أثير – مـحـمـد الـعـريـمـي
في ظل ازدهار تطبيقات التسوق الإلكتروني وانتشار الإعلانات العقارية، تظهر واجهة براقة تُخفي وراءها عمليات نصب واحتيال دقيقة، تُمارس تحت غطاء ”الإغراء السعري“.
بأسعار أقل من المعتاد وعروض تبدو مغرية للباحثين عن سكن، يُعيد محتالون تدوير بيانات عقارات لا يملكونها ويعرضونها للإيجار، ثم يختفون فور استلام ”العربون“ أو مقدم الحجز.
”أثير“ خاضت تجربة ميدانية لرصد هذه الظاهرة، وكشفت خلال أيام معدودة أساليب احترافية في الخداع، وأرقامًا وهمية، ورسائل مُحكمة الصياغة.
الخدعة تبدأ بانتحال ”الهوية العمانية“ و ”سعر لا يُقاوَم"
البداية كانت من إعلان يعرض فيلا في منطقة بوشر بسعر مغرٍ لا يتناسب مع موقعها وعدد غرفها.
تواصلنا مع صاحب الرقم المرفق بالإعلان عبر ”واتساب“، وكان يضع في ملفه الشخصي صورة شعار الدولة، وصورًا لرموز وطنية أو طفل عماني، لإيهام المتلقي بأنه عُماني وصاحب العقار الحقيقي.
بدأنا الحديث:
- السلام عليكم، هل الفيلا في بوشر متوفرة؟
- نعم، متوفرة، وهذه صورها. إذا أردت رؤيتها ميدانيًا يمكنك ذلك.

ثم أرسل الموقع، وأضاف:
”إعلان العقار فعّال، وعملاء يتواصلون لأجله، وإذا رغبت به، ادفع عربونًا لحجزه، وفي حال لم يناسبك يُرد إليك المبلغ.“

رفضنا إرسال العربون، وقررنا الزيارة الميدانية في اليوم التالي بعد التنسيق معه. وصلنا إلى الموقع وتواصلنا معه، فأرسل رقمًا آخر قال إنه رقم ”الحارس“. وبالفعل، دخلنا الفيلا بعد تنسيق مع العامل الآسيوي ”الحارس“، ليتبين أن ما بداخلها يختلف عما ذكره، خصوصًا في توزيع دورات المياه.
وعندما أشرنا إلى ذلك، أجاب بهدوء:
”مو كل غرفة فيها دورة مياه، والسموحة منك.“


الرقم الثاني... هل هو الوجه ذاته؟
لم تنته القصة هنا؛ ففي الليلة ذاتها، كنا قد تواصلنا مع رقم آخر يعرض فيلا في المنطقة ذاتها، لكن بصورة ملف شخصي مختلفة. كررنا الخطوات، وأرسل لنا هذا الرقم موقعًا عبر ”واتساب“ تبيّن أنه الموقع ذاته للفيلا الأولى! وعندما نبهناه، اعتذر وقال إنه ”خطأ“، ثم أعطانا موقع ”فيلا جديدة“ في المجمع نفسه.



عند وصولنا إلى الفيلا (رقم 5)، وجدنا الباب مغلقًا، وطلبنا إرسال الحارس، لكنه كان موجودًا صدفة في الموقع. وعندما أخبرناه بسبب زيارتنا، قال:
”من أمس وأنا أستقبل زوار بالطريقة نفسها، هناك شخص يعرض الفيلا بـ 250 ريالا، وهي فعليًا تؤجر بـ 400 ريال. هذا الشخص مُحتال، ليس له علاقة بالمكان.“

المرحلة التالية: ”العربون“... أو ضياع الفرصة!
استمر تواصلنا مع المحتال، وأبدينا اهتمامنا بالفيلا، فانتقل إلى مرحلة ”الحجز“، قائلًا:
”لإلغاء الإعلان وتأكيد الحجز، أرسل 100 ريال كمقدم. وسأحتاج نسخة من بطاقتك المدنية، وبريدك الإلكتروني، ورقم جوالك لتجهيز سند الحجز.“


طلبنا إرسال رقم الحساب أولًا، فأرسله بعد محاولات لإقناعنا بإرسال بياناتنا أولًا. ومع الحساب، طلب صورة الإيصال، والاسم الكامل، وبطاقة الهوية. عندها، أنهينا التواصل معه.
لاحقًا، بدأ يرسل رسائل متابعة:
- أخوي، ماذا حصل معك؟
- الزبائن يتواصلون معاي للفيلا...

وقد أنتجت ”أثير“ مقطع فيديو يتضمن الرسائل الصوتية والنصية والردود التي وردت من الشخص الثاني، وإصراره على إرسال الدفعة المقدمة ”عربون الحجز“
قانون الجزاء العُماني واضح... والجهات الأمنية بالمرصاد
الجهات الأمنية في سلطنة عمان تبذل جهودًا كبيرة في ملاحقة مثل هذه القضايا، إلا أن التحدي يكمن في تعدد الأساليب واستخدام الحسابات الوهمية التي يصعب تتبّعها.
ونصت المادة (349) من قانون الجزاء العُماني على أن:
”يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن 100 ريال عماني، ولا تزيد على 300 ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حصل من الغير على نفع غير مشروع لنفسه أو للغير، باستخدام إحدى وسائل الاحتيال، أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.“
وتُشدد العقوبة لتصل إلى الضعف إذا وقع الاحتيال على شخص دون سن 18 عامًا أو على من لا يملك قواه المميزة.
كما تنص المادة (350) على أن:
”يُعد محتالًا كل من تصرّف في مال منقول أو غير منقول لا يملك حق التصرف فيه، وأوهم المجني عليه بقدرته على بيعه أو تأجيره، مما يؤدي إلى تسليم المال بناء على اعتقاد خاطئ.“
ختامًا: من المسؤول عن ضبط بيئة الإعلانات، وكيف نحد من هذه الظاهرة؟
بين عروض مغرية، وصور جذابة، ومواقع مضللة، يتكرر سيناريو الاحتيال نفسه، رغم أن المشرّع وضع القوانين والجزاءات، وأن التطبيقات تتيح خيار ”الإبلاغ“ عن المحتالين وعمليات الاحتيال التي تتم عبرها.
ومع ذلك، فإن أساليب الاحتيال تتعدد وتتجدد وتتنوع؛ ما يجعل المسؤولية مشتركة بين الجهات المختصة والمجتمع، فهناك عدة جهات مختصة بالإعلانات الإلكترونية عن العقارات، مثل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، وربما قطاع البلديات أيضًا، في حين يقع العبء الأكبر على الفرد في حماية أمواله وبياناته الشخصية.
ويتحقق ذلك من خلال:
- عدم تحويل الأموال أو مشاركة المعلومات الشخصية والمالية عبر الإنترنت، إلا بعد التأكد من موثوقية المصدر.
- التحقق من الروابط قبل النقر عليها، خصوصًا تلك الواردة عبر البريد الإلكتروني.
- التأكد من هوية المُرسل ومصدر الرسالة.
- الإبلاغ عن عملية الاحتيال، عبر الموقع الإلكتروني/ التطبيق الذي حصل فيه ذلك.
وتبقى الخطوة الأهم هي ”التبليغ“، وذلك عبر الاتصال بالخط الساخن للتحريات والبحث الجنائي المخصص لعمليات الابتزاز والاحتيال الإلكتروني على الرقم 80077444 أو عبر الرقم المجاني 9999، فهي خطوة أساسية لمكافحة هذه الظاهرة والحد من انتشارها.