رصد - أثير
إعداد: ريما الشيخ
في صيف الخليج اللاهب، لا تقتصر خطورة الحرارة على الإزعاج فقط، بل قد تكون مسألة حياة أو موت. الكثير يظن أن الشعور بالدوخة أو الإرهاق تحت أشعة الشمس هو مجرد “ضربة شمس”، لكن الحقيقة الطبية تفصل بين حالتين مختلفتين تمامًا: “الإنهاك الحراري” و“ضربة الشمس“، وبينما تمثل الأولى تحذيرًا خطيرًا، فإن الثانية قد تكون كارثة صحية تهدد الحياة.
فما الفرق بينهما؟ وكيف نتصرف عند حدوث أي منهما؟ وكيف نحمي أنفسنا خلال أشهر الصيف الشديدة الحرارة؟
بداية الإنهاك: إنذار جسدي لا يجب تجاهله
الإنهاك الحراري هو استجابة الجسم لفقدان السوائل والأملاح خلال التعرض المطوّل للحرارة، خاصة عند ممارسة مجهود بدني، وفي ظل الأجواء الحارة التي تشهدها العديد من الدول، مثل دول الخليج، تزداد حالات الإصابة بهذه الحالة، خصوصًا بين عمال البناء، والرياضيين، والحجاج، والسياح.
تبدأ أعراض الإنهاك الحراري عادة بتعرق شديد، يصاحبه شحوب واضح في البشرة، وتسارع في نبضات القلب، ودوخة، وضعف عام، وقد يصاحبها غثيان وصداع، في بعض الحالات، قد يشعر المصاب بانقباضات عضلية مؤلمة بسبب فقدان الأملاح.
وعلى الرغم من أن الإنهاك الحراري لا يُعد مهددًا للحياة بحد ذاته، إلا أن تجاهله أو التعامل معه بتهاون قد يُدخل المصاب في مرحلة أخطر وأكثر فتكًا، وهي ضربة الشمس.
ضربة الشمس: حين تتوقف أنظمة التبريد الطبيعية
ضربة الشمس تُعد أخطر أشكال الأمراض المرتبطة بالحرارة، وتحدث عندما ترتفع درجة حرارة الجسم إلى مستويات تفوق 40 درجة مئوية، ويعجز الجسم عن خفض حرارته بسبب فشل نظام التعرق، الذي يُعتبر وسيلة التبريد الأساسية.
تبدأ ضربة الشمس بشكل مفاجئ عادة، وقد تكون مميتة إن لم يُتخذ إجراء فوري. تشمل أعراضها:
-توقف التعرق رغم ارتفاع الحرارة
-احمرار وسخونة في الجلد
-اضطراب في الوعي أو الهذيان
-صداع شديد
-تسارع في التنفس
-تشنجات عضلية
-غيبوبة أو فقدان وعي في الحالات المتقدمة
الخطورة تكمن في أن استمرار ارتفاع حرارة الجسم دون تدخل قد يؤدي إلى تلف دائم في الدماغ أو الأعضاء الحيوية، أو حتى الوفاة. ولهذا، تعتبر ضربة الشمس حالة طبية طارئة تتطلب إسعافًا فوريًا.
الفرق الجوهري بين الحالتين
رغم التشابه الظاهري في بعض الأعراض، إلا أن الفرق الجوهري بين الإنهاك الحراري وضربة الشمس يكمن في درجة الخطورة وسرعة التطور، فالإنهاك يحدث تدريجيًا، ويمكن تداركه بسهولة بالراحة والترطيب، بينما ضربة الشمس غالبًا ما تحدث فجأة، وتؤثر مباشرة على الجهاز العصبي المركزي، وتستلزم تدخلًا طبيًا عاجلًا.
علامة فارقة أساسية هي التعرق:
- في الإنهاك الحراري، يكون التعرق غزيرًا كمحاولة من الجسم للتبريد.
- في ضربة الشمس، فإن التعرق يتوقف تمامًا، وتصبح البشرة حارة وجافة، وهي علامة حمراء خطيرة.
كيف تتصرف عند ظهور الأعراض؟
في حالة الإنهاك الحراري:
-انقل المصاب إلى مكان مظلل أو مكيف
-أزل أي ملابس زائدة
-قدّم له الماء أو مشروبًا يحتوي على أملاح
-ضع مناشف مبللة على جسمه لتسريع التبريد
-راقبه بدقة، وإذا لم يتحسن خلال 30 دقيقة، اطلب مساعدة طبية
في حالة ضربة الشمس:
-اتصل فورًا بالإسعاف
-لا تنتظر تحسّن الحالة دون تدخل
-برّد جسم المصاب فورًا باستخدام ماء بارد أو كمادات على الرأس والإبطين والفخذ
-لا تعطه أي مشروب إذا كان فاقدًا للوعي
-استمر في تبريده حتى وصول الطاقم الطبي
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
هناك فئات أكثر حساسية للتعرض لأمراض الحرارة، أبرزها:
-كبار السن، خصوصًا ممن يعانون من أمراض مزمنة
-الأطفال، الذين لا يملكون القدرة الكافية على تنظيم حرارة الجسم
-الرياضيون والعمال في الهواء الطلق
-مرضى القلب والكلى والسكري
-من يتناولون أدوية مدرّة للبول أو مضادة للحساسية
الوقاية أولًا.. هذه الخطوات كفيلة بحمايتك
لا يمكن الحديث عن الفرقبين الإنهاك الحراري وضربة الشمس دون التأكيد على أهمية الوقاية، والتي تبدأ من أبسط السلوكيات اليومية:
-تجنّب البقاء لفترات طويلة في الشمس، خصوصًا من 11 صباحًا إلى 4 مساءً
-اشرب الماء بانتظام حتى دون الشعور بالعطش
-ارتدِ ملابس فاتحة اللون، وخفيفة وفضفاضة
-استخدم قبعة أو مظلة واقية
-تجنّب المشروبات الغنية بالكافيين أو الكحول، لأنها تساهم في فقدان السوائل
-لا تترك الأطفال أو الحيوانات في السيارات المغلقة، ولو لدقائق
المصادر:
منظمة الصحة العالمية (WHO)
مايو كلينيك (Mayo Clinic)
مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)
هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS UK)