رصد - أثير
إعداد: ريما الشيخ
تُحيي منظمة الصحة العالمية خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر من كل عام فعاليات الأسبوع الدولي للوقاية من التسمم بالرصاص، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ضمن حملة عالمية تهدف إلى القضاء على استخدام الرصاص في الطلاء والمنتجات المنزلية ورفع مستوى الوعي بمخاطره الصحية والبيئية، خصوصًا على الأطفال.
ويقام الأسبوع الدولي في عام 2025 خلال الفترة من 19 إلى 25 أكتوبر، تحت شعار ”القضاء على طلاء الرصاص لحماية الأجيال القادمة“.
ما التسمم بالرصاص؟
يعد الرصاص معدنًا ثقيلًا سامًا يوجد طبيعيًا في قشرة الأرض، إلا أن الأنشطة الصناعية واستخداماته الواسعة جعلت منه أحد أكثر الملوثات انتشارًا في العالم.
ويحدث التسمم بالرصاص عندما يدخل هذا المعدن إلى الجسم من خلال الاستنشاق، أو الابتلاع، أو الامتصاص عبر الجلد في حالات نادرة، فيتراكم تدريجيًا في الدم والعظام والدماغ والكلى.
ويؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن لا يوجد مستوى آمن للتعرض للرصاص، فحتى الكميات القليلة يمكن أن تؤدي إلى أضرار خطيرة، خاصة لدى الأطفال دون سن الخامسة، فالدماغ في هذه المرحلة العمرية يكون في طور النمو، وأي تعرض للرصاص يؤثر على تكوين الخلايا العصبية ويؤدي إلى أضرار دائمة في القدرات الإدراكية والسلوكية.
كما أن الرصاص الذي يدخل الجسم لا يُطرح بسهولة، بل يبقى مختزنًا في العظام والأسنان لعقود، ويُمكن أن يتحرّر مجددًا في الدم في حالات الحمل أو المرض أو الشيخوخة، مما يُضاعف خطره على الأجيال اللاحقة.
مصادر التعرّض للرصاص
تتنوّع مصادر التعرض للرصاص في البيئة اليومية، وتشمل ما يلي:
- الدهانات والطلاءات القديمة: المصدر الأبرز، إذ ما يزال طلاء الرصاص يُستخدم في نحو 60 دولة حول العالم، وقد يتقشّر مع الوقت ويتحوّل إلى غبار يستنشقه الأطفال أو يبتلعونه عند اللعب.
- بطاريات السيارات والمولدات: يعاد تدويرها في بعض الدول بطرق غير آمنة، ما يؤدي إلى إطلاق الرصاص في الهواء والتربة.
- المياه الملوثة: بسبب الأنابيب أو اللحامات القديمة المصنوعة من الرصاص أو الموصلة به.
- الأواني المعدنية الرخيصة والألعاب الملونة: خصوصًا المنتجات غير الخاضعة للفحص أو القادمة من مصادر مجهولة.
- التربة والغبار الصناعي: الناتج عن المصانع والمناجم ومصاهر المعادن أو مواقع النفايات.
- الوقود القديم: رغم أن العالم تخلص رسميًا من البنزين المحتوي على الرصاص في عام 2021، إلا أن بقاياه ما زالت موجودة في بعض البيئات الحضرية الملوثة.
وتمثّل هذه المصادر مجتمعة ما يُعرف بـ“التعرض المنزلي المزمن“، وهو الأخطر، لأنه يحدث يوميًا دون أن يلاحظه الناس.
من الأكثر عرضة للخطر؟
تظهر الأبحاث أن الأطفال الصغار هم الفئة الأكثر تعرضًا، لأنهم يلمسون الأسطح المتربة ويضعون أيديهم في أفواههم باستمرار، كما أن أجسامهم تمتص الرصاص بمعدل أعلى بخمس إلى عشر مرات من البالغين.
إضافة إلى ذلك، تعد النساء الحوامل من الفئات الحساسة، إذ يمكن للرصاص المختزن في العظام أن ينتقل إلى الجنين عبر المشيمة، مما يؤثر على نمو الدماغ والأعصاب لدى الأطفال قبل ولادتهم.
أما العمال في المصانع والمناجم ومراكز تدوير البطاريات فهم معرضون لمستويات عالية من الرصاص الصناعي، ما يؤدي إلى أضرار مزمنة تشمل الكلى والقلب والجهاز العصبي.
الأعراض والمضاعفات الصحية
لدى الأطفال:
- تأخر في النمو الجسدي والعقلي.
- انخفاض معدل الذكاء وصعوبات التعلم.
- ضعف الذاكرة والتركيز.
- اضطرابات في السلوك والانتباه.
- فقدان الشهية والوزن.
- آلام متكررة في المعدة والقيء.
وفي الحالات الشديدة: تشنجات، غيبوبة، أو وفاة.
لدى البالغين:
- ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
- ضعف الكلى والكبد والجهاز العصبي.
- الصداع والتعب المستمر وضعف الذاكرة.
- مشاكل في الخصوبة لدى الرجال والنساء.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن تأثير الرصاص على الجهاز العصبي غير قابل للعلاج بشكل كامل، ما يجعل الوقاية الوسيلة الأكثر فاعلية لتفادي الإصابة.
حجم المشكلة عالميًا
تُعدّ مشكلة التسمم بالرصاص من أخطر أزمات الصحة البيئية في العالم. فوفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية واليونيسف:
1. يتسبب التعرض للرصاص في أكثر من 1.5 مليون وفاة سنويًا.
2. من بين هذه الوفيات، 400 ألف طفل يفقدون حياتهم سنويًا بسبب مضاعفات مباشرة أو غير مباشرة.
3. هناك واحد من كل ثلاثة أطفال على مستوى العالم — أي ما يقارب 800 مليون طفل — لديهم مستويات مرتفعة من الرصاص في الدم تفوق الحد الآمن.
4. يقدر العبء الاقتصادي الناتج عن تراجع القدرات الإدراكية والتعليمية للأطفال المتأثرين بنحو 6 تريليونات دولار أمريكي سنويًا.
كما ترتبط حالات التسمم بالرصاص بارتفاع معدلات أمراض القلب والسكتات الدماغية، وتمثل نحو 6% من العبء العالمي لهذه الأمراض وفق دراسات مجلة The Lancet Planetary Health.
آلية تأثير الرصاص على الجسم
يُؤثر الرصاص في المقام الأول على الجهاز العصبي عبر تعطيل وظائف الكالسيوم، وهو عنصر أساسي في نقل الإشارات العصبية. وبمرور الوقت، يؤدي إلى تدمير الخلايا العصبية وتراجع القدرات الذهنية، كما يُضعف إنتاج خلايا الدم الحمراء، ما يسبب فقر دم مزمن، ويؤثر في الكلى والقلب والهرمونات التناسلية.
أما لدى الحوامل، فيمكن أن يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة أو انخفاض وزن المواليد، وهو ما يجعل التسمم بالرصاص قضية صحية عابرة للأجيال.
كيف يمكن الوقاية؟
تجمع المنظمات الدولية على أن الوقاية هي الحل الجذري، وتشمل الإجراءات التالية:
- إزالة الطلاء المحتوي على الرصاص من المنازل القديمة بطريقة آمنة.
- استبدال أنابيب المياه القديمة التي تحتوي على لحامات رصاصية.
- التخلّص الآمن من البطاريات والنفايات الصناعية وعدم رميها في المكبات العامة.
- فحص المنازل والمدارس بحثًا عن مستويات مرتفعة من الرصاص في الغبار أو الطلاء.
- توعية الأسر والأطفال بعدم استخدام ألعاب أو أدوات طعام غير معتمدة.
- إجراء فحوصات دورية للأطفال والعمال في المناطق الصناعية للكشف عن مستويات الرصاص في الدم.
- تشديد القوانين الخاصة باستيراد المنتجات، وضبط الأسواق الاستهلاكية.
المصادر:
منظمة الصحة العالمية – التسمم بالرصاص والصحة
برنامج الأمم المتحدة للبيئة – الأسبوع الدولي للوقاية من التسمم بالرصاص 2024
التحالف العالمي للقضاء على طلاء الرصاص – Lead Paint Alliance
يونيسف – الأطفال والتعرض للرصاص
مجلة The Lancet Planetary Health – Global Burden of Lead Exposure 2023
CDC – Lead Prevention Program