أثير-جميلة العبرية
تُعدّ قوانين التجنيد العسكري من أهم التشريعات التي تعكس قوة الدولة وتنظيمها، ففي دلالاتها لا تُعنى فقط بتعبئة الجيوش، بل بتأسيس روح الانتماء والانضباط الوطني، وتمثل هذه القوانين مرآةً للمرحلة السياسية والأمنية، وتكشف عن وعي القيادة بأهمية بناء جيش وطني قوي ومنظم.
وتبرز الوثائق التاريخية تفاصيل قانون التجنيد الذي صدر في حكم السلطان تيمور بن فيصل، والتي أوضحتها الباحثة التاريخية الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية لـ “أثير”، قائلة بأن قانون التجنيد العماني صدر في عام 1916م، وهو يُعد من أبرز القوانين العسكرية في تاريخ سلطنة عُمان خلال عهد السلطان تيمور بن فيصل، وجاء استجابةً لظروف سياسية وعسكرية حساسة تطلّبت بناء قوة وطنية مستقلة.
وأوضحت الدكتورة بهية لـ “أثير” بأن القرار جاء ليعزز من قدرة الدولة على إنشاء قوة عُمانية نظامية مستقلة، حيث تضمن القانون ثلاثة بنود رئيسية، هي:
1.نظام التجنيد سيكون إجباريًا في حال صدور قرار من السلطان يلزم المواطنين بالانضمام إلى الخدمة العسكرية.
2.تطبيق القرارات والشروط على جميع المجندين سواء تطوعوا أو جُنّدوا إجباريًا دون استثناء، مع ضمان حقوقهم الشخصية والعامة.
3.منح المجندين امتيازات ومعيشة كاملة تشمل الراتب والمأكل والملبس والرعاية لعائلاتهم.
وأشارت الدكتورة بهية إلى أن القانون العسكري تضمن تفاصيل دقيقة للامتيازات، منها:
• يندرج تحت قانون دخول العسكرية قانون آخر هو قانون الإعاشة والملبوسات العسكرية الذي يُلزم الحكومة بتقديم كل ما يحتاجه الجندي من ملابس وغذاء، وقد خص القانون الجندي الذي لا يمتلك عائلة حيث يصرف له مرتين في السنة ملابس عسكرية، وحذاءين أحدهما للتعليم والآخر للوضوء والمنزل. كما يصرف له طقم ملابس يتكون من قميصين صيفي وشتوي، ووزارين وكمة، إضافة إلى جميع التجهيزات العسكرية والغذاء، بالإضافة إلى راتب شهري يبلغ 5 روبيات.
* أما إذا كان للمجند عائلة عاجزة أو لا تعمل، كالزوجة والأخت والأم والأب والأخ، فإن الدولة تصرف لهم في كل شهر لكل فرد في العائلة 3 أمنان أرز (كل مَنّ يُعادل 4 كيلوجرام تقريبًا).
* إذا مات المجند وهو في الخدمة العسكرية؛ فإن الدولة تصرف لكل فرد من عائلته -إذا لم يكن لهم مُعيل- مبلغا شهريا يبلغ 3 ريالات طيلة فترة حياتهم.
* إذا تعرض المجند لأمور تؤثر في خصوصياته؛ فله أن يقدم شكوى إلى الحكومة وليس له أن يعلن انسحابه من الخدمة العسكرية أو يتحدث بحديث من شأنه أن يكون خارجا عن القانون الحكومي.
* إذا انتهت فترة عمل المجند في المركز العسكري؛ فإن الحكومة تأخذ منه نصف أجرة النقل المتعارف عليها في الدولة، وإذا كان يعمل ضمن حاشية السلطان أو عسكره وانتهت مدة عمله؛ فلا يؤخذ منه أيّ أجرة للنقل إذا كان مسافرا برا أو بحرا، كما يصرف له في اليوم علاوة في راتبه تبلغ 50 بيسة إذا كان نفرا ، و95 بيسة إذا كان معاون شاوليش ، و125 بيسة إذا كان شاوليش ، و160 بيسة إذا كان وكيل ضابط.
* أنّ القانون العسكري يمنح الجندي امتيازات خاصة تختلف عن الامتيازات التي تمنح له مقابل خدمته للسلطان؛ وذلك بشرط ألا يتجاوز القوانين، وإذا تجاوزها سيتعرض للعقاب.

وتؤكد الدكتورة العذوبية أن القانون شدد على الانضباط، حيث جاء فيه:
“إنّ هروب المجند من الخدمة العسكرية يعرضه لعقوبات متفاوتة، فالهروب للمرة الأولى سيؤدي إلى دخوله السجن لمدة سنة، وإذا تكرر هربه مرة أخرى سيتم نفيه إلى خارج البلاد لمدة سنتين، أما تكرار هروبه للمرة الثالثة فسيؤدي به إلى الإعدام.”
كما يطبّق القانون على جميع المنتسبين للخدمة العسكرية سابقًا وحاليًا، ويُعمل به من تاريخ صدوره في عام 1916م.
واختتمت الدكتورة بهية العذوبية حديثها لـ “أثير” بالقول بأن قانون التجنيد لعام 1916م كان خطوة تأسيسية مهمة في تنظيم المؤسسة العسكرية العُمانية، إذ جمع بين الانضباط الصارم والرعاية الاجتماعية؛ ليضع اللبنة الأولى لقوانين الخدمة العسكرية الحديثة في سلطنة عُمان.

