رصد - أثير
شهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ودولة رئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي اليوم، توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند.
ما المراحل التي مرّت بها هذه الاتفاقية؟
مرّت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند (CEPA) بعدة مراحل حيوية منذ إطلاق المفاوضات وحتى دخولها حيز التنفيذ ، لتشكل اليوم خطوة إستراتيجية لتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين.
بدأت المفاوضات حول الاتفاقية بين سلطنة عمان وجمهورية الهند في نوفمبر 2023م، بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وتيسير حركة السلع والخدمات، إضافةً إلى توسيع آفاق التعاون في مجالات حيوية تشمل الطاقة والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية.
بدأ بعد ذلك إعداد الفرق الفنية من كلا الجانبين لمراجعة تفاصيل الاتفاقية، بما في ذلك تحرير الخدمات، ودعم نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التبادل التجاري في القطاعات المستهدفة. وأجريت خلالها اجتماعات موسعة لتقييم الآثار الاقتصادية المحتملة، وضمان انسجام بنود الاتفاقية مع الأولويات التنموية لسلطنة عمان.
قامت اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى بدراسة معمقة لمشروع الاتفاقية، واستضافت معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والفريق الفني المكلف بالتفاوض مع الجانب الهندي، وركّزت اللجنة على تقييم انعكاسات الاتفاقية على السوق المحلي، وتحليل الفرص الاقتصادية، وطرح التوصيات لمعالجة أي تحديات محتملة قبل الإقرار النهائي.
أنهى مجلس الشورى يوم الأربعاء 10 ديسمبر 2025م مناقشة الاتفاقية، مستعرضًا كافة الملاحظات والتوصيات، مع التركيز على تحليل تأثير الاتفاقية على القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأقرّ المجلس الاتفاقية بعد مناقشات موسعة، وأحالها إلى مجلس الوزراء لاستكمال الإجراءات الرسمية للتنفيذ.
التقى معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، في 17 ديسمبر 2025م، بمعالي بيوش غويال، وزير التجارة والصناعة بجمهورية الهند، على هامش حوار الأعمال العُماني الهندي، واتفقت سلطنة عمان وجمهورية الهند على آلية واضحة للمصادقة والتنفيذ لمرحلة ما بعد توقيع الاتفاقية، تشمل تحديد الجداول الزمنية والإجراءات العملية لضمان تطبيق الاتفاقية بالشكل الأمثل وتحقيق أهدافها الاقتصادية والإستراتيجية.
ما هي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة وآثارها؟
أكّد سليمان محمد بيت إسحاق، مشرف تنمية التجارة الخارجية في برنامج ”نزدهر“ تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، في تصريح خاص لـ ”أثير“، أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة تختلف عن اتفاقيات التجارة الحرة التقليدية، إذ لا تقتصر على خفض الرسوم الجمركية، وإنما تمتد إلى التعاون الاستثماري والصناعي والخدمي، وبناء سلاسل قيمة حقيقية، بما يخدم أهداف التنويع الاقتصادي ورؤية عُمان 2040.
ومن حيث الأثر الاقتصادي، أشار سليمان إلى أن سلطنةَ عُمان تنظر إلى الاتفاقية بوصفها أداةً إستراتيجية لفتح أسواق أوسع أمام المنتج العُماني، خصوصًا في ظل محدودية السوق المحلي، موضحًا أن النفاذ إلى سوق كبير مثل السوق الهندي يرفع الطلب على الصادرات، ويُحسّن جدوى التوسع الصناعي، ويزيد من جاذبية السلطنة للاستثمار المحلي والأجنبي.
وأضاف أن الاتفاقية تساعد سلطنةَ عُمان على التحول من سوق مستهلك إلى قاعدة إنتاج، إذ بدأت شركات هندية كبرى بدراسة نقل صناعاتها إلى السلطنة في مناطق مثل الدقم وصحار وصلالة، وهو ما يعزز المحتوى المحلي، ويوسّع القاعدة الصناعية، ويربط الإنتاج العُماني مباشرةً بأسواق ضخمة.
وعلى مستوى القطاعات، هناك تركيز واضح على الصناعات التحويلية، ومواد البناء، والمعادن مثل الحديد والألمنيوم والبوليمرات والجبس، إضافة إلى التمور، والطاقة المتجددة، والكيميائيات، والخدمات المرتبطة بالصناعات، مثل اللوجستيات والصحة.
وفيما يتعلق بالتعمين، أوضح سليمان أن الاتفاقية لا تتضمن أي بند يفرض تعديل نسب التعمين أو يغيّر سياسات التوظيف، إذ يُعد التعمين شأنًا سياديًا تنظمه القوانين الوطنية فقط، وتظل أولوية التوظيف للعُمانيين محفوظة، كما يبقى نظام التأشيرات والدخول بالكامل بيد الجهات المختصة في سلطنة عُمان.
أما فيما يخص الإغراق، بيّن سليمان بأنه جرى حماية القطاعات الحساسة من خلال القوائم المستثناة وفترات تحرير طويلة، مع احتفاظ سلطنة عُمان بكامل حقها القانوني في تطبيق إجراءات مكافحة الإغراق والوقاية والدعم وفق القوانين المعمول بها، بما يتيح التعامل مع أي ممارسات غير عادلة فورًا ودون قيود.
وفي قطاع الصحة والأدوية، أكد سليمان أن الرقابة الصحية في سلطنة عُمان لن تتأثر، ولا يوجد أي اعتراف تلقائي بالشهادات، إلا أنه من المتوقع أن تسهم الاتفاقية في خفض تكلفة الاستيراد، نظرًا لقدرة الهند التنافسية في إنتاج الأدوية عالية الجودة بأسعار أقل.
وقد أوضح الدكتور خالد بن سعيد العامري، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية، في تصريح خاص لـ ”أثير“ يوم أمس، بأن الاتفاقية تهدف إلى إلغاء أو خفض التعريفات الجمركية والحواجز التجارية على نطاق واسع، بما يسهم في زيادة حجم التجارة والاستثمار المتبادل، وتشمل تحرير الخدمات وتسهيل الاستثمار مع ضمان منافسة عادلة ومنح معاملة تفضيلية للبضائع الأصلية في كلا البلدين، مشيرًا إلى أن الجانبين اتفقا على تحديث اتفاقية الازدواج الضريبي وتأسيس مكاتب استثمارية ثنائية، مثل مكتب عمان في الهند ومكتب الهند في عمان، لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأكد العامري أن الاتفاقية ستسهم كذلك في نقل التكنولوجيا، وتعزيز الابتكار والتنافسية، ودعم الاندماج الإقليمي، وتحسين البنية اللوجستية والتوازن الهيكلي على الصعيد الإقليمي، ما يعكس شمولية الآثار الإيجابية على الاقتصاد الوطني.

