أبجد

في صحة أحزانـــــها

في صحة أحزانـــــها
في صحة أحزانـــــها في صحة أحزانـــــها

سعدية مفرح

يختفي حزن هذه المرأة عندما تشرع  عصفورة صغيرة بغناء أغنيتها الأثيرة وهي واقفة بغنج يليق بعصفورة تغني، على حبال القلب المتعب.

يختفي حزنها بإشراقة صباحية مفعمة بالحياة والأمل ، ويختفي أيضا كلما انتهت من كتابة قصيدة قصيرة، كالتي صارت تفضل كتابها في الآونة الأخيرة، متجاوزة بعفويتها ولحظات التكثيف المثيرة فيها كل ما ركد في قاع ذاكرتها من بقايا التربية الشعرية القديمة.

ينتهي حزنها..!

لكنه لا يموت، يرتوي من معين خفي، تتجمع فيه نهايات روافد صغيرة تمتح من أطراف الروح وشغاف القلب، وتتسيج بآهات وأغنيات لها تواريخ سحيقة من الألم واليتم والحاجة وأشياء أخرى لعلها لا تقال.

حزنها يتوارى  إذن، ولكنه لا يموت، ولا ينتهي.

يختفي تحت ركام من الأغاني والقصائد والكلمات والاشراقات والعصافير والصداقات والرسائل والعلاقات والابتسامات، ولكن جمرته تظل حية لا تحتاج لسوى ريح عابرة تعيد إليها اشتعالها، واستعارها المستديم في موقد الوجع.

لا تدري بالضبط، متى عرفت الحزن، ولكنها تتذكر أنه كان عنوان لأي تعارف جديد في سياق علاقاتها المتنامية، فرغم الضحكات الحقيقية التي كانت تحرص أن تكون عنوانا للمعرفة وملمحا لا ينسى في سبيل لقاء مقبل، كان  السؤال التالي الذي كان ينبغي عليه الإجابة عليه كي تطير المعرفة بجناح الثقة، يقول: لماذا كل هذا الحزن؟ ولم تك ترى شيئا حين يحلو لها تجاهل المعنى لصالح اللغة في حرفيتها، فتتلفت حول نفسها باحثة عن إجابة غير موجودة ومخرج لسؤال متكرر. ولم تكن الإجابة متكررة، ففي كل مرة كانت تختلق أسبابا ،غير حقيقية ولكنها صالحة لأن تكون حقيقية.

وهكذا اكتشفت بعد أن تعددت تلك الأسباب لذلك الحزن الواحد، السبب الحقيقي، خليطا من الأسباب المختلفة، أو لعله ماؤها المصفى، وعنوانها الأخير.

تتذكر عناوين الحزن الواضح في دفتر الذكريات المهتريء، فلا تجد سوى ريش عصفورة قتيلة، أو كتاب مفتوح على صفحة الفهرس، أو قصيدة ناقصة، أو رواية إنسانية حزينة، أو أغنية دون موسيقى، أو دمعة متحجرة، أو صفعة مفاجئة ذات صباح قتيل، أو لوحة تشكيلية دون ألوان، أو عواء كلب جائع وراء جدار آيل للسقوط، أو حدث دموي تناقله أفراد الأسرة خبرا يوميا ذات زمان مضى، أو مكالمة هاتفية مبتسرة، أو ربما موت.. موت حقيقي!

Your Page Title