مسقط-أثير
إعداد: د.محمد كمال أبو زيد، أستاذ مساعد القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس
تتبع الدول العديد من الآليات المادية والقانونية من أجل تعزيز جاذبية بيئة الاستثمار فيها، ويأتي القضاء المتخصص في منازعات الاستثمار والتجارة على رأس هذه الآليات المتبعة، وفي ٢٣ مارس سنة ٢٠٢٥م صدر مرسوم سلطاني رقم ٣٥ / ٢٠٢٥ بإنشاء محكمة الاستثمار والتجارة وإصدار قانونها، وتم العمل به من الأول من أكتوبر لعام ٢٠٢٥م.
ويعد إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة في سلطنة عمان خطوة نوعية تعكس توجه المشرّع العماني نحو إيجاد وتعزيز بيئة قانونية جاذبة للاستثمار من خلال وجود قضاء متخصص يملك من الدراية والمعرفة والخبرة ما يمكنه من تسوية منازعات التجارة والاستثمار، ومعلوم أن المشرع التجاري خص الالتزامات التجارية بقواعد خاصة لتتفق مع ما تقوم عليه التجارة من سرعة وائتمان، فبإنشاء محكمة متخصصة في الفصل في المنازعات التجارية والاستثمار يكتمل عِقد الخصوصية لضمان سرعة الفصل في تلك المنازعات بما ينعكس أثره الايجابي على الاستثمار المحلي والأجنبي في سلطنة عمان.
وقد بينت المادة (11) من القانون المذكور اختصاصات المحكمة حيث نصت على أنه “فيما عدا الدعاوى والمنازعات الإدارية والعمالية والإيجارية، تختص المحكمة دون غيرها، بنظر جميع الدعاوى التي يكون أحد أطرافها تاجرا والمتعلقة بأعماله التجارية، والمنازعات الناشئة عن عقد الاستثمار” ثم عددت بعض المنازعات المتعلقة بالتجارة والاستثمار.
ومن حيث هيكلها القضائي فيكون للمحكمة رئيس لا تقل وظيفته عن قاضي محكمة عليا يصدر بندبه قرار من نائب الرئيس بعد موافقة المجلس، ويكون عضوا في المجلس. كما يكون للمحكمة أمانة سر ومدير أمانة يصدر بتعيينه قرار من نائب الرئيس، ويلحق بها عدد كاف من القضاة والموظفين الإداريين.
ويجوز بقرار من نائب الرئيس – بعد موافقة المجلس – إنشاء دوائر ابتدائية واستئنافية خارج محافظة مسقط، ويحدد القرار مقر ونطاق اختصاص كل منها، ويكون قضاة المحكمة من بين قضاة المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، يتم إلحاقهم بقرار من نائب الرئيس بعد موافقة المجلس، وتشكل الدوائر الاستئنافية في المحكمة من (٣) ثلاثة قضاة، ويرأس كل دائرة أقدم قضاتها، وللمجلس ندب من يراه من قضاة المحكمة العليا لرئاسة إحدى الدوائر الاستئنافية في المحكمة لمدة عام قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.
وتشكل الدوائر الابتدائية في المحكمة من (٣) ثلاثة قضاة، أو من قاض واحد، بحسب الأحوال، ويرأس كل دائرة أقدم قضاتها، وللمجلس ندب من يراه من قضاة دوائر الاستئناف لرئاسة إحدى الدوائر الابتدائية في المحكمة لمدة عام قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.
وتكون للمحكمة جمعية عامة، تسري بشأن تشكيلها، والإجراءات المتبعة أمامها، والاختصاصات الممنوحة لها، والقرارات التي تصدرها، الأحكام ذاتها المقررة للجمعيات العامة للمحاكم والمنصوص عليها في قانون السلطة القضائية المشار إليه، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون.
كما بينت المادة (١٢) الاختصاص القيمي للمحكمة فتختص الدوائر المشكلة من (٣) ثلاثة قضاة بالفصل في الدعاوى التي تتجاوز قيمتها (١٠٠٠٠٠) مائة ألف ريال عماني، والدعاوى غير مقدرة القيمة، وتختص الدوائر المشكلة من قاض واحد بالفصل في الدعاوى التي لا تتجاوز قيمتها (١٠٠٠٠٠) مائة ألف ريال عماني. ولا شك أن هذا التقسيم يراعي القيمة المالية للمنازعة المنظورة أمام المحكمة، حيث تختص الدائرة الثلاثية بنظر الدعاوي الكبيرة والمتشعبة بما يستوجب تمحيصها وتدقيقها بكفاءة وسرعة في الوقت نفسه.
ومن حيث الاختصاص المكاني فمحكمة التجارة والاستثمار تغطي جميع ولايات ومحافظات السلطنة، ومع بدء عمل المحكمة في مسقط فقط فإن جميع المنازعات التجارية والاستثمارية في السلطنة سيتم رفعها أمامها في مسقط إلى أن تنشأ دوائر أخرى لها في بقية المحافظات.
وقد يظن البعض أن هذا التنظيم يحمل مشقة على المستثمرين والتجار من خارج مسقط حيث سيضطرون إلى الانتقال إلى مسقط لرفع دعواهم، لكننا نرى ألا محل لهذا الظن، حيث إن القانون قرر أن ينشأ في المحكمة نظام إلكتروني، يتضمن الآليات الإلكترونية لقيد الدعاوى وطلبات استصدار الأوامر على عرائض وأوامر الأداء وغيرها من الطلبات الأخرى، في المسائل التي تختص بها المحكمة، وكافة الإجراءات والطعون في الأحكام والتظلمات من الأوامر الصادرة عنها.
ليس هذا فحسب بل ترفع الدعاوى التي تختص بها المحكمة، وتقدم الطلبات العارضة أو التدخل أو الإدخال والطعن في الأحكام الصادرة فيها، بموجب صحيفة دعوى أو طلب، بحسب الأحوال، موقعة ومودعة إلكترونيا، ويكون سداد الرسوم المقررة إلكترونيا، فقد تبنى المشرع الوسائل الإلكترونية من أول اتصال بالمحكمة وحتى تقديم الطعن على الحكم الصادر منها، ولا شك أن هذا التنظيم يعكس حرص المشرع على إزالة أي مشقة على جميع المتقاضين أمام المحكمة الجديدة.
ويواجه هذا الوليد الجديد في مسكن القضاء العماني بعض التحديات منها:
- تداخل الاختصاص: صحيح أن المشرع حدد اختصاصات المحكمة واستبعد منها الدعاوى والمنازعات الإدارية والعمالية والإيجارية، إلا أنه قد يثار نزاع مع جهة حكومية هل هو عقد إداري فيختص به القضاء الإداري أم تجاري فتختص به المحكمة، فيتعين وضع معايير واضحة للتمييز وتحديد الاختصاص دون لبس أو خلط.
- دور المحكمة في طلبات ومنازعات التحكيم: حيث يجب أن يكون دور المحكمة هنا دور مساعد لا منافس، لأن هذه الوسيلة البديلة من الوسائل التي يفضلها المتنازعون بصفة عامة والمستثمرون بصفة خاصة، فيجب تحديد الدور الذي تقوم به المحكمة على وجه الدقة حتى لا ينشأ تعارض وتداخل في الاختصاص.
- توفير الموارد البشرية المتخصصة الكفؤه المدربة: حيث إن نجاح المحكمة في إنجاز القضايا بالسرعة اللازمة يتطلب قضاة على قدر كبير من المعرفة والخبرة والدراية، وصحيح أن القانون أنشأ مكتبًا لتهيئة الدعوى وضمن المحكمة خبراء معاونين للقضاة، إلا أن هذا لا يغني عن وجوب تأهيل وتدريب القضاة أنفسهم.
لكل ما تقدم يمكن القول بأن محكمة الاستثمار والتجارة -مع مراعاة التحديات- تمثل ركيزة داعمة لتعزيز الاستثمار في سلطنة عمان، فهي أداة مكملة لحزمة الإصلاحات التشريعية التي تهدف إلى إيجاد بيئة مواتية ومناخ صحي للأعمال وتشجيع الاستثمار، كما تعد آلية من الآليات المتبعة لتحقيق رؤية عمان 2040.

