عُمان كلها في مجلس قبيلة “بني غريب”

عُمان كلها في مجلس قبيلة “بني غريب”
عُمان كلها في مجلس قبيلة “بني غريب” عُمان كلها في مجلس قبيلة “بني غريب”

موسى الفرعي

مهما ترامت الجغرافيا وتباعدت تضاريس البلاد وتباينت اللهجات يبقى الخيط الذي يربط أولها بآخرها هو الإنسان، فإن اتحدت شمائله لم يعد هنالك فرق بين الجنوب والشمال وبين شرق البلاد وغربها، فالإنسان هو الإنسان بكرمه ونبله وأخلاقه وأصالة منبته، وطالما عُمان هي الأرض التي تمشي عليها هذه الخلائق الإنسانية الكريمة فكيف لا  تذوب كل الخطوط الفاصلة بين الجهات،  وكيف لا يكون الإنسان العماني هو الدرس الأمثل لذوبان الجغرافيا في بعضها البعض لتنتج أرضا كريمة تُعرف بتاريخها المنوَّر، وحاضرها الزاهر المشهود، وإنسانها الذي يضرب مثلا شرودا في التسامح والنبل ورفعة الأخلاق.

إن أقدارنا تسوقنا نحو الأجمل، وطبيعة العمل تقودني نحو ظفار بين حين وآخر، فأحاول أن أنقل من جماليات ما أرى بقدر ما يمكنني فجماليات الأرض والإنسان عالية جدا ومزروعة في كل الزوايا وفي كل الوجوه والأصوات لذلك أحاول أن ألتقط من الجماليات ما يمكنني حتى وإن كانت صورة فتوغرافية واحدة.

وأهم هذه الصور التي تختزلها الذاكرة تُشكّلها دعوة كريمة من الأخ العزيز الدكتور عبدالعزيز الغريبي في منزلهم العامر بأهله والتي شهدت جمعا من المشايخ على رأسهم الشيخ الوالد أحمد بن محسن بن سعيد الغريبي الإنسان الأكثر تواضعا ودماثة، صاحب ثقافة وهيبة ووقار والتي ما انفكت تسكنه، مضياف بشكل عالٍ  كما تحتم عليها شخصية الإنسان العماني الأصيل ورب الأسرة الذي تشرّبٓ من حكمة جلالته وانعكست عليه دروسه، لا سيما ان الشيخ الوالد “والي سابق” ورجل عصامي تدرج في عمله في مكتب محافظ ظفار منتصرا لوطنيته مدافعا عن الحاضر الذي يؤمن به إيمانا عقليا مبنيا على وعي فكري كبير.

لقد كان الشيخ الوالد أحمد بن محسن بن سعيد الغريبي يربّت بيده على كتفي مرارا مستحضرا ما تستدعيه ذاكرته وهو يجيل العيون في الحاضرين ويقرأ تعاقب الأجيال والاختلافات في السلوك والأفكار والرؤى، وأهم نقاط الاختلاف التي أبصرها الشيخ الوالد عدم قدرة الجيل الجديد على تقبل الرأي، وعدم قدرته على الاختلاف الخلّاق مع الآخرين، وأكثر ما  أثار حديثه واستحضار الذاكرة هو أن البعض من هذا الجيل لا ينظر سوى إلى السلبيات وتجاهل المنجز العماني الذي يستحق أن نلتف حوله وندافع عنه حتى الرمق الأخير.

لو أننا يا شيخنا أبصرنا ما أبصرت وعايشت لتوحدت هذه الرؤية مع الجميع ولكني أطمئن قلبك أن هذه الفئة قلة قليلة ستؤمن بما يؤمن به النبلاء أمثالك.

لقد اغتسلت دقائق اللقاء بالفن والشعر وأداء فن هبّوت الزامل للشاعر عامر بن محسن الغريبي الذي كم كنت أرجوه أن لا ينتهي وبتشريف الشاعر والصحفي المخضرم في جريدة القبس حمود محمد البغيلي مباشرة من المطار حتى المجلس والذي استدعى حضوره الشعر، لقد زار هذا الصحفي الرائع والإنسان الأكثر روعة صلالة منذ ثلاثين عاما وها هو يعود ليكتشف مواطن الجمال من جديد.

إن حضور الشعراء له ما لهم من ثراء وجمال فقد اشترك الشاعر الجميل والصديق طارش قطن كعادته في تكوين مشاهد الجمال وذلك بتبادل القصائد التي تشبه روحه العالية، وما مر الترحيب بالشاعر والصحفي حمود بن محمد البغيلي حتى  سألته عن أختنا الكريمة وصديقتنا القريبة الصحفية الشاعرة سعدية مفرح فأجاب بأنها زميلة مهنة وجارته في صحيفة القبس فبعثنا إليها مباشرة رسالة صوتية لتجيبنا “عاد ما فيه داعي اقول لكم ديروا بالكم عليه ولا تعرضونه لأي مطبات جمالية تراه ما يتحمل” ، ولكن الجمال يا صديقتنا شرك وقيد يبحث عنه الإنسان عامدا متعمدا وقدر لا مفر منه وتهمة لا يبرأ الإنسان منها لذلك فهو متهم ومقيد بالحب والجمال ومقدّر عليه.

لقد كانت الدقائق في منزل عائلة الغريبي وبحضور الشيخ الوالد أحمد بن محسن بن سعيد الغريبي تمر ممتلئة بالشعر والألفة العائلية التي أسقطت الكلفة بين الحضور وأزالت الرسمية، ولا يمكن أن تلتقط العين هذه المشاهد ولا تقف طويلا عند الفنان المسرحي محمد المردوف الذي مذ عرفته صديقا محبا غيورا على مجتمعه ومؤمنا بالمسرح كطاقة فنية، متعدد المواهب والطاقات، هذا الإنسان الذي لا يتقن سوى الحب ولا يليق به سوى الحب والإجلال لإنسانه والفنان الذي يسكنه.

تلك مشاهد من بيت كريم ذات مساء تصدر المجلس فيه ” أبوحمزة” الشيخ محمد بن عبدالمحسن الغساني الرجل الذي شرب من خبرة الحياة الكثير الكثير إلى أصبح مرتديا الحكمة وهيبة الحضور أينما وجدته، وما لبث حتى انضم إلينا بعد وجبة العشاء التي كانت بمقاس كرمهم العالي وعطاء لا حدود له، العم سعيد بن أحمد “أبوفيصل” المسكون بالبشاشة والخلق العالي دائما.

امتدت المشاهد الجمالية وطيب الأحاديث التي جعلت من كل دقيقة عمرا كاملا بثراء ما احتوته وقصيرة جدا ككل أوقات الفرح، إلى أن عدت إلى غرفتي بالفندق مسكونا بدروس لا نهائية الجمال حتى أني سأجد صعوبة قصوى في شكر الصديق العزيز المهندس سعيد البرعمي الذي شرفت بأن أكون رفيقه في الطريق إلى منزل عائلة الغريبي فالسبيل إلى الجمال جمال لا يقل عنه.

ها أنا أعود إلى غرفتي بالفندق إذن وأنا أضم نسخة من ديوان ” لست بشاعر ” للشيخ أحمد بن محسن الغريبي التي شرفت بها.

ها أنا أعود إلى غرفتي الفندق إذن وأنا محمّل بجماليات عديدة أهمها أن انتصار الفرد للجماعة أو انتصار الجماعة للفرد مبني على ارتباط وثيق بالأرض والحق، وليس قبلية تخلو من العقلانية، وأن العمل مبني على التكامل.

عدت وفي ذهني صورة الشباب وأسلوب تحيتهم وسلامهم على من هم أكبر سنا منهم بطريقة تعكس التقدير والتبجيل والإقرار بتوارث الأجيال على ما شبوا عليه من تربية ودماثة خلق.

إن المساء في منزل أبناء المرحوم الشيخ سعيد بن علي الغريبي كان سيرة عطرة تؤكد أصالة الإنسان العماني وانعكاسها على الأجيال.

عُمان كلها كانت حاضرة في ذاك المساء العماني المسكون بكل الدهشة التي لا يمكن أن تختصرها الكلمات.

ذلك مشهد من بلادي في بيت جود وقِرى.

Your Page Title