أثير- د. محمد بن حمد العريمي
في السادس من نوفمبر عام 1996، شهدت سلطنة عُمان حدثًا سياسيًا مهمًا من أبرز محطّاتها التاريخيّة، تمثّل في صدور النظام الأساسي للدولة، المعروف باسم الكتاب الأبيض، في خطوةٍ جسّدت ترسيخ مفهوم دولة المؤسسات، وتعزيز مسيرة بناء الدولة العصرية.


أهمية صدور النظام الأساسي للدولة
يمثل النظام الأساسي للدولة الذي أصدره السلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراه، في عام 1996 دستور عمان ويوفر الإطار القانوني لتطوير وتنفيذ كافة التشريعات والسياسات الحكومية، وقد أصبح النظام الأساسي للدولة، منذ إصداره، يشكل الأساس لكافة التشريعات القانونية كما أنه يعد المرجعية النهائية للسلطة القضائية في سلطنة عمان.
وقد شكَّل صدور النظام الأساسي للدولة في السادس من نوفمبر عام 1996م محطةً تاريخية بارزة في مسيرة النهضة العُمانية الحديثة، إذ أرسى دعائم دولة المؤسسات والقانون، وحدّد بوضوح أسس نظام الحكم وآلية انتقاله بما يضمن الاستقرار السياسي واستمرار مسيرة البناء والتنمية. كما جاء هذا النظام ليُجسّد رؤية السلطان قابوس بن سعيد في بناء دولةٍ حديثةٍ قائمةٍ على العدالة والمساواة، حيث نصّ على صون الحقوق والحريات العامة، وكفل للمواطن العُماني كرامته وحقه في المشاركة في بناء وطنه.
وإلى جانب ذلك، نظّم النظام الأساسي العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على نحوٍ يحقق التوازن والتكامل فيما بينها، مما عزّز مبدأ الفصل بين السلطات، وقد مثّل صدور هذا النظام خطوةً متقدمة في تطوير الإطار التشريعي والإداري للدولة، وأسهم في ترسيخ مكانة سلطنة عُمان إقليميًا ودوليًا بوصفها دولةً مؤسسيةً تستند إلى نظامٍ قانونيٍّ راسخٍ يعكس روح المسؤولية والحكم الرشيد.
فصول النظام الأساسي للدولة:
احتوى النظام الأساسي للدولة عند صدوره في عام 1996م على سبعة أبواب هي: الباب الأول: الدولة ونظام الحكم، ويتناول الأسس العامة للدولة، فيوضح أن سلطنة عُمان دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، دينها الإسلام، ولغتها الرسمية العربية، وعاصمتها مسقط. كما يقرّ بأن نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السلطان تركي بن سعيد بن سلطان، ويؤكد أن الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع.
بينما حدد الباب الثاني: المبادئ الموجهة لسياسة الدولة، والمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية التي تسترشد بها الدولة، مثل العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتنمية الاقتصاد الوطني، ورعاية الأسرة والتعليم والصحة، والمحافظة على التراث والبيئة، وتأكيد قيم التعاون والسلام في علاقاتها الخارجية.
ويعد الباب الثالث: الحقوق والواجبات العامة، من أهم الفصول، إذ كفل الحريات العامة وحقوق الإنسان، مثل حرية الرأي والتعبير والمعتقد، وحماية الكرامة الإنسانية، والمساواة أمام القانون، وضمان التعليم والعمل والرعاية الصحية للمواطنين. كما يحدد واجباتهم تجاه الوطن واحترام القوانين.
ويبيّن الباب الرابع: رئيس الدولة (السلطان) صلاحيات السلطان واختصاصاته بوصفه رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمصدر الأعلى للسلطات. كما يوضح دوره في تعيين رئيس الوزراء والوزراء، وإصدار القوانين، وإعلان الأحكام العرفية أو الحرب، وتوقيع المعاهدات الدولية.
ونصّ الباب الخامس: مجلس عمان على تشكيل مجلس عمان من مجلس الدولة ومجلس الشورى، وأن يحدد القانون اختصاصات كل منهما ومدته وأدوار انعقاده ونظام عمله. كما يحدد عدد أعضائه والشروط الواجب توافرها فيهم، وطريقة اختيارهم أو تعيينهم، وموجبات إعفائهم، وغير ذلك من الأحكام التنظيمية.
ويؤكّد الباب السادس: السلطة القضائية: استقلال القضاء وعدم خضوعه لأي سلطة، وينظم عمل المحاكم، ويكفل حق التقاضي للجميع.
أما الباب السابع: الأحكام العامة والختامية فقد تضمن أحكامًا تنظيمية تتعلق بنفاذ القوانين، وعدم جواز تعطيل أحكام النظام الأساسي إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون، إضافة إلى تنظيم آلية تعديل النظام الأساسي نفسه.

تغطيات صحفية
حظي صدور النظام الأساسي للدولة في السادس من نوفمبر عام 1996م باهتمامٍ واسع من وسائل الإعلام والصحافة المحلية والعربية، نظرًا لأهمية هذا الحدث في التاريخ السياسي العُماني، فقد تناولت الصحف الوطنية، وفي مقدمتها جريدة عُمان وجريدة الوطن، مضامين النظام الجديد بالتحليل والعرض، مبرزةً دوره في ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أسسٍ قانونية واضحة.
كما أفردت العديد من الصحف العربية مساحات خاصة للحديث عن التجربة العُمانية المتميزة في بناء دولة المؤسسات، مشيرةً إلى ما يمثّله هذا النظام من نقلة نوعية في مسيرة الدولة الحديثة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد، وقد عكست التغطيات الإعلامية آنذاك ما شكّله صدور النظام الأساسي من منعطفٍ تاريخي يؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من العمل المؤسسي والشفافية في عُمان، ويؤكد التزامها بنهج التطوير المتدرّج والمتوازن في مسيرتها الوطنية.
ونعرض هنا نماذج من التغطيات الصحفية التي صاحبت الحدث:









نظام أساسي جديد
يُذكر أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- قد أصدر في 11 يناير 2021م المرسوم السلطاني رقم ٦ / ٢٠٢١ الذي قضى بإصدار النظام الأساسي للدولة؛ تأكيدا للمبادئ التي قامت عليها سلطنة عمان، ووجهت سياستها في مختلف المجالات، ونهضت بها: محليا، وإقليميا، ودوليا، وترسيخا لمكانة عمان الدولية، ودورها في إرساء أسس العدالة، ودعائم الحق والأمن والاستقرار والسلام بين مختلف الدول والشعوب، وتصميما على مواصلة الجهود لصياغة مستقبل أفضل، يتسم بمزيد من الإنجازات التي تعود بالخير على الوطن، والمواطنين، واستمرارا لمشاركة أبناء الوطن، وتمكينهم من صنع مستقبلهم في جميع مناحي الحياة، وصونا للوطن، وحفاظا على أرضه، ووحدته، ونسيجه الاجتماعي، وحماية لمقوماته الحضارية، وتعزيزا للحقوق، والواجبات، والحريات العامة، ودعما لمؤسسات الدولة، وترسيخا لمبادئ الشورى.
المراجع
- موقع قانون الإلكتروني، https://qanoon.om/p/1996/rd1996101/.
- أعداد مختلفة من صحيفة عمان في شهر نوفمبر 1996.
- أعداد مختلفة من صحف الحياة، الأهرام، الرأي، أخبار الأسبوع، النهار خلال الفترة 7-10 نوفمبر 1996.

