أبجد

وردة الفجر

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

وردة الفجر

سؤال الحريّة والاختلاف

 

” منذ الليلة أنا حرّ، سيخرج قلمي من قمقمه،سيقول كلّ ما يجعل منه إعصارا يرمي بكلّ شيء في جوفه، ثمّ يلقيه في المدى دون اكتراث..”

محمد الهادي الجزيري

 

لا كائن مستهدف ومتاح لشتّى التّهم المحليّة والمستوردة مثل ” الجسد ” المقيم في العالم العربيّ ، ومن المفارقات المذهلة أنّه محور هوس الأمّة وهلوساتها ، ديدن تفكيرها ومرمى نيرانها وشهواتها في الآن نفسه، كان وما يزال المرغوب فيه سرّا والملعون جهرا، مصبّ الفكر ومدار الفرد و” الجماعة ” ، ولقد تجاوزت عقدته القبائل والشعوب والأمم بمسافات ضوئية فأمسى مصدرا للفنّ وعنوانا للجمال ورمزا للحريّة والهبوب الحرّ ، إلاّ السلالة العربية الاستثنائية في كلّ شيء والحقّ مرّ لكنّه سيُقال من هنا فصاعدا..، ولا أدلّ على ذلك تجاسر المزيد من الكتّاب والمفكّرين العرب على التورّط في هذا ” الجسد ” الملغّم المفخّخ المحرّم المحظور، من ضمن الذين طرقوا باب هذا ” المسكوت عنه ” الكاتب التونسي السيّد التويّ، فقد أصدر مؤخّرا رواية بعنوان ” وردة الفجر ” تجرّأ فيها على التعاطف مع العفريت العربي ففتح له قمقم النصّ وشرّع في وجهه بوّابة السرد مبديا مساندته لهذا ” المدنّس ” المقموع والمغيّب من دهور في أجنحة الحريم وخلف الجدران السميكة للسلطة المجتمعيّة المريضة بالانفصام، والمدمنة نفاقا وتلك حال أهل الزئبق…..

 

ظاهر المتن الروائيّ رحلة محرجة في أحراش الرغبة وشعاب العنف، حيث تتقاطع قصص الخارجين من الصفّ ، المصنّفين في خانة المرضى والمعطوبين أخلاقيا، لكنّ السيّد التويّ يمضي بنا بوسائل فنيّة خالصة إلى سؤال الحريّة ، ومدى تحقّقها للفرد في مجتمعاتنا العربيّة ، هل نحن أحرار في اختياراتنا ، في طريقة عيشنا وتعاملنا مع الآخر، هل من حقّ هذا الآخر تحديد سلوكنا وميولاتنا العاطفية باسم العرف والعادة وما اتفق عليه الأجداد الغابرون والأحفاد المتربصون في الأرحام؟.

” هؤلاء الحمقى، يتجرّع الفقراء الموت ولا يحرّكون ساكنا ، وأمام كائنات ضعيفة يستأسدون ، يبذلون دمهم لأجل قمعنا “.

 

أعتقد أنّ قارئا بسيط التفكير وعديم العمق المعرفي ، ضيّق الصدر واسع الوهم، لن يرى في ” وردة الفجر” إلاّ خروجا عنيفا على السائد الآمن المطمئن، لكنّ الحقيقة غير ذلك ، فالعنف الذي تطفح به الرواية إشارة حمراء للمجمتع الساهي عن الخور الذي أصاب نسيج علاقاته داخل الأسرة وفضاءات التدريس وفي المقهى والإدارة ، في بهرج المدن أو في غبار القرى ، لقد صدئت مفاهيم كثيرة ورثّت قيم موروثة اعتباطا ، لقد تغيّر العالم وآن لنا أن نساير هذا التغيير الحثيث قبل أن نتحوّل من مرحلة الجمود والتكلّس إلى مرحلة الموت والتفسّخ والتلاشي، إنّ ” وردة الفجر ” لا تدعو إلى تبنّي سلوك ما أو الانتصار لفلسفة عيش معيّنة ، بل تحرّك السواكن وتستفزّ الجثث الآكلة الشاربة ،المنغلقة في وجه كلّ سؤال وكلّ نفَس مغاير للطقس الصارم.

 

” لا أستطيع أن أكون شيئا آخر غير نفسي ، سأتحمّل الوحشة والوحدة لأجل أن أكون حرّة ألوّح بردائي وأنا أقفز بين الهضاب ، ألوّح بأقباسي وأنا أطير فوق الأنهار “

لعلّ أهمّ ما تلهج به هذه الرواية الصادرة حديثا عن دار زينب للنشر، هو تخليص الإنسان من قيوده الكثيرة ، والدعوة إلى احترام خصوصية كلّ فرد منّا، كما تسخر الرواية تلميحا وتصريحا من الرافضين للتنوّع والتعدّد وقبول الآخر كما هو، إذ قضي الأمر وانتهى زمن التعليب والقولبة وتشكيل الإنسان حسب أهواء من حوله من أفراد مجتمعه . 

 

Your Page Title