أبجد

أدباء حليّون .. تعرف العرب إليهم من خلال مجلة العربي

أدباء حليّون .. تعرف العرب إليهم من خلال مجلة العربي
أدباء حليّون .. تعرف العرب إليهم من خلال مجلة العربي أدباء حليّون .. تعرف العرب إليهم من خلال مجلة العربي

صادق الطريحي

ما إن تجلس إلى الدكتور جواد أحمد علوش حتى يشرع بالحديث عن الحلة وأدبائها وأيامها ، وأنت لا تستطيع أن تترك هذا الرجل دون أن تستمع إلى حديثه كله ، ليس لأنه حديث مكتوب بمنهج علمي رصين ، بل لأن الرجل لا يتحدث إلا عن أصدقاء حميمين له ، أحبهم وأحبوه ، شهد الدرس الأدبي واللغوي معهم ، واستمع إلى قصائدهم ، وسافر معهم إلى مصر والشام وحلب والموصل وبغداد ، ثم عاد مع بعضهم إلى الحلة ، وهو لايزال يحدثك عن الحلة وأمرائها وتنقلها مابين النيل والجامعين ، وعن الحركة العلمية والأدبية فيها، حتى لا تشعر به وهو يكرر الحديث عليك مرة أخرى.

والحق إن جواد أحمد علوش كان واحداً من الذين نذروا أنفسهم للتعريف بالحلة المزيدية ، وقد حملها معه في قلبه وعينيه خلال سنوات غربته عنها في طلب العلم ، في مصر وانكلترا ــ كما يقول أستاذنا الدكتور محسن غياض ــ فقد ولد في الحلة في عام 1929 وتخرج في كلية الآداب / جامعة فؤاد الأول وحصل منها على البكالوريوس والماجستير في آداب اللغة العربية ، وحصل على درجة الدكتوراه في جامعة  درهام في انكلترا في عام 1967، ومن يلحظ مؤلفاته يجد انها جميعا في أدباء الحلة

ــ صفي الدين الحلي.

ــ عمارة اليمني الشاعر/ رسالة دكتوراه باللغة الانكليزية.

ــ البصير والموشح.

ــ صاعد البغدادي.

ــ أدباء حليون.

ــ السيد حيدر الحلي / مخطوط.

ــ ديوان شعره / مخطوط.

أي إن الدكتور جواد أحمد علوش كان عاشقاً لمدينته الحلة ، ولو امتد به العمر أكثر، توفي (1975) لرأيناه يكتب عنها ماتيسر له ذلك ، ولا يعرف أحد من الأدباء كتب عن الحلة مثله.

ويعد كتابه (أدباء حليون) ــ بيروت 1978، مشروعاً رائداً في دراسة أدب المدينة دراسة علمية ، فهو يقدم لنا مسحة مستلة من تأريخ الأدب العربي في الحلة ، في عصور مرت بأحداث سياسية وعسكرية ومذهبية معقدة ، ولو علمنا أن جل الآثار التي تركها هؤلاء الأدباء قد ضاعت ، وما بقي منها نتف جدّ قليلة ، أدركنا الجهد العظيم الذي قدمه جواد أحمد علوش في عرض صورة ملائمة للأديب ، تكشف عن أسلوبه ، وصوره الشعرية ، ونزعاته الفكرية ، والخلفية التأريخية والاجتماعية التي نشأ فيها.

إختار الباحث عشرة من الأدباء ، لا يجمعهم زمن معين أو مذهب واحد ، منهم المشهور ومنهم المغمور، لكن الذي جمعهم هو نسبهم الأسري أو الأدبي إلى الحلة ، وتأثيرهم الشديد في المحيط الذي عاشوا فيه ، وهم :

محمد السنبسي (ــ 515 هـ) ، علي بن افلح العبسي (ــ 535 هـ) ، محمد بن جيا (ــ579 هـ) ، شميم الحلي (ــ 601 هـ) ، راجح الحلي        (ــ  هـ627) ، محمد بن الخيمي (ــ 642 هـ) ، علي بن البطريق        (ــ 642 هـ) ، صفي الدين الحلي (ــ 750 هـ) ، محفوظ بن وشاح الحلي (ــ 690 هـ) ، حيدر الحلي  (ـ 1304 هـ).

يبدأ الباحث بعرض سيرة المترجم ، اسمه ومولده ووفاته ، ثم يعرض لشعره ونثره ، وهو لا ينقل أقوال المؤرخين والكتاب نقلاً حرفياً ، كما فعل غيره من مدوني الأدب ، بل يناقش الروايات ، ويختار أقربها إلى الحقيقة ، أو يرفضها بعد تحليلها تحليلاً علمياً ، مظهراً في ذلك براعته اللغوية وثقافته التاريخية ، وذوقه الأدبي ، وملاحظاته الدقيقة . يجمع الباحث جواد أحمد علوش في أسلوبه بين الدرس الأكاديمي الدقيق ، والمنهج الانطباعي ، والحديث المباشر مع القارئ الذي لا يمل من الاستماع إليه ــ مثله مثل مواطنه علي جواد الطاهر ـ وهذا الجمع لا يتوافر إلا للموهوبين من الباحثين. ولأن النقد نوع من الإبداع ، فقد وضع الباحث عنوانات جميلة لفصوله النقدية ، فحيدر الحلي شاعر الأشجان ، ومحمد بن الخيمي سفير الفيحاء في مصر، وشميم الحلي من عقلاء المجانين ، ومحفوظ بن وشاح أديب الفقهاء ، وهكذا.

والباحث يكثر في ثنايا الكتاب من الإشارة إلى الدكتور مصطفى جواد ، والأخذ عنه ، ولايتردد في سؤاله عما أشكل عليه ، ويعد قول الدكتورمصطفى جواد هو القول الفصل.

والملاحظ على الأدباء الذين اختارهم الباحث أنهم كانوا قد طوفوا في البلاد العربية ابتغاء الشهرة والمجد ، لكنهم لم ينسوا نسبهم الأدبي الحلي، فعلى سفح المقطم بالقاهرة قبة الولي ( سيدي الحلي) وهي قبر الشاعر محمد بن الخيمي. والحق أن جوهر الابتكار في هذا البحث هوهذا الجانب من الدراسة الأدبية ، فبعد سقوط إمارة الحلة ، واعادة السيطرة عليها من قبل دولة الخلافة العباسية المركزية في بغداد ، أفل مجدها العلمي، وخبا بعض من النور الذي كانت تشع به ، فغادر بعض الأدباء إلى أماكن شتى طلباً للدرس أو المجد والشهرة ، ودراسة أدب هؤلاء المنفيين طوعاً في مهاجرهم لم يقم به أحد ما قبل جواد أحمد علوش ، وما أحوجنا اليوم إلى دراسة الأدب العراقي الذي كتب في المنافي البعيدة ، لتبين خصائصه ومقدار تأثره بالبيئة الجديدة أو صلته بجذوره العراقية.

تقصى الباحث الكثير من المخطوطات من أجل تقديم صورة واضحة عن الأدب  العربي في الحلة ، وأشار الباحث كثيراً إلى التسامح الديني ونبذ التعصب المذهبي الذي تمتع به هؤلاء الأدباء في وقت كان النزاع المذهبي على أشده ، ويبدو لي ان الدكتور جواد أحمد علوش نفسه كان يمقت التعصب المذهبي ويدعو إلى قيم التسامح ، والعيش الكريم لكل الفرق والمذاهب.

ومن الالتفاتات الذكية في البحث ، هي المقارنة الممتعة بين السنبسي والمتنبي ، فالشاعران كلاهما جاءا من مكان ما قرب البادية ، ثم انتقلا إلى الحواضر ، واتصلا بالأمراء ، وأصبحا من شعرائهم الرسميين ، لكنهما ولأسباب متشابهة اختلفا معهم ، وتنقلا في حواضر أخرى واتصلا بأمراء جدد وجاء شعرهما حافلاً بمواقف بطولية.

أطرى الباحث هؤلاء الأدباء كثيراً ، وأبرز محاسنهم دون مساوئهم وهذا الأمر لا يستقيم مع المنهج العلمي طبعاً ، ولكن ماذا يفعل جواد أحمد علوش إذا كان هو يتحدث عن أصدقاء له من مدينة واحدة ، وفي محلات متقاربة ، وهو ما زال يرى آثارهم في الحلة القديمة ويرتاد الأماكن التي كانوا يقيمون فيها ، أولم نقل إنه كان عاشقاً لمدينته الحلة ، ومن حق العاشق علينا إن لا نحرجه كثيراً في السؤال؟

ويلحظ على بحوث الكتاب أيضاً ، هو تكراره الجميل لتأريخ الحلة وزمن تأسيسها، وأسماء الأمراء الذين تعاقبوا على حكمها، ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه المقالات كتبت في تواريخ متباعدة، ونشرت منفردة في تواريخ متباعدة أيضاً، لذلك ابقاها الباحث في الكتاب كما هي لتصور تغير أسلوبه الأدبي، وطريقته في البحث. ويذكر أن أكثر مقالات الكتاب قد نشرت في مجلة العربي الكويتية في ستينيات القرن الماضي ، الأمر الذي جعل الباحث والشعراء الذين درسهم مشهورين ومعروفين شهرة مجلة العربي وسعة انتشارها في البلدان العربية، لذلك أقدم عدد من الباحثين في ليبيا ومصر على تحقيق دواوين من وجدوا مخطوطاتهم من شعراء الكتاب.

ترك الباحث الباب مفتوحاً وراءه لمن يأتي بالإضافة ، أو النقد التاريخي أو الأدبي وذلك لضياع الجزء الأكبر من الآثار التي تركها هؤلاء الأدباء ، وفقدان دواوينهم الشعرية ، ولا من سبيل اليوم إلى مخطوطاتها ، ومن المؤسف حقاً إن للباحث جواد أحمد علوش ديواناً شعرياً مخطوطاً ينتظر اليوم من يقوم بنشره وإلا ضاع كما ضاعت دواوين أصدقائه الذين كتب عنهم.

شاعر وأكاديمي من العراق.

Your Page Title