أثير - أحمد الحارثي
مع انتهاء سباق الانتخابات وبداية العهد الإداري الجديد للاتحاد العماني كرة القدم، لم يتأخر رئيس المجلس الجديد، سعادة السيد سليمان بن حمود البوسعيدي، في توجيه رسائل أولية حملت ملامح التوجّه العام، وإن لم تتضمن بعد تفاصيل البرنامج التنفيذي أو خريطة التحوّل المنتظرة.
لقد جاءت كلماته الأولى بروح واقعية، واعية بثقل اللحظة، ومتطلعة إلى الحلم الأبعد: كأس العالم. حلم لم يكن بعيدًا عن وجدان الجماهير، لكنه ظل معلقًا بين نقص التخطيط وتآكل البُنى.
العبارة التي قالها: “سنكمل عمل الاتحاد السابق بكل جهد”، قد تبدو تقليدية في ظاهرها، لكنها تُخفي توازناً دقيقاً بين الاعتراف بما مضى، وضرورة التوجّه نحو ما ينبغي أن يكون، فالإدارة الجديدة لا تبدأ من فراغ، لكنها أيضًا لا يجب أن تُساق بثقل الموروث.
التحوّل الحقيقي لا يعني القطيعة مع الماضي، بل قراءته بعين ناقدة، تلتقط ما يستحق الامتداد، وتكسر ما أثبتت التجربة أنه كان عائقاً. فما يُبنى عليه لا بد أن يكون صلباً، وما يُعاد النظر فيه يجب أن يمرّ من بوابة الشفافية لا المجاملة.
في رده حول مصير الجهاز الفني للمنتخب، أشار الرئيس إلى أن “الأمر سابق لأوانه”، وهي إجابة تعكس حرصاً على التروي لا التسرع، لكنها أيضاً تفتح باب الانتظار، فالكرة العُمانية، في هذه المرحلة، لا تحتمل قرارات انفعالية، لكنها أيضاً لا تملك رفاهية المماطلة.
ما تحتاجه المنظومة اليوم هو مراجعة فنية شاملة، لا تقتصر على المدرب، بل تمتد إلى المشروع الفني ذاته: أهدافه، وأدواته، وآليات قياسه، ومخرجاته الحقيقية.
في تصريحه حول عدد الأندية، قال الرئيس بصراحة: “دوري بـ12 نادياً لا يخدم الكرة العمانية”، وهي جملة تحمل جرأة مواجهة واقع ظل لسنوات موضع تذمر غير معلن. الدوري ليس مجرد جدول مباريات، بل هو البنية التي يتشكل فيها المنتخب، وينمو فيها اللاعب، وتتكوّن فيها الهوية الكروية.
إعادة الدوري الأولمبي إلى الواجهة تمثل خطوة إيجابية، لكن ما بعدها هو الأهم، كيف نخلق بيئة تطوير لا تذوي بانتهاء موسم؟ كيف نبني استمرارية تتجاوز “حضور الفرق” إلى “تكوين اللاعبين”؟
حين يؤكد سعادة السيد أن “الوصول إلى كأس العالم أولوية”، فإن العبارة – مهما تكررت – تظل تعبّر عن غاية وطنية جامعة. غير أن الوقت يمضي سريعا، واستحقاق الملحق الآسيوي يقترب، ما يجعل من الضرورة القصوى أن تتحوّل هذه الأولوية إلى خطة عملية عاجلة، تبدأ الآن لا لاحقًا. فالأحلام لا تنتظر، ولا تتحقق بشغف الخطاب وحده، بل بالفعل المدروس الذي يسبق التحدي لا يلحقه. الشارع الرياضي ينتظر تحرّكاً مبكراً يطال البنية والجاهزية، والرؤية الفنية، ليكون لدينا منتخب ينافس.
التصريحات لا تصنع التغيير، لكنها تومئ إلى ملامحه. وما قاله سعادة السيد سليمان بن حمود البوسعيدي حتى الآن يوحي بأن ثمة إدراكاً لحجم التحدي، ورغبة صادقة في التغيير.
لكن الرغبة وحدها لا تكفي، فالمطلوب انتقال حاسم من مرحلة رد الفعل إلى مبادرة الرؤية، ومن إدارة موسمية إلى مشروع وطني طويل النفس. الكرة اليوم في ملعب الأمل، والزمن أمامنا لا خلفنا، والتاريخ – كما نرجو – سيكتب ما يُنجز، لا ما يُقال.
مصدر الصورة: الاتحاد العماني لكرة القدم