أثير- د. محمد بن حمد العريمي
في الحادي عشر من يناير 2025م أشار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -أعزّهُ اللهُ- في خطابه السّامي بمناسبة الـ11 من يناير -يوم تولّي جلالته مقاليد الحكم في البلاد – إلى إعلان يوم العشرينَ من نوفمبر من كلِّ عامٍ يومًا وطنيًّا لسلطنةِ عُمان: “إنّهُ لمن دواعي سُرورِنا وتكريمًا لأسلافِنا من السّلاطين واستحضارًا ليومٍ مجيدٍ من تاريخِ عُمان الحافلِ بالأيامِ المشرقةِ أن نُعْلِنَ في هذا المقام بأن يكونَ يومُ العشرينَ من نوفمبر من كلِّ عامٍ يومًا وطنيًّا لسلطنةِ عُمان وهو اليومُ الذي تشرَّفتْ فيه الأسرةُ البوسعيديّة بخدمةِ هذا الوطنِ العزيز منذُ العام (1744) على يد الإمام المؤسّس السّيد أحمدَ بن سعيد البوسعيدي الذي وحَّدَ رايةَ الأمَّةِ العُمانيةِ وقادَ نضالَها وتضحياتِها الجليلةِ في سبيلِ السّيادةِ الكاملةِ على أرضِ عُمان والحريّةِ والكرامةِ لأبنائِها الكرام، وجاءَ من بعدِهِ سلاطينٌ عِظام حملوا رايَتَها بكلِ شجاعةٍ واِقتدار وأكملُوا مسيرَتَها الظافرة بكلِ عزمٍ وإصرار”.

وفي يوم 21 من يناير 2025م صدر المرسوم السلطاني السامي رقم (15/2025) بتعديل بعض أحكام المرسوم السلطاني رقم (88/2022) بتحديد أيام الإجازات الرسمية، حيث استبدل بنص البند (د) من (أولًا) من المادة الأولى من المرسوم السلطاني رقم 88/2022 المشار إليه، البند الآتي:
د. اليوم الوطني لسلطنة عمان (20) و (21) من شهر نوفمبر

ويؤكّد اعتماد يوم 20 نوفمبر كيوم وطني في سلطنة عُمان على أنه ليس مجرد تغيير تاريخي، بل هو تجديد للارتباط بين الماضي والحاضر، بين السيادة الوطنية والهوية المشتركة، وبين الإنجاز والاستعداد للمستقبل. إنه يُذكّر العُمانيين – مواطنين ومقيمين – بأهمية الوحدة، والتراث، والمشاركة في مسيرة وطن نحو مزيد من التقدم والازدهار.
قيام الدولة البوسعيدية
قامت الدولة البوسعيدية على يد الإمام أحمد بن سعيد بن محمد البوسعيدي في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وقد اختلفت المصادر والمراجع التي تناولت تاريخ تأسيس هذه الدولة في تاريخ تأسيسها الفعلي؛ فمنهم من ذهب إلى عام 1741 كابن رزيق، ومنهم من رجّح أنه عام 1744، ومنهم من أشار إلى توليه في عام 1749، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك، ولعل هناك أسبابًا عديدة أدت إلى هذا الاختلاف من بينها قلّة المصادر التي عايشت الحدث، بالإضافة إلى تداخل أحداث عديدة من بينها ازدواجية منصب الإمامة في بعض الأوقات، ووجود أكثر من بيعة لبعض هؤلاء الأئمة، واعتبار البعض أن أحمد بن سعيد تولى القيام بأعباء الإمامة فعليًا بعد استشهاد الإمام سلطان بن مرشد في عام 1743، بينما يرى بعض آخر أن هذا الأمر لا يعني كونه قد أصبح إمامًا على اعتبار أن تاريخ عقد الإمامة الفعلي له كان في عام 1749 كما أشار الأزكوي في كشفه.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف إلى أن هناك عددا من الباحثين والمؤرخين رجّح اعتبار العام 1744 هو العام الذي أصبح فيه (الشيخ) أحمد بن سعيد بن محمد البوسعيدي الأدمي والي صحار إمامًا على عمان.
ومن بين المؤرخين والباحثين الذين ذكروا أو رجّحوا عام 1744 على اعتباره العام الذي تولى فيه الإمام أحمد الإمامة في عمان؛ لوريمر الذي ذكر التاريخ ثم أتبعه بالفقرة الآتية: " لقد منح حاكم صحار أعلى السلطات اعترافا بفضله الذي لا ريب فيه على البلاد، وهكذا أصبح أحمد بن سعيد هو مؤسس حكم آل بوسعيد الذي ما يزال حاكما في عمان حتى اليوم. ويبدو أن انتخابه للإمامة كان أمرًا دبّر بعناية…“.
ويرى بادجر “أن انتقال الحكومة من اليعاربة إلى أحمد بن سعيد وهو أول حكام أسرة آل بو سعيد بعد أن كانت السلطة بيد الأسرة القديمة مدة مائة وسبع عشرة سنة – من ضمنها الحكم القصير لمحمد بن ناصر الغافري- قد حدث عام 1744م”.
أما الباحثة خلود باحشوان فترى أنه قد “قامت دولة البوسعيد في عمان عندما بويع أحمد بن سعيد – والي صحار- بالإمامة في اجتماع أهل الحل والعقد في الرستاق سنة 1744، وهناك اختلاف بين المصادر في السنة التي تولى فيها الإمام أحمد بن سعيد الحكم في البلاد، ... إلا أننا نرجح أن يكون تولى بين عامي 1744 و1745؛ وذلك لأن قوات تقي خان انسحب معظمها من عمان سنة 1743، وقد وقع اختيار أهل عمان على أحمد بن سعيد؛ لأنه خلص البلاد من الغزاة الفرس”
وتعود الباحثة لتضيف: “مما سبق نرجح أن تكون سنة تولي الإمام أحمد بن سعيد هي 1744 للسبب الذي ذكر آنفاً، وأن ذلك التضارب قد حدث نتيجة لعدم استقرار الأوضاع وانفراد الإمام أحمد بالسلطة وإذعان كل عمان له إلا بعد سنوات من توليه الحكم..”.
ويشير الدكتور عبد القادر القحطاني إلى وجود خلاف بين المؤرخين على تاريخ تولي الإمام أحمد بن سعيد لمقاليد الإمامة في السلطنة، مع الإشارة إلى تواريخ عدّة من بينها العام 1744 حيث يذكر:" ..... بينما يؤكد جون ويلان أن أحمد بن سعيد تولى الإمامة في 1744م، وهذا ما يؤكده لوريمر وغيره من المؤرخين بعد أن طرد في هذا العام آخر جندي فارسي من بلاده بما فيها مسقط“.
ويشير القحطاني إلى المعلومة ذاتها في مرجعٍ آخر في مكانٍ آخر، ويضيف إليها:" وتذكر بعض المصادر أن أحمد بن سعيد دعا عقب نجاحه في طرد الفرس من بلاده إلى عقد اجتماع يضم رؤساء وشيوخ القبائل في مدينة الرستاق لاختيار أحدهم إمامًا للبلاد؛ فوقع اختيارهم عليه لما قام به من أعمالٍ وطنية كان منها تخليص البلاد من الغزاة الفرس“.
وفي حديثه عن نجدة أهل عمان زمن الإمام أحمد للبصرة يشير الدكتور طارق الحمداني إلى أنه " تمخض احتلال الفرس لعمان عن ظهور زعيم جديد للبلاد، قام ليسترد لها استقلالها وسيادتها وما ضاع من نفوذها في الخليج العربي، وليعمل على تحقيق الوحدة الوطنية، وكان هذا الزعيم هو أحمد بن سعيد (1744-1783)، الذي لمع اسمه في صحار، فتصدى للاحتلال الفارسي، وأرغم الفرس على الانسحاب من عمان عام 1744، فكوفئ على عمله هذا بانتخابه إماما للبلاد“.
وترى الباحثة جميلة معشي أن “الخلافات التي عصفت بالزعامات اليعربية، فتحت المجال لظهور زعامة جديدة فتية تمثلت في أحمد البوسعيدي الذي استفاد من قيادته للمقاومة في صحار ضد الحملات الفارسية، ووضع الأساس لحكم أسرة البوسعيد في عمان، وتمت مبايعته بالإمامة في عام 1157هـ/1744م”.
أما الباحث موسى غضبان فقد أكّد أنه " وكما هو معروف فقد آل حكم عمان بعد انتهاء عهد اليعاربة الذين أسسوا الدولة على يد إمامهم ناصر بن مرشد عام 1624، إلى فرع آخر عرف بآل بوسعيد (البوسعيد) على يد أحمد بن سعيد في عام 1744 ليصبح المؤسس لدولة البوسعيد“.
ويشير الدكتور صالح الخروصي إلى أنه " لم تتفق المصادر على تحديد السنة التي تولى فيها الإمام أحمد، فابن رزيق يشير إلى عام 1154هـ/1741م، بينما يشير السالمي إلى 1167هـ/1754م، ويشير معظم المؤرخين المعاصرين إلى عام 1744، إنما الرأي الأقرب للصواب هو أن حكم الإمام في عام 1744 كان بوجود إمام منافس له من بقايا اليعاربة هو بلعرب بن حمير..، ثم جددت بيعة الإمام في عام 1749″.
لماذا 1744؟
عندما رغب خليفة بن حارب بن ثويني، سلطان زنجبار في الاحتفال بمناسبة مرور (200) عام على تأسيس الدولة البوسعيدية على يد جدّه الإمام أحمد بن سعيد، كانت هناك حيرة في اختيار سنة التأسيس، وقد تم طرح عدّة تواريخ أهمها 1741 بحسب رأي ابن رزيق، و1744 بحسب رأي لوريمر، وبعد نقاشات عديدة تم ترجيح رأي لوريمر واختيار عام 1744 كتاريخ لظهور الدولة البوسعيدية.
وهناك وثيقة رسمية مؤرخة في 13 أبريل 1944م ضمن الملف “مجموعة ٢١/٢٠ “مسقط: الأسرة الملكية - ملاحظة بشأن السلطان” المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم الاستدعاء IOR/L/PS/12/2980 صادرة عن وزارة المستعمرات البريطانية (Secretary of State for the Colonies) وموجهة إلى الضابط الإداري لحكومة عُمان، بعنوان: Bi-centenary of Al Bu Said Dynasty (الذكرى المئوية الثانية لأسرة آل بوسعيد)، وفيها مناقشة حول تاريخ بداية حكم أسرة آل بوسعيد في عُمان، مع الإشارة إلى اختلاف المصادر البريطانية في تحديد السنة الدقيقة لبدء هذا الحكم.
ذكرت الوثيقة مصدرين هما: المصدر الأول (Aitchison’s Treaties, 1929) ويشير إلى أنه في عهد نادر شاه، غزا الفرس عُمان وسيطروا عليها فترة من الزمن، ثم طردهم بواسطة أحمد بن سعيد، حاكم صحار الذي انتُخب إمامًا في عام 1741، وأسس الدولة البوسعيدية.
أما المصدر الثاني (J.G. Lorimer – Gazetteer of the Persian Gulf, 1915)، فيذكر تفاصيل إضافية حول عُمان والخليج العربي في كتابه “معجم الخليج الفارسي وعُمان ووسط الجزيرة العربية”، حيث يحدد بداية الدولة البوسعيدية في 1744 بدلًا من 1741.
وعلى إثر النقاش حول التاريخين أُحيل الخلاف إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج سنة 1941، وبعد مراجعة الأدلة التاريخية، تم ترجيح رأي لوريمر الذي يحدد بداية حكم آل بوسعيد بعام 1744.
وقد أفاد المقيم السياسي بأن السلطان سعيد بن تيمور نفسه لم يكن متأكدًا من التاريخ الدقيق، لكن بناءً على مراجعة الأدلة التاريخية المتوفرة، تم اعتماد تاريخ 1744 كتاريخ مرجّح لبداية حكم أسرة آل بوسعيد.

وفي 6 نوفمبر 1941م وضمن وثائق ومراسلات الملف السابق، أرسل أحد المسؤولين البريطانيين إلى زميل له يُدعى Pilling، رسالة داخلية يدور موضوعها حول تحديد السنة الصحيحة للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية (200 عام) لتأسيس أسرة آل بوسعيد الحاكمة في عُمان:
6 نوفمبر 1941م
عزيزي بيلينغ، لقد كانت بيني وبين “ستووك” مراسلات في وقت سابق من هذا العام، أُشير فيها إلى أن الذكرى المئوية الثانية لأسرة آل بوسعيد ستقع هذا العام.
وفي خطابي الأخير إليه بتاريخ 26 فبراير، ذكرت أننا كنا نعتزم إرسال رسالة إلى السلطان في يوم جلوسه على العرش، تتضمن الإشارة إلى هذه الذكرى المئوية الثانية لسلالته. منذ ذلك الحين، أجرينا مراسلات مع وزارة الهند، التي بدورها كتبت إلى المقيم السياسي في الخليج الفارسي حول هذا الموضوع.
وبناءً على نتائج هذه المراسلات، اتفقنا مع وزارة الهند على أنه — رغم أن سنة 1741 كانت تُذكر عادةً كتاريخ انتخاب أحمد بن سعيد إمامًا — فإن الأدلة المتوفرة تُرجّح سنة 1744 كتاريخ أدق لهذا الحدث. وعليه، يُستحسن اعتماد 1944 بوصفها السنة الرسمية للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية.
في الواقع، يبدو أن هذه الذكرى لا تحظى باهتمام كبير في الخليج الفارسي، ما لم يُبدِ سلطان زنجبار أو رعاياه اهتمامًا خاصًا بها، ولذلك، فإن إرسال رسالة تهنئة خاصة للسلطان بهذه المناسبة قد لا يكون ضروريًا أو ذا أهمية تُذكر، ومع ذلك، يمكن تأجيل النظر في هذا الأمر إلى عام 1944.
وفي الوقت الراهن، ربما من المناسب أن نُبلغ السلطان أننا — بعد دراسة الأدلة المتاحة — توصلنا إلى أن العام 1944، وليس 1941، هو الذي ينبغي اعتماده رسميًا بوصفه الذكرى المئوية الثانية لسلالته.

لماذا 20 نوفمبر؟
بعد التوافق على اختيار السنة التي تأسست فيها الدولة تم مناقشة اليوم الذي يمكن اعتباره يومًا لتأسيس الدولة، وعلى الرغم من عدم وجود تاريخ محدد باليوم والشهر يتعلق بطرد أحمد بن سعيد للفرس، أو يرتبط بالعام 1744م إلا أن بعض المراسلات بين المسؤولين البريطانيين في قنصليات بريطانيا في مسقط وزنجبار أشارت إلى اليوم الذي تم اختياره ليكون يوم التأسيس، وهو العشرين من نوفمبر، ويستنتج من تلك المراسلات أن هذا اليوم قد ارتبط بتاريخ تولي السيد سعيد بن سلطان مقاليد الحكم.
ومع أن المصادر تشير إلى استلام السيد سعيد مقاليد الحكم في 20 نوفمبر 1804 بعد مقتل والده، إلا أن المراسلات قد أشارت إلى تاريخ 20 نوفمبر 1806، وهو تاريخ غير دقيق، فالسيد سعيد تولى الحكم في 20 نوفمبر 1804، وكان الحكم في وصاية ابن عمه السيد بدر بن سيف بن أحمد حتى تاريخ 6 يوليو 1806 عندما تم اغتيال السيد بدر على يد السيد سعيد بن سلطان في حصن النعمان في بركاء، ولذلك وجدت إشارة إلى أن السلطان خليفة بن حارب كان قد اقترح تاريخ 6 يوليو لاختياره كيومٍ وطني قبل أن يتم اختيار التاريخ الآخر.

ونعرض هنا لمراسلتين فيهما إشارة إلى اختيار يوم 20 نوفمبر كيوم تأسيس الدولة البوسعيدية لتوافقه مع تاريخ تولي السيد سعيد بن سلطان مقاليد الحكم، ففي رسالة أُرسلت إلى المقيم السياسي في البحرين، مع تكرارها إلى حكومتي الهند ومسقط، ذكر فيها:
" بالإشارة إلى برقيتي رقم 20135 بتاريخ 9 سبتمبر، يجري النظر حاليًا في مسألة إرسال رسالة تهنئة من الملك إلى سلطان زنجبار.
وإذا أُرسلت الرسالة، فسيتم تسليمها في 20 نوفمبر، وهو ذكرى يوم تولي السيد سعيد بن سلطان الحكم في عام 1806. ويُثار هنا التساؤل عما إذا كان ينبغي، في حال إرسال الرسالة إلى زنجبار، أن تُوجّه رسالة مماثلة إلى سلطان مسقط أيضًا.
يرجى إرسال آرائكم عبر البرق، مع بيان ما إذا كنتم تعتبرون أن 20 نوفمبر سيكون تاريخًا مناسبًا أيضًا لمسقط“.

وهناك خطاب رسمي بريطاني مؤرخ في عام 1944م موجه إلى شخص يُدعى Harrison (هاريسون)، يتناول نقاشًا بين المسؤولين البريطانيين حول إرسال رسالة تهنئة من الملك البريطاني إلى سلطان زنجبار بمناسبة الاحتفال بمرور مئتي عام على تأسيس أسرة آل بوسعيد، مع التساؤل عما إذا كان من المناسب إرسال رسالة مماثلة إلى سلطان مسقط أيضًا:
" عزيزي هاريسون، بالإشارة إلى محادثتنا الهاتفية بعد ظهر اليوم، أُرفق نسخة من نشرة مطبوعة صادرة عن حكومة زنجبار بخصوص الاحتفال القادم بالذكرى المئوية الثانية لأسرة آل بوسعيد.
فيما يتعلق بالاقتراح القائل بضرورة إرسال رسالة من الملك إلى سلطان زنجبار بهذه المناسبة، أفهم أن رأي وزارة الهند هو أنه — رغم أنه لا يُقترح عادةً إرسال رسالة مماثلة إلى سلطان مسقط — إلا أنه سيكون من المناسب فعل ذلك إذا تلقّى سلطان زنجبار رسالة كهذه.
كما ذكروا أنه إذا تقرر إرسال رسالة من الملك إلى زنجبار، فأنتم (أي هاريسون) ترغبون في الاطلاع على نصها مقدمًا.
لقد أبلغتكم أن الرسالة، في حال إرسالها، ستُسلم إلى سلطان زنجبار في 20 نوفمبر، وهو التاريخ الذي سيُقام فيه الاحتفال بالذكرى، وذكرتُم أن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيكون من المناسب توجيه رسالة مماثلة إلى سلطان مسقط في التاريخ نفسه.
ويمكنكم أن تروا من النشرة المرفقة أن هذا التاريخ قد تم اعتماده في زنجبار على أنه ذكرى يوم تولي السيد سعيد بن سلطان الحكم في عام 1806 على السلطنة الموحّدة لعُمان وزنجبار.

ماذا بعد اعتماد ٢٠ نوفمبر؟
بعد اختيار يوم العشرين من نوفمبر ليكون اليوم الذي تأسست فيه الدولة البوسعيدية تم اتخاذ عدة إجراءات من بينها إصدار مجموعة طوابع تحمل صورة الملك جورج السادس بعد توشحها باسم البوسعيد باللغة العربية مقرونة بالسنة الهجرية 1363، ومجموعة تذكارية من أربعة طوابع تحمل صورة مركب شراعي مع خريطة تجمع بين موقعي مسقط وزنجبار عليها السنوات ١٧٤٤-١٩٤٤.




كما أقيم في قاعة القصر الكبرى بزنجبار يوم 20 نوفمبر 1944 احتفال رسمي بمناسبة مرور 200 عام على تأسيس وقيام الدولة البوسعيدية، حضره السلطان خليفة بن حارب وتمت دعوة العديد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن بينهم عدد من الشخصيات العمانية البارزة وقتها في المشهد الاجتماعي الزنجباري.

ولم تقتصر الاحتفالات بمرور 200 عام على تأسيس الدولة البوسعيدية، على زنجبار فقط، بل كان هناك اهتمام مماثل في مسقط، حيث تم تقديم التهاني بهذه المناسبة إلى السلطان سعيد بن تيمور، ففي الملف مجموعة ١٦/٢٠(١) “مسقط: يوميّات: أخبار وملخصات استخباراتية” المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم الاستدعاء: IOR/L/PS/12/2972، ويحوي ملخصات أخبار نصف شهرية أرسلها الوكيل السياسي في مسقط إلى المقيمية السياسية في الخليج العربي، وضمن ملخص مسقط الاستخباري لشهر نوفمبر 1944 ذُكِر أنه: “غادر الوكيل السياسي في التاسع عشر من شهر نوفمبر إلى ظفار لزيارة سمو السلطان، وقد سافر على متن سفينة، ثم جوًا، وزار في طريقه إلى هناك الجصة، وبندر الخيران، وصور. وأثناء وجوده في صلالة سلّم رسائل تهنئة إلى سمو السلطان من جلالة الملك البريطاني، وسعادة نائب الملك، ووزير خارجية الهند، والمقيم السياسي في الخليج الفارسي بمناسبة “الذكرى المئوية الثانية على تولي سلالة “البوسعيدي” الحكم. كما تلقى سمو السلطان رسائل تهنئة أخرى من شخصيات مرموقة بمن فيها ملك مصر وحاكم عدن، كما قامت الحكومة الأمريكية بإرسال رسائل تهنئة عبر نائب القنصل الأمريكي في البحرين”.


وفي سبتمبر 1944م بعثت القنصلية البريطانية في مسقط بخطاب إلى ناظر الشؤون الخارجية ونائب السلطان وقتها، تمت الإشارة فيه إلى قرب وصول طبعة حديثة من طوابع البريد تحمل عليها طابع البوسعيد 1363 بالعربية تخليدًا لذكرى مرور قرنين على سلسلة ملوك البوسعيد.

وقد تمت الإشارة إلى الطوابع التذكارية في الملف “مسقط: يوميّات: أخبار وملخصات استخباراتية” المنشور في مكتبة قطر الرقمية، حيث ذُكر أنه: “فيما يتعلق بالذكرى المئوية الثانية لتولي سلالة البوسعيد الحكم، طبعت طوابع بريدية باللغة العربية وأصدرت في الثلاثين من شهر نوفمبر، وجرى تقدير قيمة الطوابع التي بيعت بحوالي 12000 روبية حتى تاريخ الثلاثين من شهر ديسمبر من العام 1944. وعندما تُسحب هذه الطوابع، ستكون الاحتفالات في مسقط وظفار قد انتهت”.

تفاعل الصحافة البريطانية
تفاعلت الصحافة البريطانية مع الاحتفالات بمرور 200 عام على تأسيس الدولة البوسعيدية، ونعرض هنا لنماذج من تغطيات بعض تلك الصحف، فقد نشرت صحيفة Gloucester Citizen في عددها الصادر يوم الاثنين 20 نوفمبر 1944 ملخص رسالة وجّهها ملك بريطانيا إلى سلطان زنجبار بمناسبة الاحتفال بمرور مئتي عام على تأسيس السلالة الحاكمة.

ونشرت صحيفة Lincolnshire Echo في عددها ليوم الاثنين 20 نوفمبر الرسالة ذاتها التي وجهها الملك إلى سلطان زنجبار بمناسبة الاحتفال اليوم بمرور مئتي عام على تأسيس السلالة الحاكمة، كما أشارت إلى أنه وبمناسبة الذكرى المئتين، تقرّر إصدار سلسلة من الطوابع التذكارية تُظهر سفينة عمانية (من نوع “مُسْقَطِي”) تبحر بين سواحل جنوب الجزيرة العربية وشرق إفريقيا.


ونشرت صحيفة Taunton Courier and Western Advertiser في عددها الصادر يوم السبت 25 نوفمبر 1944 أنه عُقد اجتماع لنادي الطوابع في تونتون في مقهى وينر بشارع ستيشن رقم 98 يوم الأربعاء، وقد أبدى الأعضاء اهتمامًا خاصًا بسلسلة جديدة من الطوابع ستصدر في زنجبار للاحتفال بمرور مئتي عام على حكم أسرة آل بوسعيد.
وأشار المقال إلى أن هذا الحدث قد لا يبدو مهمًّا لعامة الناس في بريطانيا، لكن في العالم الإسلامي يُعد حدثًا ذا أهمية كبيرة نظرًا للعلاقات التاريخية والثقافية التي تربط زنجبار بالعالم العربي والإسلامي.
كما أوضح أن المجموعة ستتكوّن من 25 طابعًا بريطانيا من الأنواع العادية والخدمية (Ordinary and Service Stamps)، وسيُعاد طباعتها (Overprint) خلال ستة أسابيع بعبارة تذكارية خاصة بالمناسبة.

اهتمامات حديثة بالمناسبة
خلال عهد النهضة المباركة أبدت الحكومة اهتمامًا بهذه المناسبة التاريخية المهمة وقيمتها الرمزية الكبيرة، فبمناسبة ذكرى مرور ٢٥٠ عامًا على حكم أسرة البوسعيد أصدر بريد عمان في 28 ديسمبر 1994م (15) طابعا وبطاقة تذكارية لشجرة الأسرة الكريمة تحمل أسماء الأئمة والسلاطين والحقبة الزمنية لحكم كل منهم.


وفي 24 ديسمبر 2018م صدر تعميمٌ من قبل معالي السيد خالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني يشير إلى أن “المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – تفضل فأصدر توجيهاته السامية المطاعة القاضية باعتماد عام 1744م عامًا لتأسيس الدولة البوسعيدية، وذلك على ضوء الملاحظة السامية لجلالته – أبقاه الله – حول عدم التوافق في البيانات المتوفرة لدى الجهات الرسمية عن تاريخ تأسيس الدولة البوسعيدية”.

كما أعلن البنك المركزي العُماني في 12 أكتوبر 2025م عن إصدار عملتين تذكاريتين من الذهب والفضة احتفاءً بذكرى مرور 280 عامًا على حكم أسرة البوسعيد منذ عام 1744م.
وأشار البيان الصادر عن البنك إلى أن هذه المناسبة تمثل علامة فارقة في تاريخ سلطنة عُمان، حيث تعكس عمق الاستقرار السياسي فيها، بفضل القيادة الحكيمة التي ميزت حكام الدولة البوسعيدية ودورهم في ترسيخ دعائم الدولة وبناء نهضتها.


المراجع
- بادجر، بيرسي. مقدمة كتاب تاريخ أئمة وسادة عمان– ترجمة محمد علي الداود – ط2 2012، وزارة التراث والثقافة.
- ج، ج، لوريمر.دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الثاني، مكتب أمير قطر، بدون.
- الحمداني، طارق نافع. النجدة العمانية للبصرة 1775-1776، مجلة مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، السنة السابعة، العدد السابع،1995، جامعة قطر، ص223
- الخروصي، صالح بن عامر. عمان في عهدي الإمام سعيد والسيد سلطان بن أحمد البوسعيدي (178301804)، بيت الغشام للنشر والترجمة، البرنامج الوطني لدعم الكتاب، ط1، 2015
- خلود بنت سالم باحشوان (أهمية مسقط منذ اتخاذها عاصمة لعمان 1784 وحتى 1832)، بدون.
- عبد القادر بن حمود القحطاني، دراسات في تاريخ الخليج العربي، المجلس الوطني للثقافة والفنون، ط1، 2008، الدوحة.
- عبد القادر حمود القحطاني، سيرة الإمام أحمد بن سعيد البوسعيد، المؤرخ العربي، العدد 52، 1995 ص 68 – 71
- العريمي، محمد بن حمد. عبر تعميم ديواني: توجيهات سامية باعتماد عام تأسيس الدولة البوسعيدية، فما هي الآراء المختلفة حوله؟ تقرير منشور في موقع أثير الالكتروني، 3 يناير 2019.
- غضبان، موسى. الآثار الثقافية للعرب على شرق أفريقيا خلال القرن التاسع عشر، مجلة الدراسات الأفريقية، مجلد 34، 2012 ص77
- معشي، جميلة بنت عبده بن موسى، جهود المزارعة في نشر الإسلام في أفريقيا، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الشريعة، جامعة أم القرى، 2014، ص89
- مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان “مجموعة ٢١/٢٠ “مسقط: الأسرة الملكية - ملاحظة بشأن السلطان”، رقم الاستدعاء IOR/L/PS/12/2980.
- مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان “مسقط: يوميّات: أخبار وملخصات استخباراتية”، رقم الاستدعاء: IOR/L/PS/12/2972

