إنّه الراحل الأديب عبدالله الطائي رائد من رواد الأدب والثقافة والنضال في الخليج العربي ..
ولد الأديب عبدالله الطائي في مدينة مسقط عام 1924م لأسرة كريمة أصلها من بلدة طيوي استقرت في وادي الطائيين ومن ثم انتقلت إلى سمائل وبوشر ومسقط ، وقد اشتهرت عائلته بطلب العلم والدعوة بصرامة لإقامة الحق ومجابهة الظلم رغم تعرض بعض أفرادها للسجن والتضيق والنفي ، وكان منهم القضاة والأدباء كجده الأكبر القاضي صالح بن عامر ووالده القاضي محمد بن صالح وعمه عيسى بن صالح.
شبّ عبدالله الطائي منذ نعومة أظفاره على حبّ المعرفة، والرغبة في الإطلاع، وصقل موهبته في الكتابة، والشعر، والنثر، وكان من أبرز أساتذته الشيخ أحمد بن سعيد الكندي الذي كان مشرفا على الطلبة العمانيين ومنهم الطائي في العراق ، والثاني العلّامة الشيخ سالم بن حمود السيابي الذي كان يعمل أستاذا للعربية، والنحو قبل أن يتقلد منصب القضاء .
لقد كانت بغداد، تلك المدينة الحالمة الثرية بقضايا الثقافة والفكر والسياسة ، من المدن التي عمّقت مواهب الطائي بروائع الشعر ،والنثر نتيجة وجوده في بغداد للدراسة عام 1935م ولمدة 7 سنوات برفقة السيد ثويني بن شهاب، والسيد فهر بن تيمور، والأستاذ حفيظ الغساني والأستاذ حسن الجمالي.
وحينما عاد إلى مسقط تم تعيينه معلّما في المدرسة السعيدية لمدة 7 سنوات حتى استقال ، وانتقل للسفر إلى باكستان ليعمل فيها مدرّسا للغة العربية لمدة سنتين، وقد أتاح له ذلك تقوية لغته الإنجليزية ، كما تعلّم لغة الأوردو، ليتمكن من قراءة بعض من مؤلفات أدباء باكستان كإقبال، وطاغور و ترجم لهم إلى العربية بعضا مما كتبوه .
عبدالله الطائي يرحل إلى البحرين :
بعد أن مكث الطائي في باكستان مدة عامين انتقل مباشرة إلى البحرين ليصبح مدرّسا في مدرسة المحرق لمدة عام ، ومن ثم رجع إلى مسقط، ليعمل مترجما في القنصلية البريطانية بسبب بعض الظروف العائلية ، ومن ثم استقال ليعود إلى البحرين مرة أخرى في عام 1952م ملتحقا بنفس مدرسته بالمحرق .
وجد الطائي في البحرين بيئة اجتماعية مثالية تميّز بها أهل البحرين ، وبالأخص اتجاه أهل عمان، فشجعته على الإستقرار، والتفاعل مع الجو الثقافي هناك، وارتبط بعلاقات وثيقة ، وصداقات متينة مع النخب البحرينية المؤثرة من الشعراء، والأدباء ،والكتاب، وشارك في المنتديات، واللقاءات الفكرية، والثقافية ،وكان له حضور لافت وكان قلما نيّرا يكتب في الصحافة البحرينية، ويدير الندوات ، ويلقي المحاضرات وتقام له الأمسيات .
وحينما تم افتتاح إذاعة البحرين عام 1955م ، بادر للعمل بها في الفترة المسائية ، فقدّم العديد من البرامج الثقافية، والأدبية نالت استحسان، وتقدير المستمعين بشكل كبير ، بالإضافة إلى إنّه أصبح أحد محرّري المجلة التي أصدرتها الإذاعة بإسم ” هنا البحرين ” ورئيس تحريرها، فيما بعد ،حينما تفرّغ للعمل الإعلامي، وانتقاله من مهنة التدريس إلى العمل في دائرة العلاقات العامة بالإذاعة التي كان يرأسها جيمس بليقراف ابن مستشار حكومة البحرين الإنجليزي تشارلز بليقراف، وكان له نشاط كبير، وملحوظ في الأندية، والمجتمعات لا سيما “نادي الخليفي الثقافي” في المحرق، وكان سكرتير اللجنة الثقافية لإتحاد الأندية في البحرين، ومن أهم الأدباء الذين ساهموا في استنهاض الأمة وأهل الخليج والبحرين خاصة لمقاومة المستعمر البريطاني في المنطقة ، كما كان خير من يناضل من أجل القضية العمانية في غربته، فقد كان لسان عمان الأدبي والفكري والسياسي والتاريخي .
اضطر عبدالله الطائي أن يترك البحرين بعد 9 سنوات قضّاها هناك حافلة بالعطاء، وغزارة نتاجه الفكري والثقافي في شتى المجالات نتيجة الأوضاع السياسية الملتهبة، آنذاك، وبضغط انجليزي غاصب مستعمر ، ليهاجر إلى الكويت، وهو حزين جدا على تركه البحرين بعد كل هذا العطاء ، حيث صوّر الطائي لوعة فراقه للبحرين وأهلها في تلك الأبيات التي كتبها :
وداعا وإن كان الوداع تألما – وصبرا وإن كان التصبر علقما
وداعا أوال العرب لا القلب مسعفا – ولا النفس ترضى لا ولا الخطو أقدما
ولكنه إرهاب من جاء قاطعا – بحارا لتشريدي وهجرك حتما
ويا أيها الطيار سر بي مسرعا – ففي القلب للبحرين ألف هوى نما
إذا ما تناءت معشرا ومنازلا – ففي القلب ينبوع لعهد تصرما
وداعا بلاد الخير والمجد إنني – نأيت على رغمي وفي كبدي ضما
عبدالله الطائي في الكويت :
وهكذا بعد عطاء في البحرين دام 9 سنوات أرغم المستعمر البريطاني عبدالله الطائي على ترك البحرين ، ليبدأ حياة جديدة في الكويت واصل فيها نشاطه الفكري، والثقافي في الإذاعة الكويتية التي أثراها ببرامجه المختلفة في الثقافة ،والأدب، والتاريخ، والذي خصص جزءا منه لتاريخ عمان، وحضارتها والتي ضمن بعضها في المنهج الدراسي الكويتي للصف الثاني عشر، كما واصل نشاطه الفكري في بعض الصحف والمنتديات الأدبية، وأصبح رئيسا لتحرير مجلة ( الكويت ) وكان أحد أعضاء رابطة الأدباء الكويتية، ومن الفترة 1-1-1963م وحتى 18-6-1964م انتدبته حكومة الكويت ليشرف على سكرتارية مكتب الكويت في إمارة دبي للمساهمة في تنمية إمارات ساحل عمان، وإمارات جنوب اليمن في مجال التعليم والصحة وغيرها من مجالات، كما شارك أثناء وجوده في الكويت في حراك المعارضة العمانية القائمة في البلاد في الخمسينات والستينات من القرن العشرين .
حاكم أبو ظبي يعين الطائي مستشارا :
في عام 1968م أي بعد أكثر من ثماني سنوات قضاها في الكويت بين أحبابه وصحبه ، دعاه حاكم أبوظبي وقتها الشيخ زايد بن سلطان للعمل مستشارا له، ليغادر الكويت بعد مسيرة حافلة بالعطاء عاش فيها أجمل أيام عمره فيها حيث قال وهو يغادرها إلى ابوظبي :
وما هجرتكمو سعيا لمصلحة – لكن نداء أتاني من حمى وطني
وما أنا للكويت اليوم ذو ملل – وكم شدوت بها في السر والعلن
في أبوظبي أصبح عبدالله الطائي محل ثقة الشيخ زايد بن سلطان الذي قلّده الكثير من المناصب التي ساهمت في تطور الإمارة وكانت ركيزة مهمة من ركائز النهضة الحديثة لأبوظبي ، وقد كان له جهدا واضح وملموس في إنشاء إذاعة أبوظبي وتلفزيون أبوظبي ، والمساهمة في تأسيس جريدة الإتحاد وأشياء أخرى كثيرة في مجالات التربية، والعلوم، والثقافة، والسياسة طوال فترة وجوده هناك التي دامت عامين ، ومن ثم استقال ليعود في عام 1970 إلى وطنه الأم عمان.
عبدالله الطائي يحط رحاله في وطنه
بعدما وصل الأديب الراحل عبدالله الطائي إلى عمان عام 1970، التقى بجلالة السلطان قابوس ورئيس وزرائه السيد طارق بن تيمور ، ليتم بعدها توليته وزيرا للإعلام ووزارة العمل والشؤون الإجتماعية بالوكالة ، وإليه يعود الفضل في تنظيم الإذاعة العمانية وإعداد هياكلها وترتيب إدارتها .
ومن أهم مآثره في تلك الفترة نشيد ( صوت النهضة ) الذي أصبح أيقونة أساسية لجميع الأعمال الوطنية وأروعها حتى يومنا هذا .
كذلك قدّم الطائي برنامجا يوميا عبر الإذاعة العمانية يذاع في أمسيات شهر رمضان عام 1971م ، كم أرسل العديد من الشباب العماني للدراسة والتعليم ، واستقدامه للإعلامي الكويتي الكبير سالم الفهد ليصبح مديرا لإذاعة مسقط خلفا للإذاعي الشهير أحمد المنصوري الذي كان من الشارقة منتدبا من إذاعة ( صوت الساحل ) والذي تم نقله ليصبح مديرا لإذاعة صلالة بعد افتتاحها .
كما كان له دور فعال في تعميق العلاقات الودية بين عمان وبقية الدول العربية ، وكذلك كان من أهم الداعمين لإنشاء صحيفة (الوطن) لأخيه نصر الطائي .
ولم يدم عبدالله الطائي في المنصب الوزاري كثيرا وخاصة بعد إعادة تشكيل مجلس الوزراء عام 1972م وتعيينه مندوبا للسلطنة في الأمم المتحدة ، ولكنه رفض المهمة الجديدة ، ورحل عن عمان عائدا إلى أبوظبي ليتفرغ في إعداد كتبه، ومؤلفاته العديدة مثل ديوانه الشعري ” الفجر الزاحف ” وروايته ” ملائكة الجبل الأخضر ” .
وفي غمرة اشتغالاته الفكرية والثقافية داهم الموت أديبنا الرحل عبدالله الطائي فجأة وهو في قمة نشاطه وعطائه قي 18 يوليو من عام 1973م .
رحم الله الأديب العماني عبدالله الطائي الذي واجه في حياته الكثير من الصعوبات والمواقف المتعبة في غربته ، كوفاة والدته وقريبه وأستاذه الشيخ أحمد بن سعيد الكندي، وقد رثاهما بقصيدتين مؤثرتين تعتبران من روائع الشعر العماني الحديث .
المرجع : طائر الشعر والرحيل عبدالله الطائي إنسانا ومبدعا ، اعداد حسن المطروشي ، سلسلة من اعلامنا ،النادي الثقافي ، مكتبة الغبيراء، طبعة 2013.