باريس- الطيب ولد العروسي
تثير حكايات جحا الكثير من الاهتمام لدى الفرنسيين بشكل خاص، والغربيين بشكل عام، حيث تناولته مجموعة من الدراسات والكتابات الأكاديمية بالبحث والتدقيق، كما تدرّس حكايات وقصص جحا في المدارس، نظرا لما تفرضه هذه الشخصية الغرائبية بذكائها وبتعدد نظراتها لما للحكاية من حكمة رغم أنها تبدو تافهة في بعض الأحيان، إلا أنها تعبر عن مواقف إنسانية جريئة مشتركة في الثقافات المختلفة، ولذا يعد جحا كما يؤكد الكاتب “شخصية كونية فإننا نجده في مواقف متنوعة: إمام، قاضي، مستشار للملك، تاجر، بطال، سارق ضحية سرقة…إلخ”، ومن خلال كل هذه المواقف هناك الكثير من الحكم التي تنبثق عن هذه الشخصية مما يبيّن فطنة شخصية جحا.
تروي حكايات جحا في الأسر، وبين الأصدقاء وفي ليالي السمر، لكنها أيضا أصبحت محلا للدراسة والتمحيص، وفي هذا الصدد صدر كتاب بعنوان: “جحا: حكايات مختارة’، في باريس، عن منشورات راشفيد، لمؤلفه عبد الرشيد عبد الصمد، الذي قام باختيار وجمع 40 حكاية متفرّقة، بوبها حسب مواضيع متعدّة، ترجم كل حكاية إلى اللغة الفرنسية، واللغة العربية الفصحى، واللغة العربية المحكية، مع تلخيص لمغزى كل حكاية، مصحوبة برسم توضيحي مع جدول المفردات المستعملة في النص والمترجمة باللغات الثلاث.
يعرّف هذا المؤلف باللغة العربية ويعتبر هذا الكتاب وعاء تربويا وثقافيا في الوقت نفسه لتعليم اللغة العربية والفرنسية، وهو في حد ذاته تحفة فنية لكونه يشتمل على مجموعة من الرسومات المميزة التي تنشر لأول مرة.
يأمل المؤلف بأن يربط “هذا الكتاب بين المتعة والفائدة ويفتح نافذة حول الثقافة واللغة العربية”، وهو ثمرة جهد وتأمل وممارسة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إذ يؤكد المؤلف “بأن حكايات جحا قد رافقت طفولتي، أصبحت أستاذا للغة العربية، أستعين بها باستمرار لكي أوضح موقفا معينا، أو لإثراء دروسي، فكان الطلبة يفضّلون ذلك إلى درجة أنهم طلبوا منّي تأليف كتاب مزدوج اللغتين لبعض حكايات جحا، وهذا ما حاولت القيام به وكل أملي أن يكون مساهمة تربوية إضافية لتعليم لغتنا وثقافتنا العربية”.
جحا الذي تطلق عليه أسماء وجنسيات مختلفة، هو شخصية فكاهية انتشرت في كثير من الثقافات القديمة نسبت إلى شخصيات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة. لأنه شخصية أسطورية يصعب التحقق من وجودها لأن ما يهم هو الرسالة التي تنقلها هذه الحكايات والقصص والعبر المحمّلة بعدة أوجه حسب النظرة أو الموقف أو الزاوية التي ننظر منها.