خاص-أثير
شهد يوم أول أمس حدثين مهمين يتعلقان بالطاقة وتحديدًا الغاز، وكان الحدث الأول محليا، وهو توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال مع شركة “ناتورجي” الإسبانية، التي تهدف إلى استكشاف ومناقشة اتفاقية بيع وشراء الغاز الطبيعي المسال طويل الأمد والتي قد تشمل توريد ما يصل إلى مليون طن سنويًّا لمدة 10 سنوات ابتداءً من عام 2030م.
أما الحدث الثاني عالمي، إذ صرح أمس وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد الكعبي عن أن دولة قطر لن تزود أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، إذا لم ينظر الاتحاد الأوروبي في كيفية تخفيف قواعد قانون الاستدامة أو إلغائها.
فما قانون الاستدامة الأوروبي الجديد، وتأثيراته المحتملة على إمدادات الغاز العالمية، وهل سيكون له انعكاسات على سلطنة عُمان؟
في هذا الإطار، حاورت “أثير” علي بن عبدالله الريامي خبير في مجال الطاقة الذي قال بأن القانون الجديد يُعرف باسم “توجيه العناية الواجبة للاستدامة المؤسسية”، ويُلزم الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي أو الراغبة في العمل داخله، بأن تكون تحت مراقبة أوروبية مباشرة.
وأوضح الريامي بأن الاتحاد الأوروبي أعطى لنفسه الحق وفقًا لمشروع القانون الذي يُرمز له اختصارًا بالإنجليزية بـ CSDDD، بمراقبة جميع الشركات العاملة في الاتحاد أو الراغبة بالعمل فيه في كل المجالات، من حيث الالتزام بالبيئة النظيفة وحقوق الإنسان وسلاسل الإمداد؛ ما يعني تدخلًا مباشرًا في عمل الشركات في الدول التي تنشط فيها.
ما علاقة القانون بقطاع الطاقة والغاز؟
أفاد الريامي بأن الشركات المصدرة للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا ستتأثر، إذ إن قطر على سبيل المثال تُصدر نحو 14% من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال، وذلك إثر توجه أوروبا نحو مصادر بديلة نتيجة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي والعقوبات المفروضة عليها، وبشكل أقل الولايات المتحدة الأمريكية.
وانضمت أمريكا إلى قطر في رسالة مفتوحة تم توجيهها إلى الاتحاد، لتعبرعن قلقها العميق من هذا القانون، معتبرة أنه يهدد أمن الطاقة الأوروبي ويؤثر على تنافسية الشركات الأمريكية، لأن الشركات الأمريكية نفسها قد تتأثر بتبعات هذا القانون.
ما التأثير المحتمل على سلطنة عُمان؟
بيّن الريامي بأنه يمكن القول إن التأثير الحالي محدود في مجال الطاقة، لأن عقود سلطنة عُمان مع الاتحاد الأوروبي ليست كثيرة أو كبيرة؛ ومع ذلك، قد تتأثر بعضها، مشيرًا إلى أن سلطنة عُمان تهتم بالقوانين أو الموضوعات المتعلقة بحقوق الإنسان والبيئة، وقد شهدنا مؤخرًا إصدار قانون العمل، وهو خطوة مهمة، وانضمامنا إلى بعض المنظمات الدولية وفق المراسيم السلطانية والقرارات الوزارية الأخيرة، وهذه الإجراءات تعكس استعداد السلطنة للانخراط في المعايير العالمية المتعلقة بالقوانين وحقوق الإنسان والبيئة.
وأشار الريامي في حديثه لـ “أثير”، إلى أنه في حال سحبت قطر ولو جزئيًا إمداداتها وتحويل وجهتها إلى آسيا مثل الصين والهند فستُتاح فرص جديدة أمام دول أخرى، وذلك لأنه سيكون هناك حاجة إلى إعادة توزيع الطلب الأوروبي.
أين تتمثل فرصة سلطنة عمان في السوق الأوروبي؟
يرى الريامي أن هذه التحولات يمكن أن تمثل فرصة لسلطنة عُمان إذا كانت القوانين تسمح بمراقبة الشركات العاملة في قطاع الطاقة، خصوصًا العُمانية للغاز الطبيعي المسال، واستيعابها لقوانين العمل الجديدة بما يتوافق مع شروط الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، لكنه يمكن اعتباره فرصة إستراتيجية، مضيفًا أن الاستفادة تعتمد على موقف السلطنة من القوانين المنظمة لبعض القرارات الخاصة بالاتحاد الأوروبي، وخصوصًا هذا القانون الجديد.
ما الخطوات لتعزيز الجاهزية ؟
أوضح الريامي لـ “أثير” بأن دخول السوق الأوروبية، يلزم اتخاذ خطوات مسبقة، منها:
- مراجعة القوانين وعقود تصدير الغاز الحالية لضمان توافقها مع متطلبات الاتحاد الأوروبي.
- تعزيز الشفافية في البيئة الاجتماعية وعمليات الإنتاج، وبخاصة في ظروف عمل العمال بقطاع الغاز.
- التواصل الدبلوماسي الفوري مع بروكسل لتوضيح الموقف العُماني وتقديم خارطة طريق للامتثال للقانون الجديد.
- تفعيل الدور الإعلامي لإبراز جهود السلطنة في مجالات حقوق العمال والبيئة والاستدامة، فالإعلام شريك في تعزيز الصورة الإيجابية.
ضغوط دولية وتوقعات مستقبلية
أشار الريامي إلى أن قطر بدأت بالفعل بالتحرك وأوضحت موقفها الرافض للقانون بوضوح، فإذا استمر القانون بصيغته الحالية، فإن قطر قد تعجز عن الاستمرار في إمداد أوروبا بالغاز، خصوصًا مع قدرتها على تحويل الإمدادات إلى أسواق آسيا، مثل الصين والهند، التي تحتاج إلى الطاقة النظيفة .
ويرى الريامي أن الدول المتضررة من القانون مثل قطر وأمريكا قد تمارس ضغوطًا على الاتحاد الأوروبي لتغيير موقفه في السنوات القادمة.
وأضاف: قد نشهد ضغوطات لتعديل الموقف الأوروبي، والسؤال الآن: هل ستنجح هذه الدول في دفع أوروبا لتخفيف القانون أم سيبقى الموقف الأوروبي متماسكًا وموحدًا؟ هذا ما ستكشفه الشهور القادمة.
وختم الريامي حديثه لـ أثير" قائلًا: “في النهاية، هذا القانون يمثل تحولًا مهمًا في الطريقة التي يتعامل بها الاتحاد الأوروبي مع العالم، وقد يكون تحديًا للبعض، وفرصة لآخرين، وسلطنة عُمان يمكن أن تكون من المستفيدين إذا استثمرت بذكاء في هذه التحولات.”

