصصة والتوازنات الساكنة؟ ما نحتاجه ليس اجتهاداً في الاصطفاف، بل شجاعة في الخروج من دائرته.
إن المسؤولية الآن تتجاوز الحسابات الضيقة، وتتطلب وعياً يتقدّم على التكرار. مصلحة كرة القدم لا تُحمى من خلال الشعارات، بل من خلال نزاهة القرار، وجرأة الاختيار، وبناء مشروع لا يستمد شرعيته من المجاملة، بل من النتائج.
صحيح أن بعض المرشحين يحملون خبرات طويلة، ولكن وحدها التجربة لا تُقيم نهضة. ما نحتاجه هو عقل استراتيجي يرى أبعد من المنافسة، وأعمق من المباريات. ما نحتاجه هو يقظة ضمير تُعيدنا إلى السؤال الأول: لماذا نلعب؟ ولماذا حين نُفكّر في التطوير، نفقد الاتجاه؟
قد تكون هذه الانتخابات آخر فرصة لتصحيح المسار، أو أول خطوة في انسحاب الوعي من الملعب. وفي الحالتين، القرار ليس بيد من يرشّح نفسه فقط، بل بيد من يمنحه التفويض. الكرة اليوم لا تُركل بين العشب، بل تُوزن بين القيم والمصالح.
والتاريخ لا يحتفظ بالنتائج… بل بمن صنع القرار.