أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
نتيجة لموقعها الجغرافي والفلكي وقربها من مراكز تكون الأعاصير والحالات المناخية؛ فقد تعرضت سلطنة عمان للعديد من الأنواء المناخية المختلفة من حيث مدى قوتها وتأثيرها، وتحفظ لنا كتب التاريخ العماني عددا من التواريخ المرتبطة بهذه الأعاصير والمنخفضات، والجرفات وتأثيراتها على المجتمع المحلي.
كما تخبرنا الروايات الشعبية عن حوادث عديدة حصلت بسبب الأنواء المناخية التي تعرضت لها أجواء سلطنة عمان، كموجة تسونامي التي ضربت المنطقة حوالي عام 1945، وحادثة غرق السفينة (سمحة) وغيرها من السفن العمانية في عام 1958 التي راح ضحيتها كثير من النواخذة والبحارة والمسافرين العمانيين، والعديد من المسميات لهذه الأنواء، مثل ضربة (الشلّي)، و(الأحيمر)، و(اللكيذب)، و(ضربة الكوي)، وغيرها.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من تفاصيل إحدى تلك الضربات التي تأثرت بها محافظة ظفار وما حولها في أكتوبر من عام 1948م، وعرفت باسم “سنة الأحيمر” نسبة إلى النجم الذي حدثت الضربة في موسمه.
تاريخ الضربة
في شهر أكتوبر من عام 1948م الموافق ذي الحجة 1367هـ، تعرضت ظفار لأمطار غزيرة مصحوبة برياح عاتية استمرت قرابة أسبوعٍ كامل، مسببة فيضانات قوية في الجبال والأودية، وأضرارًا واسعة في القرى والمزارع.
وقد جاءت هذه العاصفة في موسم النجم المعروف محليًا باسم اللحيمر (الأحيمر)، فنُسبت إليه وسُميت السنة باسمه، حتى أصبحت علامة بارزة في ذاكرة الأهالي، يؤرخون بها الأحداث والوقائع.
شهادة
في أحد الحوارات الصحفية التي عرضها منتدى “ظفار المجد” في يونيو 2010، أشار الشيخ علي بن سعيد الرواس، أحد سكان مدينة صلالة الذين عاصروا تلك الضربة المناخية، إلى تجربته معها حيث قال: " إنه ما زال يتذكر عاصفة اللحيمر التي حدثت في عام 1948 حيث كانت الأمطار غزيرة والرياح شديدة إلى أبعد الحدود وقد استمرت ما يقرب من السبعة أيام وتسببت في سيول قوية في الجبال والأودية“.
وأضاف الرواس: " إن منازل مدينة صلالة تعرضت لأضرار كبيرة خصوصا من الجهة الشرقية لهذه المنازل فقد كانت رياح اللحيمر شديدة جدًا وتهب من جهة الشرق وهرب الناس من بيوتهم وعملوا مخيمات خارج منازلهم بالرغم من استمرار الأمطار، ولكنهم فضلوا الخروج خوفًا من تهدم البيوت على رؤوسهم التي كانت مبنية من الطين في ذلك الوقت“.
وتمثّل شهادة الشيخ علي ذاكرة حية من قلب الحدث، وتُظهر كيف تعامل الناس مع الكارثة بحكمة وتكاتف. كما تعكس الارتباط العميق بين الأهالي والطبيعة، حيث كانوا يعتمدون على الملاحظة والخبرة لتوقع الأنواء والتعامل معها.
توثيق
عدا عن الروايات الشفهية، فهناك إشارات توثيقيّة متفاوتة إلى تلك الضربة ونتائجها وتأثيراتها، فهناك وثيقة بخط أحمد بن حسن اليهري اليافعي فيها إشارة إلى حدوث الضربة، والأضرار التي حدثت بسببها، حيث ذكر اليافعي أنه: " وبعد لما كان يوم السبت 12 من شهر ذي الحجة عام 1367 موافق 8 في نجم الحوت ضربت الريح مدة ثمان أيام لتمام نهار السبت 19 ذي الحجة موافق 3 في نجم ... ضربت مطر مدة خمسة أيام مع الريح وأظلم البحر ولم نراه من شدة الريح والمطر إلا في بعض الساعات، وسالت الجبال إلى البحر...واختطفت تلك السيول من البقر والغنم والإبل وأيضًا من رجال ونساء ما يعلم بعددهم إلا الله، وأيضًا من السفن التي في البحر من البدانة قدر 10، والزعايم قدر 5، والخشب قدر 5. هذا ما ظهر من جهة ظفار“.
ومضى اليافعي في وصف الخراب والدمار الذي حل بالبيوت والحارات وخروج سكانها منها حتى يوم الخامس من محرم عندما ظهر نجم يدعى “أبو ذيل” له ذيل طويل للبحر.

كما ورد في هامش إحدى مراسلات السلطان سعيد بن تيمور إلى إحدى الشخصيات السياسية والاجتماعية القريبة منه في تلك الفترة وهو الشيخ الزبير بن علي بن جمعة في ذي الحجة من عام 1367هـ، إشارة إلى تلك الضربة، حيث كتب السلطان: " لقد وصلتنا البرقيات من الوالي حمود عن الأمطار والبحر ونسأل الله أن يلطف بعباده. نرجو أن تحرر إلينا عن ذلك بالتفصيل...“.

وأشار تقرير القنصلية البريطانية الصادر ضمن “ملف ١٢/١١ IVملخصات استخبارات مسقط”، تحت رقم استدعاء IOR/R/15/6/361، والمحفوظ ضمن أرشيف مكتبة قطر الرقمية ويتناول الفترة من 16-31 ديسمبر 1948م، إلى أن السلطان سعيد بن تيمور سيتوجه قريبًا إلى ظفار للوقوف على الأضرار التي لحقت بالمواطنين والحصول على تقرير تفصيلي عن حجم الضرر من حيث البنى الأساسية وأعداد الأشجار المفقودة. كما أشار التقرير إلى أن الأمطار كانت غزيرة جدًا ومصحوبة برياح عاصفة.

الأضرار التي نتجت عن الضربة
لقد تركت سنة الأحيمر أثرًا بالغًا في البيئة والمجتمع بظفار وقتها، إذ تسببت الفيضانات في اقتلاع الأشجار وإتلاف المزروعات، وانهارت على أثرها مبانٍ كثيرة. كما أدت إلى وفاة عدد من الأشخاص ونفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، وقد ظلت هذه السنة محفورة في ذاكرة الجيل الذي عاصرها، يستشهد بها في أحاديثه، ويُؤرِّخ بها الوقائع المهمة في حياته اليومية، لما حملته من أحداثٍ استثنائية لم يُشهد لها مثيل في تاريخ المنطقة الحديث.
وأورد كتاب “الغيث العتيق” إحصائية لكمية الأمطار التي تم تسجيلها في محطة صلالة خلال أكتوبر عام 1948م، حيث تم تسجيل كمية أمطار عالية بلغت (156.8) مليمتر مقسمة على أربعة أيام بدءًا من 23 أكتوبر وإلى 26 أكتوبر.

نجم الأحيمر
هو قلب العقرب، وهو نجم أحمر عملاق في كوكبة العقرب. يرتبط ظهوره واختفاؤه بفترة في الخريف تسمى “ضربة الأحيمر” أو “غيوب الأحيمر”، والتي كانت تُعرف بأنها فترة اضطراب جوي ورياح عاتية وأمطار، خاصة بالنسبة للبحارة.
يُسمى “الأحيمر” نسبة إلى لونه المائل إلى الحمرة. هو نجم قلب العقرب، وهو من ألمع نجوم كوكبة العقرب، وهو يختفي في السماء من حوالي منتصف نوفمبر تقريبًا، ويظهر مرة أخرى قبيل شروق الشمس في منتصف ديسمبر، ويُعد ظهوره علامة على دخول فصل الشتاء.
يُعد نجم الأحيمر مؤشرًا زمنيًا مهمًا للبحارة في الماضي، حيث كان غيابه علامة على استقرار الطقس، بينما كان ظهوره يرتبط بحدوث تقلبات جوية شديدة ورياح قوية قد تتسبب في إغراق السفن، وكان البحارة يتجنبون السفر خلال هذه الفترة لتجنب المخاطر، ويعتبر مؤشرًا لدخول فصل الشتاء وبداية المربعانية.
المراجع
- منتدى ظفار المجد، موضوع بعنوان “الغريقة والحيمر وتقرير صادر من وكالة الأنباء العمانية عن قصص من هذه الأحداث ومع الصور يبث في جريدة الوطن”، 12 يونيو 2010،1https://www.dhofari.com/vb/showthread.php?t=105879&s=2419a6ac745510d34e3d704ae8e43bdf
- السيفي، حارث بن حمد. الغيث العتيق. مؤسسة بيت الغشّام، مسقط، 2020.
- “الحيمر” أنواء مناخية اقتلعت أشجار ظفار عام 1948.. هذه قصتها“، تقرير منشور في موقع جريدة الرؤية الإلكتروني، الثلاثاء 22 مايو 2018.

