فضاءات

الحلم العربي الى الغرف المغلقة!!

الحلم العربي الى الغرف المغلقة!!
الحلم العربي الى الغرف المغلقة!! الحلم العربي الى الغرف المغلقة!!

أثير تنشر المقال تزامناً مع ملحق شرفات- جريدة عمان

عاصم الشيدي

لم يجد المتحدث الرسمي باسم أمين عام جامعة الدول العربية محمود عفيفي ردا على سؤال الصحفيين حول المصالحة العربية العربية إنْ كانت مطروحة على جدول أعمال القمة إلا القول «ربما تتم في الغرف المغلقة، لكنها غير موجودة على جدول الأعمال». لو كان بقي من الأمة العربية باقية لكانت هذه العبارة شديدة الاستفزاز، وكبيرة الدلالة ولكن الأمة العربية التي تفضلت المناهج الدراسية بتعريفها وتحديد حدودها ومقوماتها التاريخية والطبيعية التي تتظافر لتسهيل وحدتها.. لم تعد موجودة، لم يكتمل الحلم بها حد الخروج من سياق الحلم إلى مساحات الواقع.. تعرت الفكرة سريعا. لم تعد هناك أمة عربية على الإطلاق ولذلك لم تعد اللغة قادرة على الاستفزاز ولا ممتلكة لدلالات قادرة على رسم حجم الكارثة وعظيم الألم العربي.. وإذا كانت أحلام الوحدة والعودة والعدالة الاجتماعية التي حملها السلف على عاتقه وحام بها في الميادين قد تبخرت، فإن فكرة الأمة وحدها صارت ضربا من الماضي اليوم، ومشروع الجامعة العربية الذي بدا في سياقاته الأولى خطوة جريئة في طريق تحقيق الأحلام العربية الطوال بات اليوم عبئا تاريخيا لا قيمة له ولا دور حقيقي تحمله اجتماعاته أو قاعاته المغلق منها والمفتوح.

على مدى اليومين الماضيين كنت أحاول أن أكتب رسالة مفتوحة، بصفتي مواطنا عربيا، أوجهها إلى القادة العرب المجتمعين في نواكشوط لإتمام استحقاق بروتوكولي سنوي لا أكثر، حول حال الأمة العربية فلا أستطيع أبدا، حتى تحدث محمود عفيفي عن الغرف «المغلقة» التي تقاد إليها المصالحة العربية بكل أحقادها وبكل مؤمراتها ويقاد إليها ما بقي من وهم الأحلام العربية التي وئدت ذات يوم في نفس هذه الغرف المغلقة التي كانت تسيج بالنار والحديد والجهل.. وها هي الأمة تحصد اليوم ما زرعته وراء تلك الغرف والسجون.

الأمة التي طالما درسنا عنها في مساقات التربية الوطنية وفي مساقات التاريخ العربي يوم كنا بعدُ طلابا، أقل وعيا ولكن أكثر حلما، أقل رؤية ولكن أكثر طموحا وأكثر قابلية لتصديق ما نقرأ لم تعد موجودة ولم نعد نمتلك قدرة على تصور وجودها أيضا.. مضى العمر قليلا واتسعت الرؤيا ولم نجد من تلك الأمة إلا بعض الخطوط على الخرائط وبعض حدود رسمها لنا المستعمر في لحظة نشوة بالنصر وتيه بالقوة.

لم يبق من مقومات الوحدة شيء ولا من أحلام الأسلاف التي عاشوا من أجلها وماتوا وهم يعتقدون أن الأجيال التي تأتي بعدهم ستواصل نضالها من أجل تلك الأحلام المقدسة ويجنون ما ضحوا هم من أجلها بدمائهم.. مات السلف ومات الحلم ولم يبق إلا ما تعفن وراء سجون الأمة وفي أحلامها المحفوظة في ملفات الجامعة العربية.

حلم الوحدة التي عاشت أجيال الأربعينات والخمسينات والستينات من أجلها تبخرت، وصار الحديث عنها ضرب من ضروب الخَرف، وحلم العودة الذي ما زال يتمسك به الفلسطينيون أو عموم العرب الذين هجّروا من بلدانهم صار هو الآخر نكتة تصلح للضحكة الأخيرة في سهرة طويلة على طاولة في حانة ليلية. فلسفات رعيل الخمسينات، نضالهم ومنشوراتهم وكتبهم التي كتبوها بخطوط عيونهم على ضوء القمر في سجون الدكتاتوريات العربية المقيتة.

هل يعلم القادة العرب المجتمعون اليوم في نواكشوط أن الأمة تجني اليوم ما زرعوا من جهل ومن تفتت ومن عنصرية وطائفية طوال قرن من الزمن؟!!..

هل يعلم القادة العرب المجتمعون في نواكشوط أنهم هم من زرع الأرهاب ورباه حتى خرج عن السيطرة؟ وأنهم هم من رسم خطوط تقسيم المقسم من هذه الأمة ومده بالمال والسلاح؟ مَنْ سمّن دعاة الطائفية حتى حولوا «الأمة» إلى وحل من الدماء والتناحر باسم الله وباسم الدين!!. من وضع أمواله رهنا لتفتيت الأمة وضرب شعوبها في كرامتهم وعزتهم.. المليارات التي تصرف اليوم على الحروب العبثية في سوريا واليمن وليبيا والعراق كانت كفيلة بتحويل أحلام الأمة إلى واقع ووضعها في السياق الحضاري الذي تستحقه.. من سحق نخب الأمة وألجم مفكريها وجعل الجهل هو الأساس والعلم والمعرفة ضرب من ضروب الكفر والإلحاد والزندقة؟؟؟

لا تستطيع القيادات العربية في مجملها التنصل من هذه التهم التي يخططها الغرب وتنفذها القيادات العربية بكل إصرار على أمل أن تبقى الكراسي كما هي غير قابلة لأي اهتزازات وتبقى النخب العربية مغيبة، والمواطن العربي مسحوق إلى حد البحث عن مساحة للبقاء لا أكثر ولا أقل.

من يقول إن القيادات لا تعرف حقيقة ما يحدث.. من يقول إنهم لا يقرأون التاريخ؟؟.. آلاف الكتب والمقالات التي تكتب وتكشف الحقيقة، كتب مراجعة الفكر العربي والفكر الديني وفساد الكثير منه من كثرتها صارت مطروحة في الطرقات لكن من يعي الأمر ومن يملك قوة التغيير؟

كل الدماء التي تسيل اليوم في العالم العربي باسم الله وباسم الدين من يتحملها، الأطفال الذين ينحرون نحر الشياه والإبل، الدين الإسلامي الذي صار سبة في كل مكان وصار شبهة في كل المطارات وفي كل الحدود من يتحمله؟؟ ألا يتحمله القادة العرب الذين طالما ولدّت سياساتهم من الحقد حقدا آخر، ومن الخوف خوف آخر، ومن الضياع ضياع آخر، ومن الدمار دمار آخر.

إذن وأنتم تدخلون تلك الغرف المغلقة لبحث المصالحة العربية العربية.. وأنتم تتأففون هناك من وهج الصحراء وهجيرها تذكروا شعوبكم، تذكروا الدماء التي تسيل اليوم تذكروا تواضع الحلم العربي اليوم.. لم يعد هذا المواطن العربي يحلم بالوحدة والعبور من طنجة إلى البصرة دون حدود وجواز سفر، لم يعد يحلم بالدولة المدنية، لم يعد يحلم بتداول السلطة، خفتت أحلامه وتواضعت إلى حد أنه يحلم بحفظ عنقه من النحر كما تنحر الشياه.. يحلم إذا مات بحفرة صغيرة ومتر من كفن غير ملوث بالطائفية.

تساءلوا كيف تلجمون دعاة الطائفية، اتفقوا أن يكون أول قرار في قمتكم أن الدم العربي المقدس، حرام.. ولحمه حرام، وعرضه حرام وأن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من سفح دم طفل في أي مكان على هذه الأرض بغض النظر عن دينه وجنسه.. توافقوا أن يكون قراركم الثاني أن أموال العرب أولى بها العرب لا توزيعها على عصابات الطائفية الدينية وعصابات القتل والإجرام في العالم العربي وفي كل مكان.. تساءلوا في تلك الغرف المغلقة من يمد داعش بالمال والسلاح، ومن وضع ميثاقها السياسي والأخلاقي والديني.. تساءلوا، تساءلوا.. لا يمكن أن تكون الأمة كلها تعرف إلا أنتم، لا يمكن أن يكون العالم كله يتألم مما يحدث في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي الصومال وفي كل مكان في «العالم العربي» إلا أنتم. تواضعوا فوق المصيبة وسترون العجب.. سترون إننا ذاهبون جميعا إلى الهاوية إن لم نكن نحن فيها منذ عقود طويلة.

لا تغمضوا أعينكم وأنتم تخرجون من تلك الغرف المغلقة أمام وهج الحقيقة.. فإن النكبات تفتح العيون وتعلمنا كيف ننظر إلى المستقبل.

Your Page Title