أثير – تاريخ عمان
أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي
إعداد: نصر البوسعيدي
لا شك أن اختراع آلة الطباعة كان من الأسباب الرئيسية لتقدم النهضة العلمية والصناعية في أوروبا، فلم يلبث الألماني جوتنبرج مخترع آلة الطباعة في عام 1450م الانتهاء من اختراعه حتى بدأت آلاف المصنفات تطبع في ربوع الدول الأوروبية التي استفادت من تقنية الطباعة لنشر كل ما يتعلق بالعلوم بمختلف تخصصاتها رغم أن البدايات كانت تركز على الكتب ذي الطابع الديني ولكن تجاوزا كل هذا بطباعة مختلف العلوم لينتشر الكتاب بشكل كبير وبالتالي تطورت النهضة العلمية لديهم ووعي الشعوب مما أدى في الأخير إلى تمكنهم من امتلاك العالم وكل الصناعات والتكنولوجيا إلى يومنا هذا.
ورغم أن مارتن روث اخترع حروف اللغة العربية لآلة الطباعة في عام 1468م، وهو العام نفسه الذي طبع فيه أول كتاب أوروبي يحمل حروف اللغة العربية والذي نشره الألماني بيرنهارد فون بريدنباخ مسطرا فيه رحلته إلى فلسطين إلا أن العرب حاولوا أن يستفيدوا من تقنية آلة الطباعة في نهايات القرن الـ 18 ميلادي.
وقد شهد عام 1514م طباعة أول كتاب عربي في أوروبا يتعلق بالديانة الأرثوذكسية، ووصل عدد الكتب العربية التي طبعت في أوروبا منذ عام 1514م إلى عام 1702م نحو 167 كتابا.
وفي عام 1706م تم طباعة أول كتاب عربي في الوطن العربي وتحديدا في مدينة حلب بسوريا ومنها بدأ عصر انتشار الطباعة في الوطن العربي وتحديدا لبنان ومصر وتونس والمغرب واليمن وعمان والحجاز وكل ذلك ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي.
ولا شك أن أهل عمان أهل العلم والاجتهاد والإمبراطورية الممتدة حتى الشرق الأفريقي تأثروا وجاهدوا كثيرا لطباعة كتب مفكريهم ومن تأثروا بهم رغم صعوبة الحال والتواصل بين أقاليم الوطن العربي، وبخاصة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
وتشير المصادر التاريخية الموثقة إلى أن كتاب تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجبار وهو السيد برغش إلى أوروبا كأول سلطان عربي يقوم بجولته في تلك الأنحاء ، يعد أول كتاب عماني طبع في أوروبا وتحديدا في مكتبة النحلة ببريطانيا عام 1878م، وتعد زيارة السلطان برغش لأوروبا وانبهاره بتقنية الطباعة وعمله الجاد لإنشاء مطبعة عمانية في بلاده هي البداية الفعلية لاستخدام العمانيين لآلة الطابعة حينما نجح السلطان برغش بإنشاء المطبعة السلطانية في زنجبار كأول مطبعة عمانية فعلية في عام 1880م حيث اشترى السلطان مطبعة متكاملة من الآباء اليسوعيين ببيروت وجلب لها كادرا فنيا من لبنان لتشغيلها برفقة بعض من مثقفي أهل عمان والمعنيين بالحراك الفكري العماني وتراثه كمشرفين على عملية الطباعة ومراجعة ما يتم نشره مما أسهم بشكل كبير لتصبح زنجبار بيد العمانيين درة أفريقيا ومنارة علم يقصدها أهل الثقافة والفنون.
وقد استمرت المطبعة السلطانية منذ ذلك التاريخ بطباعة الكثير من الكتب العمانية وغيرها حتى يوم الانقلاب المشؤوم الذي راح ضحيته آلاف الأبرياء من العمانيين والعرب سنة 1964م أمام صمت مخجل للعالم أجمع.
ويعد كتاب قاموس الشريعة وهيمان الزاد وكتاب أبي مسألة ومختصر البسيوي وغيرها من أهم الكتب العمانية التي أشرفت على طباعتها المطبعة السلطانية ويوجد منها نسخ توجد في دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة (مسقط).
إن وجود المطبعة السلطانية في زنجبار أسهم بشكل كبير في انتشار المطابع العمانية الأخرى، كمطبعة النجاح وهي أول مطبعة عمانية أهلية في زنجبار سنة 1910م ومطبعة الفلق والنهضة ومونغوزي وجازيت زنجبار.
أما في عمان فقد دخلت آلة الطباعة إليها لأول مرة عن طريق الإرسالية الأمريكية في مسقط عام 1895م وكان نشاطها مقتصرا على طباعة منشورات التنصير هذا المشروع الذي فشل وفشلت معه المطبعة التي تم غلقها فيما بعد.
لقد تأخر العمانيون في السلطنة عن نظرائهم في زنجبار بقضية الاستفادة من آلة الطباعة وهذه التقنية التي أتاحت للعالم النور والاطلاع والاختراع ، ولا نعلم تحديدا لماذا كل هذا التأخير حدث والذي كتب عنه في عام 1347هـ المفكر سليمان باشا الباروني وهو يراسل الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي الذي كان يقيم في زنجبار ويدعم الحراك العلمي بالسلطنة قائلا:
“إن عمان لا تصير قريبة الشبه ببلاد الناس ويمكنها التقدم إلا بمدرسة ومستشفى ومطبعة إذ من العار أن تكون مملكة ذات تاريخ جليل الشأن مشحونة بجميع أنواع الأمراض الفتاكة لا مستشفى ولا طبيب ولا دواء فيها، وقد ورد في بعض الآثار أنه لا يجوز للإنسان أن يسكن بلدا لا طبيب فيه، ومن المعيب أن يكون مذهب ومملكة لا مطبعة لهما، وكلما دعت الحاجة إلى طبع شيء ولو كانت رسالة صغيرة ترسل للهند أو العراق أو مصر، وقد دخلت المطابع حضرموت البدوية، والكويت الصغيرة، وعما قريب تدخل البحرين ، فأين عمان الكبيرة حسا ومعنى؟! نسأل الله التوفيق والإعانة”.
ورغم كل ذلك كان بعض السلاطين العمانيين يولون جل اهتمامهم بطابعة الفكر العماني ونشره حتى عن طريق المطابع الأخرى التي توجد في الوطن العربي فتم مثلا طباعة كتاب مشارق أنوار العقول للشيخ السالمي في مطبعة جريدة المحروسة في القاهرة سنة 1896م على نفقة السلطان حمود بن محمد البوسعيدي سلطان زنجبار ، وتم طباعة كتاب مسند الإمام الربيع في مطبعة الأزهار البارونية بالقاهرة عام 1908م على نفقة السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي سلطان عمان، كما توجه بعض سلاطين عمان لطباعة كتب عمانية في مطابع اليابان كديوان الشاعر العماني أبي الصوفي سعيد بن مسلم المجيزي سنة 1937م على نفقة السلطان تيمور بن فيصل آل سعيد في الفترة التي تلت تنازله عن الحكم لابنه السلطان سعيد.
ومما يسطره التاريخ بفخر تلك الأسماء من الشخصيات العمانية العامة التي أسهمت كذلك في طباعة التراث الفكري العماني في مختلف المطابع لنشر الكتاب العماني وحفظه من الاندثار ومن أبرزهم ووجب أن نذكرهم ونحفظ لهم عملهم النبيل اتجاه الكتاب العماني:
1 – الشيخ سالم بن محمد الرواحي:
طبع في الهند بمطبعة دت يرساد على نفقته كتاب لطائف الحكم في صدقات النعم للشيخ سعيد الخليلي سنة 1891م ، وكتاب تلقين الصبيان للشيخ السالمي في القاهرة بمطبعة السلفية عام 1925م ، وجامع أركان الإسلام للشيخ سيف بن ناصر الخروصي في القاهرة عام 1927م.
2 – الشيخ سليمان بن ناصر اللمكي:
أسهم الشيخ كثيرا في إنقاذ مكتبة الباروني من الإفلاس والفشل ، فدعمهم بالمال واشترى للمطبعة معدات وآلات من بيروت لتستمر المطبعة بعطائها.
3 – الشيخ محمد بن سلطان الريامي وأخوه سالم بن سلطان الريامي:
طبع الشيخ محمد على نفقته مجموعة من الكتب العمانية منها كتاب نور التوحيد للشيخ على المنذري ، وكتاب اختصار الأديان والصراط المستقيم وكتاب النور المحمدي لأبي مسلم البهلاني بالمطبعة البارونية في مصر بين عامي 1900 و 1901 م.
أما شقيقه سالم فطبع قبله على نفقته كتاب طلعة الشمس وبهجة الأنوار والحجج المقنعة للشيخ السالمي في مطبعة الموسوعات بالقاهرة سنة 1899م.
ومن الأسماء التي حفظها التاريخ للعمانيين الذين أسهموا بطابعة الفكر العماني:
– سالم بن سعيد بن سالم الحاضي الأزكوي.
– راشد بن أحمد بن راشد الحبسي.
– عيسى بن سعيد بن ناصر الكندي.
– أبو حمدان الخطيب ناصر بن سليمان الحارثي.
– سليمان بن سعيد السيابي.
– محمد بن سالم السيابي.
– سليمان وأحمد ابنا محمد بن عبدالله السالمي.
– بلعرب بن محمد بن صلت النبهاني.
– عامر بن سليمان بن عامر الهميمي.
– محمد بن ناصر بن محمد الربخي.
سالم بن حمد بن سليمان الحارثي.
أما الأخوة العرب الذين أسهموا منذ البدايات في طباعة الكتب العمانية ونشرها فقد دون التاريخ بعض من أهمهم وهم.
– محمد بن يوسف الباروني، وشريكه الجزائري في المطبعة البارونية بمصر سليمان بن مسعود المجدلي.
– عز الدين التنوخي في سوريا.
– عبدالمسيح الأنطاكي في مصر.
– الحاج عومر ابراهيم العطفاوي وشريكه الحاج محمد صالح اليسنجي في الجزائر.
– مصطفى بن إسماعيل المصري في مصر.
– أبو القاسم سعيد يحيى الباروني في مصر.
– يوسف توما البستاني في مصر.
وبفضل كل هذه الجهود استطاع الكتاب العماني الانتشار ولو قليلا في الوطن العربي نتيجة محدودية عملية التوزيع لا سيما عمان نفسها فقد كان الناشر نفسه من يقوم بتوزيع الكتاب إلا ما ندر من التجار في مطرح مثلا كالتاجر يوسف بن أحمد الزواوي.
وعطفا على ما تم ذكره فإن عام 1959م شهد تأسيس أول مطبعة عمانية بالسلطنة وهي المطبعة السلطانية واستمرت حتى عام 1978م، وكانت تعنى بطباعة المنشورات الرسمية.
وفي عام 1967م تأسست في مسقط مطبعة مزون التجارية التي اهتمت بطباعة الجريدة الرسمية في السلطنة، ومنها بدأت بعض المطابع العمانية بالانتشار ولو أنها قليلة لا تليق بحجم الفكر العماني.
هذا الواقع للأسف لا زال هو السائد في السلطنة رغم كل الجهود حاليا، فالمطابع القليلة التي وجدت لم تسهم كثيرا في إظهار الكاتب العماني ولا نتاج الفكر العماني الذي ظل يجاهد بشكل كبير للظهور رغم صعوبة الظروف وقلة الإمكانات مما أدى إلى تقدم الآخرين في مجال صناعة الكتب والتأليف، واضطر الكتاب العماني والمؤلف العماني إلى الخمول إلا ما ندر رغم استطاعة الكاتب العماني حاليا من التواصل مع مختلف المطابع العربية في سبيل الدعم والطباعة والانتشار.
ولا بد هنا أن نشير إلى أن أهل عمان لديهم مخزون ضخم جدا من المخطوطات العتيقة المكتوبة بخط اليد المحملة بمختلف التوجهات العلمية والحياتية التي تعد من أمهات المصادر فأهل عمان لهم باع كبير في التأليف وطلب العلم والشواهد بالإضافة إلى عشرات آلاف المخطوطات كثيرة وأجيال اليوم ليسوا إلا امتداد للأجداد في اجتهادهم واطلاعهم ووعيهم، فلا غرابة أن يعد معرض مسقط الدولي للكتاب من أقوى المعارض العربية في الإقبال على الكتب.
أتمنى حقا وهي رسالة موجهة للجهات المعنية في ذلك أن يتم تسهيل إجراءات إنشاء المطابع في السلطنة فالإجراءات المعقدة في ذلك أسهمت بشكل كبير في عدم وجود تلك المطابع التي يشار لها بالبنان عربيا ونحن لسنا أقل من أحد بتاتا لأننا نملك كل شيء إلا سهولة الإجراءات لوجود مطابع معتبرة.
السيرة التاريخية لتاريخ الطباعة تخبرنا بأن تقدم الشعوب في وقتنا الحاضر لم يتأت بتلك السرعة في دول أوروبا إلا بعد اختراع الطباعة والسير نحو الترجمة والاطلاع والتأليف والنشر في مختلف العلوم التي لم تنحصر في الجانب الديني في مجملها بل تعدت ذلك بكثير.
********************************
المرجع : تاريخ الطباعة والمطبوعات العمانية عبر قرن من الزمان (1878 – 1977م)، سلطان بن مبارك الشيباني، الطبعة الأولى 2015م، طبع بدعم محمد بن عبدالله الحارثي، ذاكرة عمان ، سلطنة عمان – مسقط
المرجع

