في معركة جلفار سنة 134هـ ، تلك المعركة الحزينة بتاريخ عمان التي استشهد فيها الإمام الجلندى بن مسعود، وهو يقاوم الغزو العباسي لعمان زمن خليفتهم السفاح الذي بعث بجيش يقوده المدعو خازم بن خزيمة التميمي الذي قتل الإمام وقاضيه هلال بن عطيه وخير صحبه وبكل وحشية مثلما ذكر أبن الأثير حينما قال ” ثم سار خازم في البحر ومن معه حتى أرسوا إلى سواحل عمان، فخرجوا الى الصحراء فلقيهم الجلندى، وأصحابه واقتتلوا قتالا شديدا، وكثر القتل يومئذ في أصحاب خازم، وقتل منهم أخ له من أمه في تسعين رجلا، ثم اقتتلوا من الغد قتالا شديدا فقتل يومئذ من العمانيين تسعمائة ،وأحرق منهم نحو تسعين رجلا، ولم يفر أحد من الفريقين عن صاحبه، فحمل عليهم خازم، وأصحابه فوضعوا فيهم السيف، فقتلوهم، وقتلوا الجلندى فيمن قتل “.
اضطرب حال عمان واستغل بعض زعماء آل الجلندى من كانوا على عداء مع الإمام الجلندى بن مسعود الذي كبح سلطتهم، وأطماعهم قبل استشهاده ، فقدموا الولاء للدولة العباسية من أجل استغلال ذلك للسيطرة على عمان ، ومنهم محمد بن زائدة وراشد بن النظر والأشعث بن حكيم الذين عينهم خازم بن خزيمه على عمان بصفتهم تابعين للخليفة العباسي وسلطته في عمان ،فأخذوا البلاد غصبا، وكانوا من الجبابرة ،وأهل ظلم وجور، لتدخل عمان في تلك الفترة في حالة ضعف، وشتات وترديا بالأوضاع .
ولقد استمر هؤلاء الجبابرة بمحاولة السيطرة على أغلب مدن عمان بإستنادهم على الدولة العباسية ، وتذكر المصادر التاريخية أن راشد بن النظر حينما حاول إخضاع أهل الظاهرة لحكمه، اتحد الكثير من أهل الحل والعقد في عمان لمحاربته، والقضاء عليه بمعركة الظاهرة فتكاتبوا، وجمعوا صفوفهم ليلاقوا راشد بن النظر وجيشه، وبالفعل التقا الجيشان في وادي المجازة وانتصر المتحدون بقيادة عبدالملك بن حميد ومحمد بن المعلى والأخنس الفحشي على راشد الذي هرب من عمان بعدما قُتل من أعوانه الكثيرون وانكسرت بذلك شوكة آل الجلندى الموالين للعباسيين في تلك المعركة وبشكل مدوي لجبروتهم ، ورجع الجيش المنتصر إلى منح للقاء أهل الحل والعقد بعمان ومنهم موسى بن أبي جعفر والشيخ الكبير بشير بن المنذر وجماعة من أخيار أهل عمان في العلم والدين، للمشورة على من يليق ليكون كفؤا للأمر وقيادة العمانيين لتوحيد الصفوف، فتم اختيار محمد بن المعلى الكندي ليكون على صحار ، والعراقي محمد بن عبدالله بن أبي عفان اليحمدي على وادي قريات وبقية مدن عمان وقائد للجيش لتوحيد الصفوف وتطهير البلاد من الجبابرة ، وبذلك بدأ الأمر يستتب في عمان فتوحّدت الصفوف، وعزل الولاة الذين كانوا بالعهد القديم ، وذلك تزامنا بولاية هارون الرشيد أمر الخلافة العباسية آنذاك .
ومحمد بن عبدالله بن أبي عفان من أهل العراق ،ويقال من البصرة تحديدا لأنها كانت أكثر المدن العراقية التي سكن فيها العمانيون آنذاك ، ولقد أتى إلى عمان بترحيب من أهلها الذين بايعوه إمام دفاع ، حتى تضع الحرب أوزارها عام 177هـ ، فأصبح الأمر له، واعتبر نفسه إمام القوم في جميع شؤونهم .
وحينما استتب له الأمر في عمان ، أساء السيرة ، وتعامل مع القوم بغلاظة وأخطأ المنهج الصحيح الذي كان يجب أن يسير عليه أئمة أهل عمان .
عزل العراقي
حينما ضاق الأمر على العمانيين نتيجة سوء ادارة محمد بن أبي عفان للبلاد ، اجتمعوا في نزوى مع أهل الحل والعقد للبحث في قضية عزله من السلطة، وبالفعل اتفق الجميع على خلع العراقي محمد بن أبي عفان، وإنهاء فترة حكمه سلمياً دون قتال ، وكان من ضمن الحاضرين الوارث بن كعب الخروصي ويتقدمهم الشيخ المسن موسى بن أبي جابر ، فسأل القوم الشيخ موسى من ترشحه ليصبح لنا إماما ؟
فأخذ الشيخ موسى بن أبي جابر بيد الوارث بن كعب الخروصي، وقدّمه للناس إماما لهم لما يتصف به من الورع، والزهد، والشجاعة، والعلم، والخلق الرفيع، فبايعه الناس جميعا بالإمامة على عمان وأهلها سنة 179هـ، لتنطوي من التاريخ سيرة محمد بن أبي عفان للأبد بعد هذا العام .
المرجع : عمان عبر التاريخ ج 1 ج 2 – تأليف الشيخ سالم بن حمود السيابي – الطبعة الخامسة 2014م – وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان .