ناصر الحارثي
من الأشياء التي تستوقفني كثيرا هو عندما يأتي محاضر في تنمية الذات ويلقي حكما ودروسا يؤكد من خلالها أنه يملك كل المفاتيح السحرية التي قد تغير حياتك وتخلق لك مستقبلا أفضل، مستقبلا يرسمه لك على مقياس أحلامك اللامنتهية، وواعظ ينصحك بما يحلو له من النصائح وينتقد الكثير من الممارسات التي لا تحلو له ويطنب في عرض الأدلة والأقوال دون تحرٍ أو اطلاع، وهذا في الحقيقة أمر طبيعي يحدث في كل المجتمعات بتفاوت لكن الذي يستحق الوقوف هو أسباب الدفاع المستميت عن المتحدث حتى لو اقتنعوا في قرارة أنفسهم بأنه مخطئ لذلك سأحاول في هذا المقال تحليل أسباب الدفاع عن المتحدث وأهم الإشكالات المترتبة على ذلك.
إن ثقافة النصيحة لها قيمتها الاجتماعية والتربوية في مجتمعنا ولأننا مجتمع ذو سمة جمعية ولأنه يتناسب مع طريقة التعليم التي تتلمذنا عليها وهي التلقين وهي التي ساعدتنا في اكتساب الكثير من المعارف أضف إلى ذلك مبدأ الوصاية وأهميته في المجتمع كل هذه العوامل تساعد على تقبل ثقافة النصيحة بسهولة، لكن الإشكال ليس في طبيعة المجتمع فالكثير من المجتمعات الجمعية تقدمت وصارت من أكثر المجتمعات تحضرا، بل الإشكال أيضا عند المستمع أو المتلقي وهو تقديم حسن النية وغياب الحس النقدي وعدم الاكتراث لجودة ما يستمع إليه، فعندما تقول للمتحدث بأن طريقته في النصيحة تحتوي على العديد من المغالطات العلمية يقول لك المتلقي قبل المتحدث: “هو قصده نصح الناس وإرشادهم للدين فلماذا هذا التدقيق والسلبية المقيتة؟!”، فهذا التبرير يشجع الواعظ على الاستمرار باسم فعل الخير وحسن النية حتى يتصدر المنابر دون الاكتراث للمنهجية العلمية بل تجد عددا منهم يعض الناس بلا توقف وهو خلال سنوات لم يقرأ إلا كتابا أوكتابين، قس على ذلك عددا من محاضري تنمية الذات فيقول إن استراتيجيته ساعدت في علاج 80% من الأمراض وذلك لأنه يمكن علاج الأمراض بسهولة عن طريق استراتيجيته النفسية، وإذا سألت أحدهم بعدما انتهى من الاستماع لقصة ووعظية مبكية : “هل يزعجك لو كانت القصة كذبا؟” قال: “لا ولا أعتبره كذبا لأنه يقدم نصيحة للناس ويرشدهم للطريق القويم”، هنا تجد بأن هناك مساحة كبيرة لسرد المغالطات لذا تقال الخطب والمحاضرات بلا وعي ودون إحساس لقيمة الكلمة ولكن الناس تدافع عنه مبررين ذلك بأن قصده أن يكون الناس منظمين في حياتهم أكثر وأن يكونوا سعداء وغيرها من المبررات، هذه المبررات زادت من جماهيرية هؤلاء المتحدثين حتى قام البعض يجمع بين الوعظ الديني وتنمية الذات ليكسب الجمهورين، والعمل على كل النطاقات دون الالتفات للمنهجية العلمية بل التركيز على أدوات وأساليب الخطابة فقط، وهذا أمر في الحقيقة لا يمكن التخلص منه لأنه موجود في كل المجتمعات ولكن بنسب مختلفة وفي مجتمعنا يوجد بنسبة أكبر ويعود ذلك إلى غياب مناهج التفكير والنقد العلمي ولا يوجد إدراك حقيقي لقيمة البحث العلمي، وكذلك وجود العاطفة الدينية والشعور الدائم بالعبثية في الحياة، فيصبح حديث المحاضر أشبه بالمتنفس للمتلقي ومنها يتم تمرير الكثير من الرسائل الخاطئة.
هناك دول مجاورة حطمت الأرقام القياسية في المحاضرات الوعظية ودروس تنمية الذات لكن مشاكلها في ازدياد، فكثرة النصائح لن تكون في أحد الايام هي الحل بل تعبر عن عقدة نقص داخلية، لذلك حتى تتحقق التنمية البشرية المستدامة والقيم الإنسانية النبيلة في المجتمع يجب توفير البيئة المناسبة لها والأدوات المساعدة على استمرارها وتطويرها، سواء من خلال المناهج أو القوانين أو الدراسات الاجتماعية والنفسية الرصينة، أما الركون إلى الخطابات التقليدية فهو أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار التي يستوي عندها الحابل والنابل.
*مصدر الصورة: ارتقاء