رصد - أثير
على مدى أكثر من خمسين عامًا، شكّل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية أحد أكثر ملفات الصراع تعقيدًا، إذ لم يكن مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل أداة مركزية في مشروع السيطرة على الأرض الفلسطينية.
وبعد السابع من أكتوبر 2023، تصاعد العنف الاستيطاني إلى مستويات غير مسبوقة، حيث باتت الاعتداءات تُنفَّذ في وضح النهار تحت حماية جيش الاحتلال، ما حوّلها من أعمال متفرقة إلى حملة منظّمة تحمل أهدافًا سياسية واضحة.
بدأت ملامح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية تتشكل منذ عام 1967، مع إنشاء أولى المستوطنات الزراعية في مناطق استراتيجية مثل وادي الأردن والمناطق المحيطة بالقدس. ورغم أن الهدف المُعلن آنذاك كان إقامة «أحزمة استيطانية» تُستخدم كخطوط دفاع أمامية، فإن الدافع الحقيقي كان ديموغرافيًا وجيوسياسيًا، يهدف إلى تفتيت الجغرافيا الفلسطينية، وإعاقة قيام دولة متصلة ومتماسكة، وفرض واقع يصعب تغييره لاحقًا.
ووفقًا لتقارير ودراسات دولية، بلغ عدد المستوطنات بنهاية السبعينيات نحو 36 مستوطنة يقطنها آلاف المستوطنين. ومع وصول حزب الليكود إلى الحكم عام 1977، تسارع التوسع الاستيطاني بوتيرة غير مسبوقة، خاصة في مناطق التلال الوسطى، حيث أُقيمت مستوطنات كبرى مثل «معاليه أدوميم» لربط القدس الشرقية بالكتل الاستيطانية الكبرى وقطع التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية في الضفة الغربية.
الاستيطان بعد السابع من أكتوبر
شكّل هجوم السابع من أكتوبر والحرب الأخيرة على غزة نقطة تحوّل فارقة أعادت ترتيب أولويات الاحتلال الإسرائيلي. ففي الوقت الذي انشغل فيه الجيش في جبهات الجنوب، استغل المستوطنون الوضع للتحرك بحرية أوسع في الضفة الغربية، ما أدى إلى تصاعد غير مسبوق في وتيرة العنف.
وخلال العامين الماضيين، سجّلت الضفة الغربية أكثر من 1800 اعتداء نفّذها مستوطنون ضد قرى فلسطينية، شملت حرق منازل ومزارع، واعتداءات مسلّحة، وعمليات تهجير قسري للتجمعات البدوية، خصوصاً في المناطق المصنفة «ج» التي تشكّل نحو 60% من مساحة الضفة. ووفق تقارير «هيومن رايتس ووتش»، فإن الجيش الإسرائيلي شارك في معظم هذه الاعتداءات، سواء عبر مرافقة المستوطنين أو عبر الامتناع عن التدخل لوقفهم.
ورغم أن هذا التصعيد قد يبدو للوهلة الأولى عشوائيًا، فإنه يتقاطع مع سياسات حكومية معلنة تهدف إلى توسيع المستوطنات القائمة، وتثبيت بؤر جديدة، وإغلاق طرق رئيسية تربط شمال الضفة بجنوبها، في خطوة تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والديموغرافي للمنطقة.
خطة E1 الاستيطانية
وافقت إسرائيل بصورة نهائية على خطة مثيرة للجدل لبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، مما سيؤدي فعليًا إلى تقسيم المنطقة إلى قسمين.
كانت خطط الاستيطان في المنطقة E1، الواقعة شرق القدس، مُجمّدة لعقود في مواجهة المعارضة الدولية، لأنها ستجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وعاصمتها القدس الشرقية شبه مستحيلة.
لكن وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أكد المضي في الخطة، موضحًا أن هذا هو هدفه، قائلًا في بيان: “إن الدولة الفلسطينية تُمحى من على الطاولة ليس بالشعارات، بل بالأفعال”.
وقدّم سموتريتش هذه الخطوة باعتبارها ردًا من إسرائيل على الموجة الأخيرة من الدول التي أعلنت عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية. رفضت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضًا قاطعًا أي احتمال لقيام دولة فلسطينية، وهو موقف عززه قرار أصدره الكنيست الإسرائيلي العام الماضي.
سيربط مشروع E1 الاستيطاني، المُجمّد لعقود بسبب المعارضة الدولية الشديدة، القدس بمستوطنة معاليه أدوميم، مما يجعل إقامة عاصمة فلسطينية مستقبلية في القدس الشرقية شبه مستحيلة. كما سيُقسّم الضفة الغربية إلى نصفين، مما يمنع إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.
رفض ترمب
حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إسرائيل علناً من أن المضي قدماً في ضم الضفة الغربية سيكلف إسرائيل خسارة الدعم الأمريكي، وقال ترامب في مقابلة مع مجلة تايم في 15 أكتوبر ونشرت يوم الخميس: “لن يحدث ذلك”.
قال ترامب: “لن يحدث هذا، لن يحدث. لن يحدث لأنني وعدتُ الدول العربية. ولا يمكنكم فعل ذلك الآن. لقد حظينا بدعم عربي كبير. لن يحدث هذا لأنني وعدتُ الدول العربية. لن يحدث. ستفقد إسرائيل كل دعم الولايات المتحدة إذا حدث ذلك”.
في تصريحاته الحالية الرافضة الضمَّ، لم يقدم الرئيس الأميركي صيغة ملزمة بمنع الأمر، وإنما يحذر من فقدان الدعم الأميركي “إذا ما حصل الضم”، بل إن بعض تصريحاته أشارت بشكل مباشر للتوقيت، إذ قال عن الضم “لن يحدث ذلك، لا يمكن القيام بذلك الآن”.
زيادة المستوطنات
في تقرير للحكومة الإسرائيلية، قالت القناة “12” العبرية، إن الضفة الغربية تعيش طفرة استيطانية إسرائيلية منذ تشكيل حكومة نتنياهو نهاية عام 2022، حيث ارتفع عدد المستوطنات من 128 “معترف بها في الضفة”، إلى 178 حاليا، بزيادة قدرها نحو 40 بالمئة في فترة حكومة واحدة، إلى جانب هدم غير مسبوق لمنازل الفلسطينيين.
وأضافت القناة: “ومنذ تولي الحكومة السلطة، تمت الموافقة على 41 ألف و709 وحدات سكنية (استيطانية)”، وهو رقم يفوق العدد المسجل في السنوات الـ6 التي سبقت الحكومة الحالية، أي الفترة من 2017 إلى 2022.
بلغ عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية 214 في نهاية عام 2024، منها 66 أقيمت خلال الحرب (الإبادة في غزة بدأت في 7 أكتوبر 2023)، وفي أول عامين من ولاية الحكومة ازداد عددها في المنطقة بنسبة تقارب 300 بالمئة مقارنةً بالعامين السابقين“، حسب القناة العبرية.
وذكرت القناة 12 أن زيادة البناء تتزامن مع النمو السكاني، فمن 2013 إلى 2023، نما عدد سكان المستوطنات في الضفة الغربية بنسبة 38 بالمئة، وذلك بواقع ارتفاع من 374 ألف نسمة إلى 517 ألف نسمة، وفقًا لبيانات مجلس المستوطنات بالضفة الغربية.
أرقام مهمة
- حكومة نتنياهو صادقت على بناء أكثر من 17 ألف وحدة استيطانية في يوليو 2025
- عدد المستوطنين تجاوز 730 ألفاً حتى مايو 2025
- حكومة نتنياهو خصصت 1.5 مليار دولار لتوسيع البنى الاستيطانية
- 1375 حالة عنف من المستوطنين ضد الفلسطينيين في 2025
- 264 هجوماً من المستوطنين على الفلسطينيين في أكتوبر 2025
- ارتفع عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا على يد المستوطنين إلى 13 خلال أكتوبر 2025 وارتفع إلى 37 منذ أكتوبر 2023.
- إتلاف 4200 شجرة زيتون في 77 قرية نتيجة هجمات المستوطنين في الضفة الغربية
- منذ تولي حكومة نتنياهو السلطة في 2022 تمت الموافقة على 41 ألف و709 وحدات سكنية بالضفة
المصادر:
المونيتور
الجزيرة
جريدة الأخبار
الشرق
الأناضول

