أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
لا شكّ أنّ انهيار، الإمبراطورية العمانية وانقسامها نتيجة صراع أبناء السيد سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية بعد وفاته كان أكبر خبر كارثي حلّ بمصير الإمبراطورية بعدما تدخل الإنجليز بطلب من الشقيقين لوضع حل لأزمة الصراع على السلطة، فالسيد ثويني بن سعيد يعد نفسه الحاكم الفعلي في مسقط لكلّ أملاك الإمبراطورية العمانية، بينما شقيقه السيد ماجد بن سعيد كان يرى بأنه الأحقّ في الحكم بكل أملاك الإمبراطورية العمانية في شرقي افريقيا، بما أنّه الحاكم الفعلي، والنائب عن والده قبل وفاته في زنجبار.
وأعتقد بأنّ هذا الصراع الذي كان أصلا بين أغلب أبناء السيد سعيد بن سلطان مردّه الأول عدم وجود وصية واضحة للسيد سعيد يحدد فيها بشكل صريح من يخلفه بالحكم، بل ترك الأمر بعد وفاته دون وصية تشير لذلك، وكل ما فعله قبل مماته هو أنه وضع ثويني نائبا عنه في مسقط، وما جاورها من الأملاك في الشق الآسيوي، وابنه ماجد نائبا عنه في زنجبار، وما جاورها من الأملاك في الشق الأفريقي.
بالإضافة إلى ضعف العلاقات الأسرية بين أغلب أبناء السيد سعيد نتيجة اختلاف الأمهات، وجنسياتهن مثلما دللت عليه ابنته السيدة سالمة في مذكراتها المشهورة باسم “مذكرات أميرة عربية”، وهذا فعلا ما يتضح جليا من سيرة أبنائه بعد وفاته حتى انقسام الإمبراطورية، والأحداث التي تلتها منذ عام 1856م.
ولذا، فالسلاطين في مسقط، وفي زنجبار كان يعتريهم التفكير، والآمال في إرجاع مجد الإمبراطورية العمانية وتوحيد عمان، وزنجبار تحت حكم واحد، ولذا، فإننا هنا، وعبر ” أثير ” سنعرض لكم محاولة أحد السلاطين لتوحيد الشطرين بتحريض الثورة في مسقط، وإسقاط سلطانها لصالحه، وتحقيق مشروعه في عودة الشق الآسيوي للأفريقي في ظل حكم واحد.
إنّنا نتحدث هنا عن السلطان حمد بن ثويني بن سعيد بن سلطان الذي ولد في مسقط، وبعد موت والده مقتولا استولى السيد تركي بن سعيد بن سلطان على الحكم، وأوجس خيفة من ابن أخيه السيد حمد الذي كان متزوجا من ابنته تركية بنت تركي، وحينما توسّع الخصام بينهما نتيجة عدم الثقة في نوايا الآخر ألزمه السيد تركي بطلاق ابنته، ونفاه إلى الهند، ثم هاجر السيد حمد من الهند، وتوجّه إلى زنجبار في عهد عمه السيد برغش بن سعيد سلطان زنجبار آنذاك، وحينما مات السلطان برغش حكم من بعده السيد خليفة بن سعيد لسنتين، ثم خلفه بعد وفاته السيد علي بن سعيد الذي مات بعد ثلاثة أعوام من حكمه، وهنا حدث خلاف آخر بين أفراد الأسرة الحاكمة في زنجبار، ونزاع على السلطة بين الأعمام، وابن أخيهم السيد خالد بن برغش الذي انتزع حكم زنجبار رغما عن الإنجليز الذين كانوا يضعون زنجبار تحت حمايتهم، فتمّت مهاجمته من قبل البريطانيين في قصف، وحرب لم تتجاوز الــ 25 دقيقة حتى استسلم، وطلب اللجوء في السفارة الألمانية، وتم بعدها نفيه حتى وفاته.
من هنا بزغ نجم السيد حمد بن ثويني كوريث شرعي للحكم في زنجبار بدعم من الإنجليز الذين كانوا مسيطرين على المنطقة، مثلما أشرنا سابقا.
وبهذا تولّى السيد حمد حكم زنجبار، وكان كثير الإسراف، فأرهق ميزانية زنجبار بمصاريف كثيرة، وكانت له يومي الإثنين والجمعة برزة عمومية، وقد شهد حكمه تسريح العمال الهنود، ومنع بيع السلاح من مخازن التجار.
وتقول المصادر التاريخية إنّ السيد حمد بن ثويني كان مندفعا في بعض قراراته الخاطئة نتيجة البطانة المجاملة له، فعرض عليهم بعد تمكنه من الحكم بضم عمان، وممتلكاتها في الشق الآسيوي إلى سلطته التي يريد أن ينتزعها من سلطان مسقط ابن عمه السيد فيصل بن تركي، فأثنى كل المستشارين لديه بإيجابية خطوته تلك، وكانت الخطة، والبداية هي استدعاء بعض المعارضين من عمان وتشكيل ثورة في داخل عمان للانقلاب على سلطان مسقط، والإطاحة بالسيد فيصل بن تركي.
لذا، تم استدعاء الشيخ العلامة صالح بن علي الحارثي لقيادة الانقلاب، وإسقاط مسقط لصالح حكم السيد حمد سلطان زنجبار، وبالفعل أرسل الشيخ ابنه عبد الله الحارثي إلى زنجبار برفقة بعض زعماء القبائل للتفاوض على كل تفاصيل الخطة، والانقلاب، وتكفل السيد حمد لهم بكل تكاليف حرب مسقط.
وفي عام 1894م حدث الانقلاب في عمان المدعوم من زنجبار حسب الاتّفاق، وهاجم الشيخ عبد الله بن صالح الحارثي، واتباعه العاصمة مسقط، واستمرت الحرب بينهم، وبين السلطان فيصل بن تركي مدة 22 يوما انتصر فيها السلطان فيصل الذي استطاع إفشال مخطط الانقلاب الذي يديره السيد حمد الطامح لتوحيد عمان، وزنجبار، وإعادة أمجاد الإمبراطورية العمانية، وأمجاد جده المؤسس السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي.
وبهذا الفشل الذريع للانقلاب تبخّرت أحلام السيد حمد بن ثويني الذي مات في عام 1896م، ومات معه مشروعه القاضي بتوحيد الإمبراطورية العمانية في ظل سلطته، وحكمه، وهي المحاولة الوحيدة الجادة التي حدثت بين السلاطين سواء في مسقط، أو زنجبار.
المرجع: جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار – تأليف الشيخ سعيد بن علي المغيري – تحقيق محمد علي الصليبي – مراجعة د. سليمان بن عمير المحذوري – الطبعة الخامسة – 2017 م – وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان