أثير- د. محمد بن حمد العريمي
في يوم الثلاثاء الموافق 20 نوفمبر 1990م، شهدت قاعة المحاضرات الكبرى بجامعة السلطان قابوس فعالية علمية متميزة تمثّلت في عقد ندوة من الندوات التاريخية المهمة التي احتضنتها الجامعة، وقد خُصِّصت هذه الندوة لمناقشة موضوع ذي بعد حضاري وتاريخي عميق، حمل عنوان “أهمية عُمان بالنسبة لطرق الحرير”.


تناولت الندوة الدولية التي نظمتها “اليونسكو” ضمن برنامج “طريق الحرير” عبر جلساتها المتعددة الدور المحوري الذي أدّته عُمان في شبكة طرق الحرير البرية والبحرية، بوصفها صلة وصل بين حضارات الشرق والغرب منذ العصور القديمة، واستعرض الباحثون المشاركون ما امتازت به الموانئ العُمانية، مثل صحار وصور ومسقط، من نشاط تجاري واسع جعلها محطات إستراتيجية في مسار حركة البضائع بين بلاد الرافدين والهند والصين وشرق إفريقيا.
كما تطرّقت الأوراق البحثية إلى الإسهام العُماني في نقل السلع والثقافات والمعارف عبر تلك الطرق، مؤكدين أن عُمان لم تكن مجرد معبر للتجارة فحسب، بل كانت أيضًا جسرًا حضاريًا أسهم في بناء التفاهم والتبادل الثقافي بين الأمم.

حفل افتتاح الندوة
رعى فعاليات حفل افتتاح الندوة سمو السيد فيصل بن علي بن فيصل وزير التراث القومي والثقافة وقتها، بحضور عدد من أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة الوكلاء، والعلماء والباحثين المشاركين في مشروع اليونسكو لدراسة طرق الحرير.
وألقى راعي الحفل كلمة رحّب فيها بالحضور والعلماء المشاركين في الرحلة لاكتشاف طرق الحرير، وأشار إلى دور عمان التاريخي في مجال الملاحة البحرية، وموقعها الجغرافي الذي جعلها محطة من محطات التجارة الدولية القديمة، وذكر أن تاريخ عمان البحري هو الذي حدا بمنظمة اليونسكو إلى دعوة وزارة التراث القومي والثقافة للمشاركة في مشروع دراسة طرق الحرير.
كما ألقى دودوديان منسق مشروع طريق الحرير كلمة نيابة عن مدير عام منظمة اليونسكو أشار فيها إلى لقائه بالسلطان قابوس في إحدى جولاته السامية ونقاشهم حول تاريخ عمان البحري ومشاركتها في تجارة الحرير، وأشار منسق المشروع إلى دور عمان الحضاري وعلاقتها بحضارات العالم القديم، وأهم الرحلات القديمة التي ارتبطت بربابنة عمانيين. كما لم ينس أن يوجه الشكر والتقدير إلى جهود السلطان قابوس في رعاية هذا المشروع ودعمه له كما دعم مشروعات مشابهة سابقًا مثل مشروع " رحلة السندباد“، وثمّن كذلك زيارة السلطان قابوس لمقر اليونسكو في باريس وتقديمه هدية تذكارية تمثلت في نموذج فضي للسفينة “صحار”، ثم تخصيصه اليخت “فلك السلامة” للقيام بالرحلة البحرية المرتبطة بالمشروع.

أوراق العمل
عقدت الندوة على مدار يومين ثلاث جلسات ألقى فيها عدد من العلماء محاضرات حول تاريخ عمان البحري وأهمية هذا التاريخ بالنسبة للتجارة الدولية، وشهدت الجلسة الختامية ثلاث أوراق عمل قدمها كلٌ من: الدكتور محمد شريف من باكستان، والدكتور ميرج كلوزير من فرنسا، والدكتور ليو يونج شونج من الصين، تحدثوا خلالها عن أهمية عمان بالنسبة للتجارة الدولية، وعن عدد من الموانئ العمانية وارتباطها بموانئ عدد من الدول مثل الصين، واليابان، وعن تاريخ عمان القديم الذي يعود إلى ما قبل الميلاد، والتبادل الحضاري بين عمان ودول طرق الحرير.

زيارات تاريخية
تضمنت فعاليات الندوة برنامجًا ميدانيًا أتاح للمشاركين الاطلاع المباشر على بعض المعالم التاريخية في السلطنة؛ حيث قام العلماء المشاركون بزيارة إلى ولايتي نزوى وبهلاء للتعرّف إلى معالمهما الأثرية الشاهدة على عمق التاريخ العُماني، وما تضمه من قلاع وحصون ومواقع تراثية ذات صلة بالحضارة العُمانية القديمة.
وبعد ذلك، تواصل البرنامج بزيارة أخرى إلى ولاية صحار، التي تُعدّ من أبرز المدن التاريخية المرتبطة بطرق التجارة البحرية وطرق الحرير، حيث اطّلع الوفد على مرافئها ومواقعها الأثرية التي كانت شاهدة على ازدهار النشاط التجاري العُماني عبر القرون.
كتاب “حصاد الندوة الدولية لطرق الحرير”
في عام 1991م نشرت وزارة التراث القومي والثقافة نتاج البحوث التي تم تقديمها من خلال الندوة في كتاب حمل عنوان: مشروع منظمة التربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” لدراسة طرق الحرير/ حصاد الندوة الدولية لطرق الحرير بجامعة السلطان قابوس الفترة من 20 إلى 21 نوفمبر سنة 1990م.
وتناول الكتاب موضوعات تتعلق بالتجارة البحرية وصناعة وتجارة الحرير، بالإضافة إلى دور سلطنة عُمان في طرق الحرير.
مشروع طريق الحرير
كانت سلطنة عمان قد تبنت الدعوة العالمية التي أطلقتها منظمة التربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” لدراسة طريق الحرير والتجارة القديمة التي كانت تتبادلها القوافل التجارية البرية والبحرية بين شعوب العالم، وقد خصّص السلطان قابوس اليخت السلطاني “فلك السلامة” مع كل طاقمه لتستخدمه اليونسكو لهذه الرحلة، وذلك نظرًا للأهمية الحضارية للمشروع، ولموقع عُمان الجغرافي والدور الذي لعبته في مسيرة التواصل الإنساني بين الشرق والغرب، وتقديراً من جلالته للمردود العلمي للدراسة ونتائجها الإيجابية والاستفادة من معطياتها لزيادة الترابط بين شعوب العالم.

وكانت السفينة " فلك السلامة" قد وصلت في يوم 17نوفمبر من عام 1991م إلى ميناء السلطان قابوس بمسقط أثناء احتفالات البلاد بالعيد الوطني العشرين، حيث أعد لها استقبال رسمي وشعبي قدمت خلاله الفرق الأهلية ألوانًا متعددة من فنونها الشعبية. كما قام العلماء والمشاركون من البعثة ببرنامج حافل من الأنشطة تمثلت في مشاركتهم في احتفالات البلاد بالعيد الوطني، بالإضافة الى زيارة العديد من المواقع الأثرية خاصة تلك التي أدرجتها اليونسكو ضمن الآثار العالمية مثل سور بهلاء. كما أقيمت في اليوم العشرين من نوفمبر ندوة دولية حول أهمية التراث البحري العماني لطريق الحرير، ثم واصلت السفينة سيرها يوم 25 نوفمبر الى بقية موانئ باكستان والهند والشرق الأقصى مروراً بالصين وحتى أوساكا باليابان، وقد شملت الرحلة 21 ميناء في 16 دولة.

وأهم أهداف الرحلة معرفة مدى تأثر الحضارات والثقافات في الشرق والغرب بعضها ببعض وما تم تناقله من معلومات تقنية وعلمية من خلال التبادلات التجارية لمختلف السلع وخاصة الحرير الذي استقطب اهتمام الملوك والأثرياء منذ الألف الثاني قبل الميلاد.

المراجع
- صحيفة الاتحاد الإماراتية، الأربعاء 21 نوفمبر 1990
- صحيفة البيان الإماراتية، الثلاثاء 31 مايو 1988
- صحيفة عمان، عدد الأربعاء 21 نوفمبر 1990.
- صحيفة عمان، عدد الخميس 22 نوفمبر 1990.
- موقع https://sultanqaboos.net/

