أثير-جميلة العبرية
أكد يونس بن جميل النعماني، الباحث في التاريخ العُماني والمدير المساعد بدائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم في حواره مع ”أثير“ أنّ سلطنة عُمان متميزة بتنوعها الثقافي والجغرافي، وأن موقعها الجغرافي يمثل تماس حضاري، وتسعى سلطنة عُمان، شأن دول العالم، إلى تحقيق التنمية المستدامة بوصفها تنمية شاملة تراعي الاعتبارات الجغرافية والثقافية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، حفاظًا على الموارد واستدامتها للأجيال المقبلة، وتجاوزت الجهود ذلك إلى تربية النشء على التنمية المستدامة عبر إكسابهم المعارف والقيم والمهارات التي توازن بين الجوانب المختلفة مع مراعاة ثقافة المجتمع بوصفها ركيزة للتنمية المنشودة.
واعتبر النعماني ما سبق سببًا لاختيار ورقته العلمية ”إدارة مواقع التراث العالمي في سلطنة عُمان، مواقع أرض اللبان بمحافظة ظفار أنموذجًا“ التي عرضها في ندوة ”ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني“، فهي ضمن المواقع الخمسة المدرجة في قائمة التراث العالمي.
من المحلية إلى العالمية
يبين النعماني أن إدراج أي موقع ضمن قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو يعني انتقاله من المحلية إلى العالمية، بما يحفّز التعريف به وإجراء الدراسات حوله بوصفه تراثًا للإنسانية تتشارك الدول في صونه. وقد حدّدت اتفاقية التراث العالمي (1972م)، التي انضمت إليها سلطنة عُمان عام 1981م، شروط الإدراج باشتراط ”القيمة الاستثنائية العالمية“ واستيفاء معيار واحد على الأقل من المعايير العشرة، فضلًا عن إظهار ”النزاهة“ و”الإدارة والحماية المناسبة”. وتشمل المعايير إظهار ”عبقرية الإنسان“، أو ”نموذج فريد“ لثقافة أو حدث تاريخي مهم، أو تمثيل ظاهرة طبيعية استثنائية، ويمكن الرجوع للتفاصيل في نص الاتفاقية أو في موقعي اليونسكو والإيكوموس.
إدارة مواقع التراث وأثرها التنموي
أوضح أن إدارة مواقع التراث الثقافي أداة فعّالة لحماية المواقع الطبيعية والثقافية واستدامتها؛ فالمواقع التي تمتلك خططًا إدارية مدروسة هي الأقدر على مراقبة التغيرات إيجابيةً كانت أم سلبية. وحين تُسجّل مواقع على قائمة التراث العالمي فإن ذلك يعزز الوعي بأهميتها ويرفع قيمتها الاستثنائية عالميًا، ما يؤدي إلى زيادة التنمية السياحية وأثر اقتصادي على المجتمع المحلي
التحديات والمعوّقات
وأردف: رغم نجاح إدارة موقع ”أرض اللبان“ بوصفه من أفضل المواقع في الممارسات الإدارية، فالدراسة ترصد تحديات ما تزال تتطلب حلولًا فعّالة، منها غياب الالتزام من القطاع الخاص، والتنسيق الداخلي في القطاع الحكومي، والمسؤولية والإنجاز، والموارد المالية، والوعي المجتمعي. وقد فُصّلت هذه التحديات وفق درجة تأثيرها.
شراكات المجتمع المحلي
وأضاف: يبرز دور مشاركة السكان المحليين؛ إذ يبيعون اللبان والبخور في منتزه البليد الأثري بتصاريح تتيح عرض سلعهم في منطقة المدخل في أوقات الزوار، إضافة إلى المنتجات والحرف اليدوية داخل المتحف، ويُشركون في فعاليات تُقام دوريًا. ويشير النعماني إلى تنفيذ معارض ومحاضرات وورش مستمرة، ودعم المجتمع المحلي وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص استثمارية وفرص عمل بهذه المواقع، وينبغي أن ينسحب ذلك على القطاع الخاص والجمعيات بالمشاركة الفاعلة في خطط الإدارة ثم التطبيق والمتابعة ماليًا ولوجستيًا.
خطط داعمة وتوصيات
ختامًا أكد النعماني على ضرورة تكثيف الأنشطة والمعارض والزيارات الميدانية لزيادة الوعي بالموقع وأهميته التاريخية، إلى جانب الرحلات العلمية لطلاب المدارس بما يعزز الوعي بالتاريخ والتراث حفاظًا على الهوية الوطنية. كما توجد خطط للتوسعة في مراكز الزوار وتهيئتها المناسبة، وقد رُصدت ميزانية لتغطية أعمال الصيانة والتدريب والإدارة وتحمل النفقات الإضافية لتنفيذ مزيد من مشاريع السياحة الثقافية، فبهذه الرؤية المتكاملة تُستدام قيمة ”أرض اللبان“ وتتسع مشاركات المجتمع والقطاعين العام والخاص، بما يلبّي معايير التراث العالمي ويحفظ الذاكرة ويعظم العائد المحلي."