باريس- الطيب ولد العروسي
ترتبط المقاهي الباريسية بأحداث تاريخية وأدبية وفكرية وسياسية متنوعة، و تلعب دور النوادي والمؤسسات الثقافية بامتياز، وهذا ما نراه مع المقهى الشهير “لي دو ماغو” les Deux Magots، الذي ارتبط اسمه بالتمثالين الصينيين الصغيرين اللذين يزينانه .. تم إنشاء هذا المقهى عام 1886، وأشرفت على تسييره أسرة “ماتهيفات” Mathivat ، منذ عام 1919. وهو يحمل تاريخا أدبيا حافلا ، إذ لا تزال أرواح كبار الكتاب والأدباء تعيش بين جدرانه.
Deux Magots
،
يعرف هذا المقهى بشرفته المطلة على كنيسة “سان جرمان دي بري”، والذي لا يزال يجذب الزبائن من جميع بلدان العالم، ولا زال يلتقي فيه مجموعة من المثقفين والإعلاميين والروائيين الفرنسيين . ولذا وحسب الإحصائيات فإن نسبة المترددين عليه من السياح تبلغ 70 في المائة، و 30 في المائة من المتعودين الذين يزورونه بشكل منظم. لم يتغير ديكور المقهى قيد أنملة. ولا زال يحتفظ بمقاعده ذات اللون الأحمر، التي ميزته عبر الزمن. ويعتبر بمثابة فضاء تاريخي حقيقي. ومقهى الأدباء والمثقفين في باريس، كما يعتبر مؤسسة ثقافية حقيقة. فقد سجل حضوره عبر الزمن في الحياة الثقافية الباريسية، وهو فضاء لا زال يحتفظ بهويته وأصالته منذ أن كان يجلس به كل من الشاعر بول فيرلين، والشاعر وآرثر رامبو. كما يتميز المقهى بجائزته الأدبية السنوية التي تحمل اسمه ”جائزة لي دو ماغو”، تأسست سنة 1933
تكونت في هذا المقهى الحركة السوريالية على يد الأديب أندريه بروتون عام 1925 صحبة الكبير لويس آراغون وبرتلوند بريخت وروبيرت ديزنوس وأنطونين أرتو الذين كانوا يلتقون فيه بانتظام.
كما كان مكانا للقاءات وتبادل الآراء أثناء الحرب العالمية أو بعد التحرير، حيث تمت بلورة الحركة الوجودية فيه، برئاسة الأديب الفرنسي جان بول سارتر وزوجته سيمون دي بوفوار غدا هذا الفضاء بمثابة سكنهم الثاني . فكل منهما كانت له طاولته الخاصة يقصدها ويكتب عليها كل يوم. وسرعان ما انضم إليهما بوريس فيان وألبير كامو. ومن هنا تبلور حي سان جيرمان الأسطوري الذي أصبح يستقبل كتابا وفنانين أجانب مثل جيمس جويس، برتولد بريخت أو حتى ستيفان تسفايغ، بيكاسو وهمنغواي …
لذا فإننا حينما نقصد مقهى لي دو ماغو، فإننا بالتأكيد نتقابل مع شخصيات لها باع كبير في الأدب، والأزياء والترفيه والسياسة.
يشار إلى أن المقهى كان ينظم لقاءات فلسفية يوم الأحد عادة أو بمناسبة “عيد القراءة” إذ يتم قراءة نصوص لسيمون دي بوفوار، في نفس المكان الذي كانت تجلس الكاتبة فيه مع جان بول سارتر. كما يشرف المقهى على توزيع جائزة أدبية سنوية منذ سنة 1933 . ويحتفى سنة 2016 بالجائزة 83 .