رموز الصحافة في زنجبار.. الفلق وكتّابها العمانيون أنموذجا

رموز الصحافة في زنجبار.. الفلق وكتّابها العمانيون أنموذجا
رموز الصحافة في زنجبار.. الفلق وكتّابها العمانيون أنموذجا رموز الصحافة في زنجبار.. الفلق وكتّابها العمانيون أنموذجا

أثير – تاريخ عمان

إعداد – نصر البوسعيدي

بلا شك بأن الصحافة تشكل ركنا أساسيّا في نمو الوعي المجتمعي من خلال ما تطرحه من قضايا توعوية تنويرية في شتى المجالات لا سيما وأن الصحافة تعتبر منبرا للشعب وانعكاس مطالبهم في الإصلاح والبحث عن العدالة في أي وطن كان.

لقد كان الصحفي العماني عبر التاريخ الحديث في شرقي أفريقيا رمزا للإصلاح، والتنوير والتضحية، وكيف لا؟ وهو من خيرة شباب عمان المثقف في تلك الأنحاء التي أصبحت بعد سنين المجد عرضة للاستعمار الأوربي، وقوة سيادته في العالم آنذاك، ومنها، الشق الأفريقي، وخصوصا زنجبار، وما يتبعها تحت حكم السيادة العمانية، ولكن لا يبقى أي شيء على حاله، فانقسام الإمبراطورية العمانية، وضعفها بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان مع تقدم القوى الاستعمارية في المنطقة أوقعت تلك الأنحاء في قبضة البريطانيين الذين جعلوا من زنجبار محمية تحت إشرافهم بعدما تقاسم الأوربيون كلّ أفريقيا.

كانت روح الحرية للتخلّص من الطغيان البريطاني تسري في قلوب الوطنيين في زنجبار، وخاصة العمانيين أصحاب الفكر التنويري، والحاث دوما لنبذ التعصب، والوحدة من أجل الوطن ضد أي خطر يحيط به، وبالأخص خطر الفتنة التي كانت تزرعها بريطانيا بين الأفارقة ، والعرب.

لذلك قاد المثقفون العمانيين في زنجبار، وبالأخص من تولوا مهنة الصحافة، مهمة التنوير، وبث روح المقاومة للاستقلال من المستعمر الغاشم، والتوجه بشكل جاد نحو الوحدة الوطنية دون شقاق لتفادي أيّ خراب قد يقع نتيجة الفتنة بين العرب، والأفارقة مثلما خططت له الإدارة الإنجليزية.

لقد مارست الصحافة العمانية في زنجبار دورا كبير في محاولة الجهاد ضد الجهل، والفتنة لصالح الوحدة الوطنية والسلام في زنجبار، ولذلك تعتبر الصحافة العمانية في زنجبار وما حولها هي الأولى في نشاطها، وحراكها الصحفي، فمثلا قامت الحكومة العمانية في زنجبار بإصدار صحيفة باللغة الإنجليزية، والعربية عام 1897م باسم AL-JAZIT AL HANBA وغيرها من صحف كانت تبشّر ببداية عهد متميز لتضحيات الصحفيين العمانيين الذين يشار لهم عبر التاريخ بالبنان.

وبما أن العمانيين كانوا رواد التغيير في خلق الوعي السياسي والوطني في المجتمع الأفريقي، فإنه من الجدير أن نسلط الضوء على أهم الصحف العمانية التي بزغت في العقد الثاني من القرن العشرين وهي كالتالي:

1 – جريدة النجاح:

تبنّى صدورها حزب الإصلاح باللغة العربية في زنجبار سنة 1911م، ومن أبرز محرريها الشيخ ناصر بن سالم بن عديم الرواحي (أبو مسلم البهلاني)، وناصر بن سليمان اللمكي، وبسبب توجهاتها الإصلاحية في زنجبار، فقد واجهت الكثير من الصعوبات والتضييق من قبل السلطات البريطانية التي أخذت تحارب الصحفيين، وقامت بنفي الكاتب ناصر اللمكي إلى الهند سنة 1914م، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف الجريدة عن الإصدار للأبد.

2 – جريدة النادي:

أصدرها الحزب الوطني سنة 1911م، وقام بتحريرها الصحفي حارث بن سليمان اللمكي، إلا أن هذه الجريدة لم تكن متاحة للجميع، بل كانت توزّع على نطاق ضيق، وبالمجان لبعض الأشخاص، وتوقفت بعد ثلاث سنوات من إصدارها.

3 – جريدة الفلق:

تأسست في عام 1929م، وكانت من أبرز الصحف تأثيرا في المجتمع الزنجباري، واستمرت بالإصدار لمدة 35عاما، وسنتوقف معها لاحقا لأنها تمثل النموذج المثالي الأفضل حينها في شرق أفريقيا، وزنجبار تحديدا.

4 – جريدة الإصلاح:

صحيفة صدرت باللغة العربية، والسواحلية في ممباسا عام 1932م بفضل الشيخ الأمين بن علي المزروعي الذي انعكس واقع انفتاحه في القضايا الدينية، والسياسية، والاجتماعية على موضوعات الصحفية.

5 – جريدة المرشد:

تأسست عام 1942م على يد الشيخ أحمد بن سيف الخروصي، وكانت تصدر بشكل أسبوعي وبثلاث لغات هي العربية، والسواحلية، والإنجليزية، لتتمكن من الوصول لأكبر شريحة في زنجبار، وقد بلغت أعدادها المطبوعة أسبوعيا حوالي ألف نسخة، وكانت توجهاتها ضد المستعمر البريطاني، ومساندة للحراك الوطني الذي تبناه كل من الحزب الوطني (z.n.p)، والجمعية العربية، وكان من أبرز صحفيها العمانيين سعود بن محمد الريامي، والشيخ هاشل بن راشد المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي، وعلي بن محسن البرواني وتوقفت بعد 22 سنة من الإصدار.

6 – جريدة النهضة:

أسسها السيد سيف بن حمود البوسعيدي في عام 1951م ، وكان تصدر بشكل أسبوعي في زنجبار باللغة العربية والإنجليزية ، وقد تبنت الصحيفة آراء رئيس تحريرها ضد المستعمر البريطاني التي كانت شديدة اللهجة ، وهو الأمر الذي أدى إلى توقيفه للتحقيق مرات عديدة من قبل السلطات البريطانية على خلفية بعض المقالات التي كتبها وتم محاكمته كما حدث في قضية جريدة الفلق عام 1954م، وقد توقفت بعد 13 سنة من الإصدار.

7 – صحيفة زنجباري :

أسسها في عام 1939م، خليل علي المولود لأب كشميري وأم من جزر القمر، وكان من أبرز كتابها الصحفي العماني محمد بن سالم البرواني الذي كان يلقب بـ جينجا.

وكانت الصحيفة بفضل مقالات البرواني باعثة للوعي السياسي في زنجبار، حيث تبنت الصحيفة التي كانت تصدر باللغة السواحلية الكثير من مقالات محمد البرواني (جينجا) صاحب الشعار المشهور آنذاك ” الأجر المناسب للعمل المناسب” أي أن يدفع الشخص الأجر على حسب العمل وليس على أساس عنصري، أو قبلي، أو عرقي، كما أطلق شعار ” زنجبار للزنجباريين” وهو الشعار الذي أصبح نهجا سياسيا للوطنيين المناهضين للاستعمار البريطاني في الجزيرة.

وبشكل عام كان لجميع هذه الصحف التي برز فيها الكاتب العماني بمقالاته التنويرية الباعثة للوعي السياسي، والوطني في زنجبار عظيم الأثر في توجيه الرأي العام الزنجباري نحو الوحدة الوطنية، ومقاومة الاستعمار البريطاني لنيل الاستقلال رغم تفاوت تأثيرات هذه الصحف في المجتمع حسب سنوات أو مدة وجودها على أرض الواقع، ومدى انتشارها المعتمدة كليا على عدد النسخ المطبوعة، وقوة الطرح.

جريدة الفلق وكتابها العمانيون أنموذجا:

جريدة الفلق وكتابها العمانيون أنموذجا:

حدث اجتماع مهم في تاريخ 6 – 7 – 1926م بين أعضاء الجمعية العربية الذين ارتأوا، واتفقوا على ضرورة إصدار جريدة خاصة بالجمعية لتوثيق العلاقة الوطنية بين عرب زنجبار، وإخوانهم العمانيين في إفريقيا الشرقية، وقد تكللت كل هذه الجهود في شهر إبريل من عام 1929م حينما صدر العدد الأول من جريدة ” الفلق ” التي أطلق عليها هذا الاسم محمد بن سعيد بن ناصر الكندي، وأعتبر الكثير بأن الفلق تعتبر امتدادا لنشاط جريدة النجاح التي أسّسها حزب الإصلاح في عام 1911م قبل توقفها نتيجة نفي رئيس تحريرها الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي إلى الهند كما ذكرنا سابقا.

وحتى تاريخ 7 – 8 – 1932م كانت الفلق تصدر باللغة العربية، وبعد هذا التاريخ ألحق للجريدة القسم الإنجليزي، وفي عام 1946م أضيف لها ملحق باللغة السواحلية، ولكن معارضة الشيخ هاشل بن راشد المسكري والسيد سيف بن حمود آل سعيد حال دون إكمال إصدارها باللغة السواحلية لتكتفي الجريدة الإصدار باللغتين العربية والإنجليزية.

وقد ترأس جريدة الفلق عدد من الصحفيين العمانيين وهم كالتالي:

الشيخ هاشل بن راشد المسكري من 1 – 4 -1929م إلى 29 – 4 -1931م.
الشيخ محمد بن هلال البرواني من 6- 5 -1931م إلى 8 – 9 – 1945 م.
الشيخ محمد بن ناصر اللمكي من 24 – 9 – 1945م – أوائل عام 1959م.
الشيخ هاشل بن راشد المسكري من أوائل 1949م إلى 15 – 10 – 1949م.
السيد سيف بن حمود آل سعيد من 23 – 10 – 1949 إلى 30 – 12 – 1950م.
الشيخ سعيد بن سالم الرواحي من 1 – 2 – 1951م إلى 18 – 5 – 1952م.
الشيخ هاشل بن راشد المسكري من 16 – 6 – 1952م إلى 2 – 9 – 1953م.
أحمد بن محمد اللمكي من – 9 – 9 – 1952 م إلى 19 – 6 – 1954م.
الشيخ أحمد بن محمد اللمكي، والشيخ علي بن محسن البرواني من 1955م إلى 1956م .
الشيخ عبدالله بن حمود الحارثي من 1956م إلى 26 – 12 – 1962م.






وقد كانت جريدة الفلق هي الرائدة في مجال طرح القضايا السياسية، وشكل هذا التوجه النسبة الأكبر في المواضيع المطروحة عبر صفحاتها وذلك لأسباب عدة منها معايشة الجريدة، وصحفييها لوقائع الحرب العالمية الثانية، وكذلك كانت تعكس التعبير بشكل قوي عن نشأة الاتجاه الوطني الراديكالي، وتشكل الأحزاب والجمعيات السياسية التي كانت أساس اهتمامات الجمعية العربية المؤسس الحقيقي للجريدة، وأخيرا تأثر الجريدة بالجو العام لحركة الإصلاح السياسي التي شهدتها زنجبار بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

كانت أغلب المواضيع السياسية التي تطرحها جريدة الفلق تتسم بأسلوب التعقل، والبعد عن الصدام المباشر للدعوة إلى الديمقراطية والإصلاح، ولكن كل ذلك لم يمنع الجريدة من ممارستها انتقاداتها الصريحة التي تصبّ في مصلحة الوطن مثلما يرى القائمين عليها، ومن الأمثلة على ذلك ما كتبته الجريدة بعد مرور 23 عام من تأسيسها، إذ جاء فيها:

“جاهدت الفلق لمصلحة العرب أولا، ولمصلحة الوطن ثانيا، ولحسن التفاهم بين الطوائف فكانت مثلا أعلى، لم تأل الفلق جهدا في مصارحة أيّ كان حتى في أشد الظروف خطرا مما ثبت حريتها، وحرية محرريها، هاجمت الفلق شخصيات مزيفة دون خوف ووجل … وهاجمت سياسات زائفة بدون محاباة، وهاجمت الفلق حتى الجمعية العربية نفسها رغم أنها ربيبتها، إلا أنها لم تعرف التملق، وكان مبدؤها أن الجمعية للعرب، والفلق للعرب، فأيّ منهما أخطأ، فعلى الثاني أن يقوّم اعوجاجين.

ظهرت الفلق وهي مدرسة تعلم الوطنيون منها الوطنية وتعلمت الأفكار منها الحرية وتعلم المعوجون الاستقامة، وأخيرا تعلمت الحكومة وعرفت الحقيقة ألا وهي أن ما زالت بهذه البلاد أمة تقدر حريتها ولو أنها ضعيفة”.

كما أن للفلق ومحرريها العمانيين ميزة لاحظها المتابعون لها وهي استقراؤها للأحداث، وقراءة الواقع السياسي في زنجبار نتيجة الوعي السياسي الذي كان سمة كتابها، وحيث نلاحظ في المقال التالي تنبأهم بكارثة الانقلاب عام 1964م الذي قُتل فيه أكثر من 20 ألف عماني وعربي للأسف بمذبحة دنيئة أمام صمت دولي فاضح، وهذا المقال تم كتابته في الجريدة بعنوان ( العاصفة ) في 20 – 4 – 1932م وجاء فيه:

” كتبت الفلق ونشرت، فلا واع ولا سميع ولا مذكر. صرخنا في حكومتنا فسدت آذانها عن سماع صراخنا، وهززنا أريحية أغنيائنا، فغلقوها في قلوب محكمة التسديد، طلبنا من آبائنا، فكنا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار ـ عملنا ما عملنا، وافتكرنا ما أمكننا، ولكن السيل شديدا ، وهكذا هبت العاصفة، فكانت هوجاء وتلفظنا من شفاهنا المحترقة كلمات أخيرات في الحياة، العفو يا الله.

العاصفة بل قل العواصف، ولكل منها الضحية، عاصفة تهيج موجة العقلية الوطنية وضحيتها الوطن، عاصفة تهيجها الحكومة في اللغة السواحلية وضحيتها العربية، عاصفة لم ولن أدري من هيجاها ضحيتها العرب في زنجبار الذين لا يعلمون ما كتبت لهم المقادير من الشقاء.

وهكذا هبت عاصفة بعد عاصفة، فهيجت موجة التفكير فينا، وعلى تلك الأمواج لا يعدم من خطر على سفن تمخر عبابها، ولكن بسم الله مجراها ومرساها.

إخواني لقد قامت جميع الشعوب العربية تطالب حقوقها بكل وسيلة تملكها، فهل نحن أقل منهم وطنية وحقا، طلبوا استقلال بلادهم فما طلبنا ولم نطلب، قالوا بخروج الأجنبي من أوطانهم، فما قلنا ولا نقول، طلبنا أقل من ذلك نطلب حقوق الوطنية، نطلب إدارة هذه المراكز الصغيرة بدل الأجانب، نطلب لغتنا، فإنها أساسا الحياة، نطلب الاعتراف بنا، إننا أحق من غيرنا في وطننا، نطلب من أغنيائنا، وآبائنا أن يعترفوا بالخطر المهدد لذريتهم إن هم تمسكوا بما هم فيه ، نطلب منهم نبذ التعصب، فالحالة غير ما كانوا يعرفونها.

نطلب من أنفسنا، ومن أولادنا أن نعلم ما علينا وما للوطن من حقوق، نطلب أن نتحد ونتآزر للخير، نطلب حسن التفاهم بين الآباء والأبناء لتبادل المصلحة، ونذكركم انه هبت عواصف ست فالحذر من السابعة، لئلا تذرنا الريح هباء منثورا، إنها لا بد وأن تهب، متى وأين فلا ندري، تحصنوا لمقاومة العاصفة السابعة فإنها أشد أثرا من سابقاتها”.

لقد كان الصحفي العماني في زنجبار شعلة من الشجاعة والإقدام وتحمل المسؤولية اتجاه القضايا الوطنية أمام مستعمر حاقد متربص حاول كثيرا خنقهم ومضايقتهم.

إن ذاكرة التاريخ العماني المجيد لن تنسى أعلام الصحافة في زنجبار من استبسلوا بأقلامهم وفكرهم لبث الوعي ومحاربة الظلم والتعصب في تلك الفترة وكيف وهم يمثلون خيرة المفكرين والمثقفين العمانيين في الجزيرة من أمثال أبي مسلم البهلاني ، والشيخ أحمد بن حمدون الحارثي ، والشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي ، والشيخ أحمد بن سيف الخروصي ، والسيد سيف بن حمود آل سعيد ، والشيخ الأمين بن علي المزروعي، والشيخ هاشل بن راشد المسكري، وأحمد بن محمد اللمكي، وحارث بن سليمان اللمكي ، ومحمد بن ناصر اللمكي وهلال بن محمد البرواني، ومحمد بن هلال البرواني، وعبدالله بن حمود الحارثي، وعلي بن محمد الجمالي، وعبدالله بن صالح الفارسي، وعيد بن سالم الرواحي، ومحمد بن علي البرواني ، وسعيد بن سالم الرواحي، وغيرهم من أبطال الصحافة في زنجبار.

على الرغم من كل العقبات التي كانت تواجه حرية الكلمة من قبل المستعمر الذي حاكم جريدة الفلق وكتابها في عام 1954م وتوقيفها لمدة عام بأكمله مع تغريمها بمبالغ طائلة فرضت على رئيس تحريرها، ولكن كل ذلك لم يثني البقية عن نضالهم بالقلم والوعي حتى نالت زنجبار استقلالها في عام 1963م.

*المرجع: زنجبار في عهد السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي (1911-1960م) دراسة في التاريخ السياسي، أحمد بن خلفان بن علي الشبلي، الطبعة الأولى 2015م، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – سورية.

المرجع

Your Page Title