رصد - أثير
تفضّل حضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم -أعزّهُ اللهُ وأيّدهُ- مُسديًا أوامره السّامية بتسمية مشروع مجمع عُمان الثّقافي بمجمع السّيد طارق بن تيمور الثّقافي عرفانًا لما قدّمه المغفورُ له بإذن الله تعالى صاحبُ السُّموّ السّيد طارق بن تيمور من إنجازات أسهمت في بناء عُمان الحديثة، ولما ينطوي عليه هذا الاسم من دلالات وطنيّة ثقافيّة وحضاريّة توازي في عمقها ما يُراد لهذا الصّرح من جعله منارةً للثّقافة محليًّا ودوليًّا.
#أثير| أوامر سامية بتسمية مشروع مجمع عُمان الثقافي بـ "مجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي" pic.twitter.com/9xKFsjfO0n
— أثيـر | Atheer.om (@Atheer_Oman) November 20, 2025
ويُعد صاحب السمو السيّد طارق بن تيمور بن فيصل – رحمه الله – من أبرز الشخصيات السياسية العمانية التي ظهرت خلال المائة سنة الأخيرة من تاريخ سلطنة عمان وهو الذي مر ١٢٠ عامًا على ولادته، ذلك أن السيد طارق كان شخصيةً استثنائيةً نظرًا للإمكانات الفكرية والإدارية والسياسية التي امتلكها، ونظرًا للخبرات الحياتية التي مرّ بها والتي أسهمت في ارتقاء فكره السياسي، ومن يتتبع سيرته الذاتية، ويقف عند إنجازاته الإدارية والعسكرية والسياسية، أو من يتأمل أفكاره وآراءه وأحلامه السياسية يشعر أنه أمام نموذجٍ سياسيٍ عمانيٍ فريد بحاجة إلى الاقتراب أكثر فأكثر من شخصيته، والوقوف عند المحطات المهمة خلال الفترة التي قضاها في العمل السياسي والتي اقتربت من الأربعين عامًا.
الولادة والنشأة
ولد السيد طارق بن تيمور بن فيصل في مدينة اسطنبول عام 1920، لأم تركية الجنسية تُعرَف باسم (كاميلي إليجراي)، وقد تزوجها السلطان تيمور بعد السيدة فاطمة بنت علي بن سالم بن ثويني والدة السلطان سعيد بن تيمور ، لذا فهو أخ غير شقيق لأخيه السلطان سعيد بن تيمور.
تعليمه
تلقى السيد طارق تعليمه الثانوي في المدرسة الثانوية الإنجليزية في إسطنبول في الفترة ما بين سبتمبر 1930 ويونيو 1932، ثم انتقل إلى مدينة فرانكفورت في ألمانيا عام 1935 حيث استقر مع والدته فيها، وهناك تعلم اللغة الألمانية وأصبح بالتالي يتقن ثلاث لغات هي العربية، والتركية، والألمانية، وظل في فرانكفورت حتى عام 1937 حيث عاد إلى مسقط.
تدريبه العسكري
بعد عودته إلى مسقط عمل السيد طارق لفترة من الوقت في قوات مسقط العسكرية، وفي الفترة ما بين أكتوبر 1942 حتى أكتوبر 1943 حضر دورةً في الإدارة والتدريب في كلية تدريب الشرطة في فيلور (فيليري) بالهند، ثم عاد إلى مسقط والتحق مرة أخرى للخدمة في الجيش في ميليشيا زاهوب (Zahob Milita) التي كانت تعمل على الحدود الشمالية الغربية للسلطنة.
تدريبه الإداري والسياسي
كلّف السلطان سعيد بن تيمور أخاه السيد طارق بأن يعمل على التواصل مع القبائل العمانية والاطلاع على أوضاعها، ولذلك قام السيد طارق بجولة لمدة ثلاثة أسابيع شملت أجزاء من منطقة الباطنة ووادي الحواسنة وعبري وضنك، وزيارة أخرى إلى منطقة الظاهرة، وذلك لفهم تفكير شيوخ القبائل وتوجهاتهم، والتعود على أسس التعامل مع القضايا القبلية العمانية وآلية حلّها.
تولى مسؤولية بلديتي مسقط ومطرح وذلك عام 1945م، وشارك في الحملات والعمليات التي وجّهها السلطان سعيد بن تيمور داخل عمان. كما قام بدور عسكري آخر وهو التنسيق بين القوات والعمليات العسكرية المسلحة، وكان محبوبًا لدى الكثير من العمانيين بسبب تواضعه مع الناس ومواظبته على الاجتماع والاختلاط بهم.
ونظرًا لإدراك السيد طارق أهمية التعليم في التنشئة الفكرية والسياسية والإدارية، فقد كان حريصًا على توفير التعليم المناسب لأبنائه، وهو أمر لم يكن متوفرًا وقتها في مسقط، لذا كان السيد مهتمًا بتعليم أبنائه في اسطنبول، ولذلك عمل لفترة كممثل لشركة إنشاءات ألمانية، وكان ينتقل ويسافر بشكل منتظم إلى دول الشرق الأوسط والخليج العربي ممثلاً للشركة.
الدستور المؤقت
أشار السيد طارق في بيان أصدره عام 1966 إلى أنه قام بإعداد مشروع دستور مؤقت للحكم، وذلك تمهيدًا لإعطاء الناس الفرصة الحقيقية لاختيار نظام الحكم الذي يتفق وتقاليد البلاد وعاداتها، وجاء في ديباجة الدستور المؤقت أن الهدف منه تحقيق رغبة الشعب العماني في إقامة نظام للحكم الدستوري، والمتطلبات العصرية دون المساس بالقيم والتقاليد الوطنية، وأنه سيكون مؤقتًا حتى تتاح الفرصة للشعب العماني لوضع الشروط اللازمة لتقرير الدستور النهائي الذي يتلاءم مع مصالحه.
أدواره في عهد النهضة المباركة
بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيّب الله ثراه – مقاليد الحكم في السلطنة في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 أبدى السيد طارق رغبةً كبيرة في التعاون مع ابن أخيه السلطان، وكان السلطان قابوس –رحمه الله– قد أعلن في أول خطاب له في 26 يوليو عن نيته تشكيل حكومة للبلاد، وقد بدأ السلطان في ممارسة الحكم بتشكيل مجلس استشاري مؤقت، وكان من أهم الأعمال التي قام بها هذا المجلس هي دعوة السيد طارق بن تيمور للعودة واستلام موقعه كرئيس للوزراء.
وفي الثاني من أغسطس من عام 1970 – أي بعد حوالي عشرة أيام من عمر النهضة المباركة – عاد السيد طارق قادمًا من ألمانيا، وفور عودته التقى بالسلطان قابوس – رحمه الله – وتم الاتفاق على أن يتولى السيد رئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة، كما تولى حقيبة الخارجية، على أن تكون القضايا المتعلقة بالدفاع والمال والنفط ومنح الامتيازات من اختصاص السلطان.
وقام السيد طارق بتشكيل الحكومة على مرحلتين: الأولى اقتصرت على خمس وزارات هي الداخلية والتعليم والصحة والعمل والعدل، وفي المرحلة الثانية تم توسيع الوزارة لتضم إليها وزارات أخرى كالإعلام والشؤون الاجتماعية والأوقاف والاقتصاد وغيرها، وظل السيد في منصبه كرئيس للوزراء حتى بداية عام 1972، كما عمل السيد طارق في عام 1972 مشرفًا عامًا على جميع سفارات السلطنة في الخارج ومستشارا خاصًا في الشؤون الدبلوماسية، ثم عمل بعدها كمستشار للسلطان وممثلًا له في العديد من المحافل الدولية حتى وفاته، كما ترأس السيد طارق بن تيمور مجلس محافظي البنك المركزي عام 1975، وقويت العلاقات بين السلطان قابوس رحمه الله وعمه السيد طارق وتوطدت أكثر بزواج السلطان قابوس رحمه الله من ابنة عمه طارق في 22 مارس 1976.
وخلال الفترة التي عمل بها السيد طارق رئيسًا للوزراء وما بعدها من مهام تحققت العديد من المنجزات السياسية والاقتصادية للسلطنة، حيث انضمت السلطنة إلى العديد من المنظمات الدولية والإقليمية وأبرزها هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كما بدأت مسيرة التنمية الشاملة في البلاد في مختلف المجالات.
وفاته
توفي السيد طارق بن تيمور -رحمه الله- في عام 1980، حيث أعلن الحداد الرسمي في السلطنة على إثر وفاته، وله من الأبناء جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، والسادة: طلال، وقيس، وأسعد، وشهاب، وأدهم، وفارس، والسيدتان آمال ونوال.
لمزيد من التفاصيل:
يُعدّ شخصية استثنائية: تعرف على سيرة طارق بن تيمور والد جلالة السلطان
مصدر صورة الموضوع : مجلة أنوار

